المشهد اليمني الأول/
عقد “منتدى مقـــــــــاربات” الذي ينظمه مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني ندوة بعنوان ” مارتن غريفيثس إلى اليمن: هل من جديد متوقَّع؟!
حضر المنتدى من الأكاديميين والسياسيين الدكتور سامي السياغي – مقدم الورقة الرئيسية للندوة – والدكتور السفير أحمد العماد والدكتور عبد الملك عيسى والأستاذ عبد الملك الحجري الأمين العام لحزب الكرامة اليمني رئيس تكتل الأحزاب المناهضة للعدوان والأستاذ سفيان العماري الأمين العام المساعد لحزب الشعب الديمقراطي عضو الهيئة التنفيذية للتكتل والأستاذ عارف مثنى العمري أمين سر القيادة العليا لحزب جبهة التحرير عضو الهيئة التنفيذية للتكتل، والأستاذ شرف حميد الدين رئيس لجنة القضايا العاجلة إضافة إلى المدير التنفيذي للمركز الأستاذ محمد المنصور ورئيس دائرة المعلومات والنشر بالمركز عبد العزيز أبوطالب.
وقد قدم الدكتور سامي السياغي عرضاً للورقة التي أعدها بينما أثرى الحاضرون الندوة بالمداخلات والتعقيبات المهمة والتي نستعرض أبرز ما جاء فيها كما يلي:
مع دخول الحرب الظالمة على اليمن عامها الثالث وفي ظل الحرب والحصار وتعثر ملف السلام في اليمن -تحت إدارة المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ[1]- استلم المبعوث الجديد إلى اليمن مارتن غريفثس مهامه – مطلع الشهر الحالي مارس 2018م- كثالث مبعوث إلى اليمن، يفترض أن يعمل على دفع الأطراف إلى السلام والعمل على بناء الثقة بين الأطراف والتصرف بحيادية تساعده على إنجاز عمله الوظيفي والأخلاقي.
تجربة المبعوثين السابقين والظروف التي مرت بهما لا ينبغي أن تغيب عن المبعوث الجديد؛ من نجاحات مشهودة لـ “بن عمر” في ظروف معينة إلى إخفاقات متتالية لـ “ولد الشيخ” بسبب تحيزه الفج وتنصيب نفسه وكيلاً لطرف السعودية والإمارات اللتين تقودان العدوان على اليمن، وضعفه أمام إملاءات السفراء وتجاهله لمعاناة المعتدى عليهم.
فهل نحن أمام شخصية قيل إن لها خبرة وباعاً في مجال السلام[2] ويعول عليها في إحداث اختراق في هذا الملف؟ أم أنه لن يعدو سلفه في النهاية خاصة كونه يحمل جنسية بريطانيا التي ستعمل على توجيه وفرض رؤيتها الاستعمارية تجاه اليمن عبر مواطنها (المبعوث الجديد). أم أن بريطانيا ستبدي حرصاً عملياً على نجاح المبعوث الجديد في مهمته، خاصة في ظل الإشراف البريطاني المباشر على الملف اليمني، وما أصبحت تبديه المواقف البريطانية المعلنة من معارضة لجدوى ما تقوم به قوى التحالف المعتدي على اليمن من إجراءات الحصار والعقاب الجماعي ضد الشعب اليمني بشكل انفرادي وخارج مقتضيات قرارات مجلس الأمن ذات الصلة باليمن، والمخالفة كذلك لأحكام القانون الدولي بصفة عامة. وكلٌ ينظر إلى الخيارات حسب خلفيته وتطلعه.
قد يرصد المتابع خيبة أمل الدول الداعمة للعدوان- أمريكا وبريطانيا- والمشاركة فيه أيضاً من عدم قدرة الجيش السعودي والإماراتي على تحقيق حسم عسكري في عدوانهم على اليمن ويضع ذلك في خانة المؤشرات على واقعية الرؤية المتفائلة باقتراب الحل السياسي في اليمن وإيقاف الحرب، لكن عقد صفقات الأسلحة بين لندن والرياض قد تدفع هذه الفكرة بعيداً وتنبئ عن فصول جديدة من العدوان والحصار على الشعب اليمني.
