المشهد اليمني الأول/
روي عن أبي صلاح القوبري:
أنه جُرح قُبيل سنتين بشظيةٍ أصابت رأسه، وبعدها تم إسعافه للمشفى العسكري بصنعاء وبعد الإطلاع على حالته تم إبلاغُ مسعفيه أنه أُصيبَ بشللٍ نصفي!!
ذلك الوقت؛ اعترا اليأس والقهر والألم قلوب رفقائه وأمضوا تلك الليلة على سياراتهم في موقف المشفى، وما إن انبثق ضوء الصباح حتى رأوا أمامهم رجلاً مهرولاً بثياب الجرحى وعلى يديه تلك المغذِّيات، كان ذاك الرجل هو ‘أبا صلاح’، والممرضون يهرولون بعده منذهلين من قيامه الغير متوقع _كون إصابته لا تسمح له بتاتاً بذلك_؛ وصارخين:
‘ووو.. أين عتسير ؟؟’
فأجابهم بكل حمية صارخاً:
‘فلتوني.. اهربوا مني.. اخروا مني.. اشتي اسير أدي صبوح للمجاهدين يرتاحوا ويكيفوا وياكلوا’
لكأن ذاك الإيثار والإحسان الذي تمتع بهما الشهيد أبو صلاح قد حتَّما عليه ملازمتهما حتى في أحلك ظروفه الصحية !
رفقاؤه يراقبون المشهد باندهاشٍ أيضاً؛ فأسرعوا إليه ينهرونه عن فعله وإلى أين هو ذاهب؛ وحينها شعر بإقدامه على شيءٍ غلط؛ فوقف وعاد مع ممرضيه إلى غرفة علاجه، وبعد إعادة الفحوصات التي أذهلت أولئك الدكاترة؛ ظهرت النتيجة بفقدانه ذاكرة الحفظ !
بعدها؛ تمت متابعته لاستعادة ذاكرته؛ فما كان يستذكر إلا المجاهدين وأسماءهم ومواقفهم؛ حتى إخوانه الذين لم ينغمسوا في السلك الجهادي؛ ما استطاع استذكارهم !
وبعد نصف شهر من الحادثة؛ تراجعت ذاكرته الحفظية نوعاً ما؛ وبناءً على الوعي الثقافي الذي استحوذ عليه؛ فقد واصل تلك المسيرة الواعظة لأصدقائه المجاهدين وحرص حرصاً شديداً على وضع أحدهم بجانبه؛ كي يُذكِّره بآيات القرآن التي يحتاجها في درس الوعظ _إن نسيها_!
وبعد ذلك بفترة؛ عاد إلى مواطن الرجال وشكل شبحاً خاطفاً أرواحَ الغزاةِ مرةً أخرى؛ إلا أن إصابته ألزمته الرجوع للعلاج مرةً أخرى ومن ثم رجع ليستكمل فترته العلاجية التي استدعت ذهابه إلى ‘الهند’، وما إن وصل وتم تشخيص حالته حتى انذهل دكاترة الهند أنه ما زال على قيد الحياة وإصابته لا تسمح بذلك أبداً؛ فخضع حينها للعلاج المستعجل وتم تخفيف ألمه نوعاً ما !
وعاد إلى البلد منطلقاً مرةً أخرى نحو ذاك المحراب المقدس كأسدٍ في الوغى وليثٍ ينقضُّ على الأعداء !
لا غرابة في الأمر؛ فمن وقف مع الله ونصره؛ سيقف معه الله وسيرعاه ويعتني به؛ إلى أن يشتاق إليه فيرفع روحه الطاهرة بجواره ..!
https://youtu.be/N3Mma_d2CFQ