المشهد اليمني الأول/
ثلاثة أعوام من استراتيجية «النَّفَس الطويل» التي يعتمدها الجيش اليمني في مواجهة العدوان السعودي، كانت مليئة بـ«المفاجآت» على مختلف جبهات القتال، حيث استطاعت القوات اليمنية، مسنودة باللجان الشعبية، إفشال خطط «التحالف» العسكرية، والتصدّي لأسلحته غير التقليدية بأسلحة تقليدية خفيفة ومتوسطة. كان «التحالف» يعتقد أن الانتقال من الحرب غير المباشرة على الجيش اليمني، التي بدأت مع قرارات إعادة الهيكلة التي اتخذها الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي (قبيل استقالته)، سيؤدي إلى تحقق ما لم تتمكن المبادرة الخليجية من تحقيقه. إلا أن عملية التدمير الشامل لقدرات الجيش لم تحقق للسعودية مطمحها، بعدما استطاعت «أنصار الله» مواجهة الدبابة ببندقية الـ«كلاشينكوف»، بفعل القدرات القتالية التي اكتسبتها خلال الحروب الست التي شنها نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على صعدة.
خلال الأشهر الأولى من الحرب، حاولت قيادة «التحالف» تشتيت قوات «أنصار الله»، من طريق فتح سبع جبهات عسكرية في عدد من المحافظات، إلا أن خطة تصعيد الضغوط هذه وُئدت في مهدها، بعدما تصدت لها «أنصار الله» بصلابة في الداخل، وعملت على إرباك «التحالف» بنقل المعركة إلى الحد الجنوبي للسعودية، حتى وجدت الرياض نفسها أواخر العام الأول من العدوان أمام حرب استنزاف مفتوحة في نجران وجيزان وعسير.
وفي محاولة لتخفيف الضغط العسكري هناك، عملت قوات «التحالف» على توسيع خريطة العمليات العسكرية من ثلاث محافظات يمنية إلى سبع محافظات في العام الثاني، ومن ثم إلى 10 محافظات في العام الثالث، حتى بلغ عدد الجبهات المشتعلة 43 جبهة. إلا أن «أنصار الله» واجهت التصعيد بتصعيد مضاد، مُستخدِمةً أكثر من تكتيك عسكري في المواجهة غير المتكافئة في العتاد والعدة. هكذا تمكنت الحركة من التعامل بمرونة مع ذلك الفارق الكبير، مُتنقلةً في مواجهتها الميدانية بين الهجوم والدفاع بحسب ظروف المعركة، فضلاً عن نجاحها في خفض كلفة الحرب البشرية، الناتجة من استخدام «التحالف» قوة الطيران بكثافة في مساندة المقاتلين الموالين له.
«محرقة التحالف»
في المقابل، كانت القوات الموالية لـ«التحالف» تتكبّد فاتورة باهظة من دون نتيجة تُذكر. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، بلغ عدد القتلى والجرحى من تلك القوات 73154، وفقاً لإحصائية صادرة عن مركز الإعلام الحربي في صنعاء حصلت «الأخبار» على نسخة منها. وبحسب الإحصائية، اقتُحم خلال الفترة نفسها 3931 موقعاً عسكرياً في مختلف الجبهات، ودُمِّرَت 13957 دبابة ومدرعة وآلية عسكرية. ونفذ الجيش واللجان 5691 عملية عسكرية، و14251 عملية قنص، ونَصَبا 7913 كميناً عسكرياً، وتمكنا من كسر 4765 عملية زحف، فيما بلغت عمليات التدمير التي قاما بها 4451.
وفي الحدّ الجنوبي للمملكة، نفذ الجيش اليمني واللجان، طبقاً للإحصائية عينها، 3421 عملية عسكرية في العمق السعودي، ودمرا 1746 موقعاً عسكرياً سعودياً، كذلك اقتحما عشرات المعسكرات. وبحسب إحصائية عسكرية أخرى، حصلت «الأخبار» على نسخة منها، تجاوز عدد قتلى الجيش السعودي خلال الفترة عينها 13971 قتيلاً، بينما بلغ عدد دبابات «أبرامز» التي دُمِّرَت 1259 دبابة، وعدد المدرعات والآليات السعودية الحديثة التي آلت إلى المصير نفسه 8197.
«جيش النخبة»
إذا كانت الحرب تسبّب إنهاك الجيوش، فإنها في حالة اليمن آتت مفعولاً عكسياً لمصلحة الجيش اليمني، الذي كان قد تعرّض لعملية تفكيك ناعمة بموجب المبادرة الخليجية، انتهت بتدمير روحه المعنوية، قبل أن يُدمَّر سلاحه بضربات جوية خلال الأشهر الأولى من العدوان، بناءً على إحداثيات أُعدّت خلال فترة «التفكيك» (إعادة الهيكلة) ما بين عامَي 2012 و2014. إلا أن «أنصار الله» تمكنت من إعادة بناء جيش نوعي متطور في التدريب والعدة والعتاد.
دونما إعلان رسمي، كان عام 2017 عام بناء الجيش اليمني بامتياز. ففي غضون سنة واحدة فقط، دُرِّب عشرات الآلاف على مواجهة مختلف المواقف العسكرية، بطرق حديثة تواكب تطورات المعركة وظروفها الجبلية والساحلية والبحرية.
ولم تقتصر عملية التدريب والتأهيل تلك على مناطق بعينها، بل شملت مختلف المناطق العسكرية، حيث تخرجت أكثر من 65 دفعة قتالية جديدة خلال عام 2017م، يراوح قوام كل منها ما بين 2000 و3000 مقاتل. وفي كانون الثاني/ يناير من العام نفسه، أُعلن تخرُّج سبع دفعات تُقدَّر بالآلاف من المقاتلين في صنعاء وعمران وحجة والمحويت والحديدة. وفي الشهر التالي، تخرجت ثلاث دفعات، وفي آذار/ مارس خمس، وفي أيار/ مايو سبع، فضلاً عن بناء قوات بحرية قادرة على مواجهة المعركة البحرية، وتنفيذ العمليات النوعية.
مطلع العام الحالي، دشنت وزارة الدفاع في صنعاء العام القتالي الجديد بتخريج عدد من الدفعات العسكرية النوعية المتخصصة في مختلف المجالات البحرية والجوية والبرية. ومن بين تلك القوات النوعية «كتائب حماة الساحل»، و«كتائب المندب» التي تمتلك قدرات قتالية متفوقة، وأُعدّت للمواجهات الساحلية.
هذه العملية التأهيلية امتدت لتشمل الأمن إلى جانب «جيش النخبة» كما يُسمّى شعبياً. فخلال الربع الأول من العام الجاري، دشنت وزارة الداخلية والمجلس السياسي الأعلى و«اللجنة الثورية» التابعة لـ«أنصار الله» تخريج عدد كبير من قوات الأمن المركزي، التي تعرضت هي الأخرى لعملية تدمير مباشرة وغير مباشرة من قبل «التحالف» وشركائه في الداخل.
(رشيد الحداد – الأخبار)