فيما يخص الوضع الميداني العسكري الراهن هل يساعد الإخفاق العسكري لدول تحالف العدوان -في تحقيق أيٍ من أهدافها المعلنة- إلى الجلوس على طاولة المفاوضات؟ مع استحضار الثمن الباهظ الذي تدفعه تلك الدول من سمعتها العسكرية والكلفة المادية والبشرية التي لا تستطيع تحملها مع صمود الشعب اليمني المعهود واستنزاف الدول الغربية لخزائنها؟، يرى البعض أن ذلك منطقي. فيما يرى البعض أن الطبيعة النفسية للأعراب تجعلهم يمضون في غيهم ويرهنون مصيرهم على مآلات هذه الحرب العدوانية كما تحدثت الصحف البريطانية عند زيارة مجرم الحرب بن سلمان إلي لندن. فيما التحشيد من قبل العدوان لمرتزقته لا يزال شاهداً على عدم رغبته في السلام وجنوحه إلى الاستمرار في ارتكاب المجازر ومواصلة عقاب الشعب اليمني بالحصار والتجويع تعويضاً عن فشله العسكري في الجبهات.
دلالات ومؤشرات على فرضية إمكانية الحل السياسي:
تصاعد وتيرة الزيارات المتبادلة اقليمياً ودولياً بخصوص البحث في قضية السلام ضمن الملف اليمني (جولة وزير الخارجية البريطانية الأخيرة، زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني إلى لندن، زيارة الرئيس المصري إلى مسقط).
تصاعد وتيرة التصريحات لمسؤولين على المستويين الإقليمي والدولي بخصوص قضية السلام ضمن الملف اليمني.
انتقال وفد من أنصار الله إلى مسقط بدعوة من سلطنة عمان.
تراجع أو ربما شبه اختفاء لحملة التشهير والاستعلاء الإعلامية المعهودة التي طالما استهدفت أنصار الله من قبل عدد من المسؤولين في دول التحالف، وخاصة دولة الامارات ممثلةً في وزير الدولة للشؤون الخارجية (أنور قرقاش).
تخلخل فقرات متن مكونات التحالف، وخاصة مع تعالي صوت بعض قيادات المرتزقة (الإصلاح) الناقد للإمارات والمتذمر من سلوكياتها تجاه الحزب وقياداته السياسية والميدانية.
الانتكاسة التي أصابت مؤخراً جهود أبو ظبي التوسعية في القرن الأفريقي.
مؤشرات ودلالات مغايرة:
عدم الثقة تاريخياً بدور بريطانيا في اليمن التي تحن إلى تكرار استعمارها مرة أخرى عبر وكلائها السعودية والإمارات.
التحشيد المستمر من قبل التحالف والمرتزقة في الجبهات رغم الانكسارات التي أعادتهم في بعض الجبهات إلى مربع عامين سابقين.
الوضع الإقليمي والدولي الذاهب نحو التصعيد: حرب باردة قادمة بين الروس والأمريكان – استمرار الأزمات في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من المناطق.
صفقة القرن القادمة تنطلق من مبدأ تقسيم المقسم فهل يعقل أن تنجو اليمن من هذا المخطط المرسوم للمنطقة (العراق – سوريا – مصر إلخ..)
ما هو السلام المنتظر أمام الأهداف الحقيقية للعدوان:
ليس ما يعلنه العدو من أهداف بالضرورة هي الحقيقة، بل قد يقدم العدوان على إعلان أهداف دعائية وهمية لصرف النظر عن الأهداف المضمرة.
فمنذ ثلاث سنوات وهو يتوعد بدخول صنعاء والسيطرة على العاصمة، ولكن هل فعلاً يهدف لذلك؟ وبشكل أوسع هل الهدف هو إعادة ما يسمى بالشرعية والقضاء على “الانقلاب” في صنعاء و”تحرير” المحافظات؟
وهل يمكن القول إن السعودية فشلت في تعز مثلاً؟ وإن الإمارات فشلت في الجنوب؟
بالنظر إلى الوقائع والأحداث الميدانية في الجنوب وتعز وباقي المناطق التي يسيطر عليها العدوان يجد المتابع نفسه أمام حقيقة واضحة وهي أن العدوان لا يهتم لما يسمى الشرعية ولا الخدمات ولا الاستقرار، فضلاً عن البناء والإعمار، فالمشروع الحقيقي للعدوان هو تسليم البلاد للفوضى وهو ما نجح فيه بدرجة ما في الجنوب وتعز.
فتوالي عمليات الاغتيالات والتفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأحزمة الانتحارية كمشهد متكرر في الجنوب، وتجاهل توفير الخدمات أو صرف الرواتب يؤيد الفكرة القائلة بالمشروع الفوضوي للعدوان في اليمن.
