المشهد اليمني الأول/
يبدو أن المقاطعة السياسية والاقتصادية والحصار الذي تفرضه الدول الخليجية على جارتها القطرية منذ ما يقرب من عشرة أشهر لم يكفِ لردعها ودفعها للخضوع لأوامر المعسكر السعودي الإماراتي، فاختارا معاقبة الدوحة بطريقة جديدة، وهي العزل الجغرافي، فبمدافن النفايات والقواعد العسكرية والقنوات البحرية ستحاصر المملكة جارتها القطرية؛ لتحولها إلى جزيرة منعزلة في المياه الخليجية، وذلك في محاولة أخيرة لإخضاعها.
العزل الجغرافي.. الورقة الأخيرة
كشفت صحيفة “سبق” السعودية، قبل أيام قليلة، أن المملكة تدرس مشروعًا سياحيًّا كبيرًا لشق قناة بحرية ضخمة على طول حدود البلاد مع قطر، تفصل الأخيرة عن شبه الجزيرة العربية، وتحول البلاد لجزيرة، وينفذ هذا المشروع تحالف استثماري سعودي من 9 شركات في هذا الحقل، وتقدر التكلفة مبدئيًّا بـ2.8 مليار ريال تقريبًا، وأوضحت الصحيفة أن هذا المشروع الكبير “في انتظار الموافقة الرسمية عليه والترخيص له ليبدأ التنفيذ المتوقع اكتماله خلال 12 شهرًا فقط”، وبينت الصحيفة أن الخطة المرسومة تتحدد في شق قناة بحرية لتبدأ من منفذ سلوى الحدودي بين السعودية وقطر إلى لسان خور العديد في الخليج العربي، بحيث يكون امتداد الساحل الشرقي للسعودية كاملًا وغير منقطع، باعتبار أن الحدود مع قطر البالغة 60 كم هي الجزء البري الوحيد الذي يقطع هذا الامتداد؛ مما يعوق التجارة البينية، وخطط التطوير السياحي للمنطقة ذات الحيوية؛ كونها مركز ربط لدول الخليج العربية.
ولفتت الصحيفة السعودية إلى أن اختيار هذه المنطقة جاء لأهميتها وحيويتها، إضافة إلى طبيعتها الرملية الخالية من أي عوائق تعترض التنفيذ، إذ لا توجد سلاسل جبلية أو تضاريس وعرة تعوق عمليات الحفر، كما أن القناة لا تمر عبر قرى سكنية أو مناطق زراعية، بل إنها ستنعش النشاط في المنطقة، وتتميز المنطقة بنوعية المشاريع المجدولة الأخرى سواء النفطية منها أو الصناعية، ما يؤهلها لأن تكون مركزًا اقتصاديًّا وصناعيًّا، وأضافت “سبق” أنه من المتوقع في إطار تطبيق هذا المشروع أن يتم الربط بحريًّا بين سلوى وخور العديد بقناة عرضها 200 متر، وعمقها 15-20 مترًا، وطولها 60 كيلومترًا، ما يجعلها قادرة على استقبال جميع أنواع السفن من حاويات وسفن ركاب يكون الطول الكلي 295 مترًا، وأقصى عرض للسفينة 33 مترًا، وأقصى عمق للغطس في حدود 12 مترًا، ويستهدف المشروع بناء منتجعات على طول الشاطئ الجديد، عبارة عن وحدات منفصلة تضم شواطئ خاصة لكل منتجع، إضافة إلى خمسة فنادق رئيسية أحدها في سلوى، والثاني في سكك، والثالث في خور العديد، واثنان في رأس أبو قميص.
في ذات الإطار عادت صحيفة “سبق” أمس الأحد، لتكشف المزيد من التفاصيل عن مشروع قناة “سلوى” البحرية، حيث أوضحت استنادًا إلى من وصفتهم بـ”المصادر المطلعة”، أنه من المقرر تمويل مشروع القناة بالكامل من جهات سعودية وإماراتية استثمارية من القطاع الخاص، على أن تكون السيادة سعودية بالكامل، فيما ستتولى شركات مصرية رائدة في مجال الحفر مهام شق القناة المائية، وذلك رغبة من التحالف الاستثماري المنفذ للمشروع في الاستفادة من الخبرات المصرية في حفر قناة السويس، وبحسب مصادر “سبق” ينص المشروع على إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جزء من الكيلومتر الفاصل بين الحدود القطرية وقناة سلوى البحرية، بينما سيتم تحويل الجزء المتبقي إلى مدافن نفايات للمفاعل النووي السعودي، الذي تخطط السعودية لإنشائه، وسيكون محيط المفاعل النووي الإماراتي ومدفنه في أقصى نقطة على الحدود الإماراتية القريبة من قطر.
