وترجَّلَ الرئيسُ شهيداً..

2388

المشهد اليمني الأول/

يستشهد العظماء في وطني، ولا تعلم الأمة خطورة من تفقد، وخطورة رحيل من يغادر، يرحل عنها من كان حاملا لوائها، مدافعا عن حياضها ورفعتها وعزتها، يرحل من يركض وراء حرية أمة أنهكها التعب، وجثم عليها الذل والهوان؛ لكنه لم يلتفت للخنوع والإنبطاح، وقرر أن يشد الكف على الكف، يد تبني ويد تحمي. ومن جديد، تتعانق أرواح الشهداء المجاهدين الذين سطّروا بدمائهم صفحات من المجد والشموخ، وكتبوا التأريخ بمداد الدم الزكيّ والأشلاء الطاهرة.

سيدي الشهيد:
لست أهلاً لكي أكتب في بطل مثلك، لكنني تلميذ من تلاميذ بطولاتك، أحزنه موتك، وأفرحه استشهادك، فأحب أن يسطر حروفاً في هامتك وموقفك البطل. هي كلمات أبت أن تبقى عالقة في غصة الحناجر، وأصرت على أن تعانقك قبل أن تدفن، وترمي نفسها أمام جثمانك الطاهر قبل أن يسجى بلباسه الأخير، نثرتها على جسدك الزكي الغائب، فبكت وأرخت دموعاً لا يفهمها سوى من كان شهيداً يتلذذ بهذه المنزلة، فلا حرمك الله هذه المنزلة.

أي عبق هذا الذي منك قد فاح، أبيت إلا الصمود فوق قمم وطنك الصامدة مثلك، أبيت إلا مكاناً فوق النجوم، وقفت والشمس في موضع، تبعث فينا الإشراق، وتغرف عنا الغروب، شروقك فينا نور لا يطمس، وغروبك عنا ذكريات لا يطؤها النسيان. روحك العظيمة وقود نصرنا، هي ليست ذوداً عن تراب فقط، هي ذود عن دين، ذود عن أمن بيوت، ذود عن دمعات أطفال، عن هلع نساء وقلق شيوخ، ذود عن وطن يئن، عن أعراض تنتهك، عن أموال تصادر، وحصار يخنق، ذود عن كرامة، وذود عن أرض.

دمك الأحمر لن ينسى، ومظلمتك لن تبلى، دمك الأحمر في رقابنا قلادة من أمانة؛ فإن نسيناه فقد خنا الأمانة، فأرفع جبينك فوق ضوء الشمس، فما زلت حياً لم ترحل وإن اريناك التراب. فجرك ينبت ألف صباح، ودمك ينبت ألف جبهة وميدان.

أيها الثائر العظيم:
أنت في ضمير الأحرار والابطال حي، وفي ضمير التأريخ والأمة صفحة مشرقة وهابة، أنت للحق المغتصب جولة وصولة وقوة، طهارتك جزء من طهارة عرضك وأرضك وقضيتك ووطنك، عظمتك جزء من عظمة دينك ونبيك وأمتك. أستشهدت ولم تمت، ارتقيت ولم تغب، لا روحك الطاهرة تلاشت، ولا بطولاتك تناست، ولا صوت يعلو على صوت نعالك التي شقت درب الحرية والعزة والكرامة. بعت نفسك رخيصة؛ لأنك علمت أن الوطن ملجأ الروح، وهو الملاذ الآمن الذي يضم ابناءه ويصون كرامتهم وعزتهم. ولأنك لا تستطيع العيش دون وطن يحفظ كرامتك وكرامة شعبك، كان واجب عليك وعلى الشرفاء من المجاهدين الوقوف في وجه من يحاول النيل منه وتدميره، وكان عزاؤكم إما نصر وعز عظيم، وإما الشهادة في سبيل الله، والفوز العظيم بجنة عرضها السموات والارض.

أيها البطل:
ألقى ربك بسلام، فنحن على دربك سائرون، وعلى خطاك ماضون، وعلى مسيرتك عازمون، وعلى عهدك باقون، وإنا إن شاء الله منتصرون.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم: فؤاد الجنيد

https://youtu.be/QH51aYq667o

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا