المشهد اليمني الأول/ رأي اليوم
في خِطابِه الانتخابيّ الذي ألقاهُ السيِّد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله” في مِنطَقة بعلبك، قال عِبارةً على دَرجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة تَختَصِر استراتيجيّة الحِزب ومِحوَر المُقاوَمة في المَرحلةِ المُقبِلة، سَواء في المَشهَدين السُّوري واللُّبناني، أو على صَعيدِ المُواجَهة المُحتَملة مع دَولة الاحتلال الإسرائيلي في ظِل التَّوتُّر الإسرائيلي الإيراني المُتصاعِد.
السيِّد نصر الله قال بالحَرف الواحِد: “الحرب في سورية مع الوُكَلاء شارَفت على نهايِتها، والحَرب الثَّانِية مع الأُصلاء قد تَبدأ قَريبًا”، الوُكَلاء هُم الجَماعات المُسلَّحة التي كانَت تُحارِب لإسقاط النِّظام في سورية بِدَعمٍ مِن الولايات المتحدة وبَعضِ الدُّوَل الخليجيّة، أمّا الأُصلاء فَهُم الأمريكان والإسرائيليّون وحُلفاؤهم العَرب في مِنطَقة الخليج”.
اللَّافِت أنّ حديث السيد نصر الله عن انتهاءِ حرب قُوّات حِزبِه مع الوُكلاء في سورية، يتزامَن مع تقارير مُوَثَّقَة تُؤَكِّد سَحب مُعظَم “قُوَّات النُّخبَة” في “حزب الله” مِن سورية وإعادة تَموضُعِها في جنوب لبنان لانتهاءِ مُهِمَّتِها تَحسُّبًا لاندلاعِ الحَرب مع إسرائيل، فبَعد إعادة الجيش العَربيّ السُّوريّ سَيطرته على أكثر من ثَمانين في المِئة من الأراضي السُّوريّة، واكتسابِه خُبرات قِتاليّة عالِية في مَجاليّ حَرب العِصابات، والحَرب التَّقليديّة الكلاسيكيّة، لم تَعُد هُناك حاجَة مُلِحَّة لوُجود قُوَّات “حزب الله” بالكَثافة التي كانت عليها في بِدايَةِ الحَرب.
نُقطةٌ أُخرى تَستحِق الإشارة في هذا المِضمار، وهِي وُجود الآلاف من المُستشارين العَسكريين الإيرانيين، وقُوّات باكستانيّة وعِراقيّة، وأفغانيّة شيعيّة مَدعومة مِن إيران، ومُدرَّبة ومُسلَّحة من قِبَل قِيادَتها العَسكريّة، وهؤلاء جَميعًا باتوا يَلعَبون دَورًا فاعِلاً في مُعظَم جَبَهات القِتال في سورية، ويَستَعِدُّون حاليًّا للانخراط في حَربٍ ضِد القُوّات الأمريكيّة في الشَّمالِ السُّوريّ وربّما شَرق الفُرات أيضًا.
استعدادات “حزب الله” للحَرب القادِمة ضِد الأعداء “الأُصَلاء” يحتاج إلى حاضِنَةٍ سِياسيّة لُبنانيّة قَويّة، وتَحدَّث عن ذلك السيِّد نصر الله في الخِطاب الانتخابيّ نَفسِه عندما قال “المُقاوَمة بحاجِةٍ إلى حِمايةٍ سِياسيّة، وهذهِ الحِماية تُوَفِّرُها أصواتُكم” في إشارةٍ إلى أهالي بعلبك ومُحيطِها، وهي المِنطَقة المُختَلِطة التي تتَكتَّل فيها القِوى اللُّبنانيّة الأُخرى ضِد كُتلَة المُقاومة بِزَعامَة الحِزب.
تقديرات السيِّد حسن نصر الله التي تقول بأنّ الأمريكان والإسرائيليين لن يَسكُتوا على خَسارَتِهم في سورية صحيحة من وِجهَة نَظرِنا في هَذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم”، وما يُؤَكِّد على هَذهِ الخُلاصَة تَصاعُد الحَديث عن حَربٍ إيرانيّة إسرائيليّة وَشيكة، وعَزمْ الوِلايات المتحدة انسحابها من الاتّفاق النَّووي، وقَطع المغرب علاقاتِه مع إيران على أرضِيّة اتّهامات لحِزب الله بتَسليحِ حركة “البوليساريو”، وهي الخُطوَة التي قَد تَحذو حَذوَها دُول أُخرى في مِنطَقة الخليج العربي وحُلَفاء أمريكا في “مِحوَر الاعتدال”.
الانتقام من الغارات الإسرائيليّة على مَواقِعٍ عَسكريّةٍ إيرانيّةٍ في قاعِدَة “التيفور” قُرب حِمص، أو الأخرى في ريف حماة، التي أدَّت إلى سُقوط ما يَقرُب مِن 30 مُستشارًا عَسكريًّا إيرانيًّا، قد يأتِي عَبر بوّابة “حزب الله” في جَنوب لبنان، وما يُرَجِّح تأجيل الانتقام الإيراني إلى ما بَعد الانتخابات البَرلمانيّة في كُلٍّ مِن لُبنان والعِراق.
كلام السيِّد نصر الله يَنطَوِي على دَرجةٍ كَبيرةٍ مِن الخُطورة لأنّه يَرسُم مَلامِح التَّحَرُّكات العَسكريّة في المِنطَقة في الأسابيع والأشهُر المُقبِلة، خاصَّةً أنّ إسرائيل بَدأت في قَرع طُبول الحَرب، وحصلت مِثلَما تُؤَكِّد التَّقارير الغَربيّة، على ضُوءٍ أخضَرٍ أمريكيٍّ بسبب تَصاعُد حِدَّة القَلق لديها، وإدراكها بأنّ الحَرب المُقبِلة سَتكون مُختَلفة عن كُل الحُروب الأُخرى، ومُتَيَقِّنة بأنّ “حزب الله” سَيكون رأس حِربَتِها.
ما لا يُدرِكُه نتنياهو وحَليفه دونالد ترامب أنّ قواعِد اللُّعبة في المِنطَقة تَغيَّرت في السَّنوات العَشر الماضِية، وأنّ التَّحالُف الإسرائيلي الأمريكي لم يَعُد صاحِب الكَلِمة العُليا في ظِل الصُّعود الرُّوسي، والقِوى الإقليميّة مِثل تُركيا وإيران، والتَّعافِي المُتسارِع لكُلٍّ من سورية والعِراق.