ونقلت “سبق” عن خبراء جيوسياسيين أن إنشاء القاعدة العسكرية السعودية بين قناة سلوى البحرية والحدود القطرية سيمنح السعودية جزءًا استراتيجيًّا من جزيرة سلوى، التي بدورها تضم الأراضي القطرية، وهو ما يعني أن “قطر بعد هذا المشروع لن تكون جزيرة مستقلة كما هي مملكة البحرين مثلًا، بقدر ما ستكون جزءًا من جزيرة سلوى التي تشترك معها السعودية عبر قاعدتها العسكرية”.
صمت قطري يثير الغضب الخليجي
يأتي الكشف عن هذا المشروع في الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة الخليجية المشتعلة منذ يونيو عام 2017، حيث لا تزال أمريكا والكويت اللتان توسطتا لحل الأزمة عاجزتين عن اختراق جدارها، فيما يثير الصمت القطري تجاه مشروع “سلوى” حفيظة السعودية والإمارات، وهو ما ظهر في تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، أنور بن محمد قرقاش، الذي رأى أن صمت الدوحة حيال ما صدر عن مشروع “قناة سلوى” دليل خوف وارتباك، وشدد “قرقاش” في تغريدات على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، على أن “الحل لا يكمن في مزايدة ومكابرة لا تتحملها قطر، بل في حسن التدبير والتحلي بالعقل والحكمة ومراجعة سياسة كارثية عزلت قطر وجعلتها في موقف لا تحسد عليه”، مشيرًا إلى أن موضوع “قناة سلوى” يُعد دليلًا على “فشل قطر في إدارة أزمتها وحلّها”، مؤكدًا في ذات الوقت أن “أوان التراجع والرجوع إلى العقل قد حان”، محذرًا قطر من “عزلة جغرافية حقيقية”، داعيًا إياها إلى تغليب العقل والحكمة.
إشارات متناقضة
في الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن مشروع “سلوى” الذي يعد محاولة جديدة من دول المقاطعة لمعاقبة الدوحة، ومن المتوقع أن يزيد من عزل قطر جغرافيًّا إضافة إلى الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها منذ عشرة أشهر تقريبًا، انطلقت رسائل إيجابية من الأخيرة رأى فيها بعض المراقبين محاولة من الدوحة لتقديم بادرة حسن نية لمغازلة جيرانها واختراق جدار الأزمة، حيث قال مصدر دبلوماسي إن أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، سيرأس وفد بلاده إلى القمة العربية المقررة في السعودية، يوم الأحد القادم، وأفادت الناطقة باسم وزارة الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، أمس الأحد، بأن ملف الأزمة الخليجية لن يكون مطروحًا على أجندة القمة العربية، مشيرة إلى التزام بلادها بالحوار لحل الأزمة الخليجية، وأوضحت: في حال طرح المسألة، كما أكدنا مرارًا، نحن ملتزمون بالحوار في سبيل حل الأزمة، طالما أن ذلك في حدود المحافظة على السيادة والمصالح الوطنية لدولة قطر وشعبها.
في المقابل رأى بعض السياسيين أن القمة العربية لن تنجح في حلحلة الأزمة الخليجية، فهي مجرد محاولة من قطر لإسقاط نظرية عزلها سياسيًّا، عبر مشاركة أميرها في القمة بالسعودية، ومن هنا تثبت الدوحة أنها ليست معزولة أو منبوذة، جراء المقاطعة المفروضة عليها من الرباعية العربية، إضافة إلى إيصال صوتها وموقفها من الأزمة وتجديد دعوتها من قلب المملكة إلى الحوار، فيما رجح بعض السياسيين أن تكون تلبية قطر دعوة المملكة لحضور القمة نابعة من أوامر أمريكية بذلك.
*هدير محمود – البديل