المشهد اليمني الأول/
على الرغم من التصريحات الناريّة التي يُطلقها أركان دولة الاحتلال ضدّ إيران، والتوعّد بتوجيه ضربةٍ قاسيّةٍ ومؤلمةٍ للجمهوريّة الإسلاميّة في حال “تعدّيها” على سيادة الدولة العبريّة، على الرغم من ذلك فإنّ إسرائيل تعيش مأزقًا حقيقيًا، لا بلْ أكثر من ذلك، تُعاني من متلازمة إيران، إذا جاز التعبير، وكما قال الدفاع هو الطريق الأنسب للهجوم، مع تغييرٍ في عددٍ من المفردات يتمثل في إضافة كلمتين: التهديد هو الطريق الأنسب لمنع الهجوم.
وفي هذا السياق، تلّقينا أمس تأكيدًا على التخبّط الإسرائيليّ في المسألة الإيرانيّة خلال نشرة الأخبار المركزيّة في القناتين 12 و13 بالتلفزيون العبريّ. المُختّصون والخبراء والمُحلّلون تطرّقوا وبإسهاب إلى مفاعيل الردّ الإيرانيّ، وتحاورا فيما إذا كانت إيران ستردّ مُباشرةً باستهداف مواقع عسكريّةٍ في العمق الإسرائيليّ، أمْ أنّها ستلجأ إلى ضرب أهدافٍ إسرائيليّةٍ أوْ يهوديّةٍ في العالم الواسع.
أحد المُحلّلين أكّد على أنّ إيران تملك ترسانة صواريخ باليستيّة بإمكانها إصابة أيّ هدفٍ داخل عمق دولة الاحتلال، عندها فَقَدَ مُراسل الشؤون العسكريّة، روني دانيئيل، فَقَدَ أعصابه، وبدأ يرغي ويزبد، وقال مُوجّهًا حديثه لزميله وللجمهور الإسرائيليّ: ما هذا الترهيب؟ لماذا تقوم بتخويف وإرعاب الإسرائيليين، نحن نملك قوّةً ضاربةٍ باستطاعتها شلّ إيران، وتابع قائلاً: أقترح على الجميع عدم الخشية والخوف، لأنّه أيضًا في طهران هناك خلافات في وجهات النظر بين صُنّاع القرار في طهران من المُستويين السياسيّ والأمنيّ والمرجعيّة الدينيّة حول الردّ على العدوان الإسرائيليّ أوْ عدمه.
ودانيئيل، المعروف بصلاته الوطيدة جدًا مع المؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، والذي يُطلق عليه البعض من زملائه لقب الناطق غير الرسميّ بلسان جيش الاحتلال الإسرائيليّ استمرّ في محاولاته لتهدئة روع الإسرائيليين و”فجّر” القنبلة: ها قد مرّ أسبوعين على ضرب قاعدة (T4) العسكريّة في سوريّة المنسوبة لإسرائيل، ولم نشهد أيّ ردٍّ من إيران، سوى التهديد والوعيد، على حدّ تعبيره.
وعلى الرغم من الخلافات في الـ”تحليلات” بين الخبراء في الأستوديو حول الردّ الإيرانيّ، كان هناك إجماعًا من كلّ المُشاركين: للمرّة الأولى تصدر التهديدات المُباشرة من طهران وتل أبيب، الأمر الذي يؤكّد، بحسبهم، أنّ التصعيد ما زال مُستمرًّا، لافتين في الوقت نفسه إلى أنّ التصعيد الكلاميّ بين الطرفين هو نذير خطرٍ وشؤمٍ.
وكان طبيعيًا جدًا أنْ تعرض قنوات التلفزة العبريّة والمواقع الالكترونيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ وبشكلٍ مُكثّف، ما أكّد وزير الأمن الإسرائيليّ، أفيغدور ليبرمان أمس الجمعة من جديد عن “جبروت” الجيش الإسرائيليّ و”النصيحة” بعدم اختباره، حيث قال للصحافيين الذين رافقوه في زيارته إلى شمال الدولة العبريّة: أنصح كل الموجودين على الحدود الشماليّة بأنْ يفكروا جيدًا ماذا يفعلون، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه من الأجدر لهم ألّا يختبروا الجيش الإسرائيليّ أو دولة إسرائيل. وساق قائلاً بعنجهيةٍ ممجوجةٍ: نحن مستعدون لأيّ سيناريو، نحن مستعدون لسيناريو متعدد الجبهات، ولا أذكر أبدًا حالة استعداد وتأهب كهذه، سواء في الجيش أوْ لدى الشعب الإسرائيليّ.
وزير الأمن الإسرائيليّ، وهو المُتشدّد جدًا، والذي لا خلفية عسكريّة له بتاتًا تابع قائلاً في معرض ردّه على أسئلة وجهها له إعلاميون، وتحديدًا فيما يتعلق بما أسموها فرصة اندلاع حرب، تابع قائلاً إنّ هذه التهديدات التي نسمعها منذ سنوات لا تؤثر علينا، نحن لا نريد نشوب حرب، بل على النقيض من ذلك، نريد الهدوء والسكينة والأمن، لكن، استدرك ليبرمان مُشدّدًا على أنّه إذا بادر أحد ما إلى شنّ حربٍ، فعليه أنْ يتحمّل المسؤولية عن ذلك، وكما قلت نحن جاهزون، جيشًا وشعبًا، بحسب أقواله.
جديرٌ بالذكر أنّ التصريحات والتهديدات التي صدرت من تل أبيب في الأيام القليلة الماضية، أعادت إلى الأذهان تهديدات سبقت ردّ حزب الله على اعتداء إسرائيل في القنيطرة عام 2015، حيث تمكّن الحزب من قتل وجرح عددٍ م الضباط والجنود الإسرائيليين بعدما نصب لهم كمينًا في مزارع شبعا وأطلق القذائف باتجّاه مركباتهم التي كانت تشير على الحدود مع لبنان.
وأخيرًا، المُتتبّع للشأن الإسرائيليّ يُلاحظ بدون جهدٍ أنّ الإعلام العبريّ، الذي يُعتبر مرآة لأفكار وآراء صنّاع القرار في تل أبيب، يعمل وبوتيرةٍ عاليّةٍ ومنهجيّةٍ على عدم إدخال الإسرائيليين في حالةٍ من الرعب الشديد من التهديدات الإيرانيّة، وهذا التوجّه، شئنا أمْ أبوا في دولة الاحتلال، يؤكّد على أنّ ما وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ إسرائيل، قيادةً وشعبًا، تعيش أزمةً حادّةً بسبب التهديدات الإيرانيّة الحازمة والجازمة والصارمة.
ــــــــــــــــــــــ
بقلم – زهير أندراوس