وعليه فإن توقف ملف المفاوضات في العام المنصرم 2017 كان بقرار من الغرف المغلقة لدول العدوان والقوى الغربية الداعمة رهاناً على “أحداث” قادمة ستغير المعادلة، وقد اتضحت الفكرة عند محاولة تنفيذ الفتنة في الثاني من ديسمبر، فالذين خططوا لـ “صالح” مشروعه الفتنوي لم يرسموا له الانتصار أو النجاة، بل كان الهدف تسليم اليمن للفوضى، وليس من الصدفة أن تبدأ مؤشرات الحل السياسي بعد أسابيع من القضاء على الفتنة.
المشروع السعودي أدرك أن ثمة شوكة قوية (أنصار الله) ستكون عائقاَ أمام سيطرته في اليمن، سواءً انتصرت الشرعية أم لا. خلاصة هذا المشروع هو الفوضى واللادولة، وألا جيش ولا مجتمع متماسك، ولا أمن ولا مؤسسات أو خدمات، من جهة أخرى نشر الجماعات المسلحة المتناقضة والمتناحرة، حتى بعد فرض العملية السياسية سيكون الحديث أن الخلل يمنيٌ والمتسبب في الفوضى هو اليمني نفسه، بينما تقوم دول العدوان بدعم تلك الجماعات لترسيخ مشروعها الفوضوي في اليمن.
يلاحظ أن فريق الخبراء المعني بالعقوبات على اليمن والتابع للأمم المتحدة استهل تقريره بعبارة أن “اليمن كدولة قد ولى” وذلك فقط مؤشر على نياتهم المبيتة وما يخططونه لليمن من الفوضى وضياع الدولة.
وبناءً على ما سبق يحق للمواطن اليمني أن يتساءل عن ماهية السلام المرتقب في ظل أهداف العدوان الحقيقية، وانكشاف زيف الادعاءات الكاذبة التي بنى عليها العدوان حربه على اليمن؟ وما هي الترتيبات المناسبة لأي سلام قادم إذا كان العدوان يعمد فقط إلى الفوضى؟ وهل فرض الإقامة الجبرية على الفار هادي جزء من هذا المشروع وأن شرعيته المزعومة لم يعد لها وجود؟
كل هذه التساؤلات ستطرح أمام أي باحث أو سياسي أو مفاوض أو وسيط في ملف التسوية السياسية في اليمن
ثالثاً: توصيات لطرف صنعاء بخصوص أولويات التعامل مع المبعوث الأممي الجديد:
(1) من الضروري أن يحرص طرف صنعاء على بلورة رؤيته التفصيلية بوضوح وذلك إزاء قضايا بعينها مثل: (يقترح عبر لقاء موسع يضم جميع القوى السياسية والأحزاب في صنعاء)
قائمة مقترحة بإجراءات بناء الثقة.
الموقف من مسألة الضمانات التي يكرر طرف الرياض طرحها كشرط لتنفيذ المسار الأمني من أي اتفاق محتمل للسلام.
تلازم المسارين الأمني والسياسي.
الرؤية إزاء مسألة الشراكة الوطنية.
الموقف من التداعيات القائمة بالنسبة للقضية الجنوبية.
الموقف من مسألة أولوية مكافحة الإرهاب ومصير الجماعات الإرهابية الناشطة في عدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان.
(2)- تعزيز الحوار الداخلي بين الشركاء السياسيين لتوسيع قاعدة الاتفاق حول الخيارات والبدائل المتاحة والواقعية الممكن تبنيها على طاولة المفاوضات في حال استؤنفت محادثات أو مفاوضات السلام في القريب.
(3)- بذل أقصى جهد ممكن لتسهيل مهمة المبعوث الأممي الجديد والحرص على بسط جوانب موقف طرف صنعاء من مفردات ملف الأزمة والسلام في اليمن.
(4)- التعامل بإيجابية كاملة، وبمنهج وطني خالص، مع متطلبات تعزيز الدور الانساني للمنظمات الدولية المتخصصة في المحافظات التي تقع تحت سيطرته، والتعاون كذلك في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحافظات الأخرى.
(5)- مواصلة طرح الرؤى والتصورات بخصوص بناء السلام والتسوية السياسية، وتطويرها وفقا ًلمعطيات الواقع وبما لا يخالف المنطلقات والثوابت الوطنية والمصالح العليا لليمن.
(6)- استمرار محاولات اختراق الحصار الدبلوماسي عبر الانفتاح السياسي على أقصى عدد ممكن من الأطراف الإقليمية والدولية التي تتطلع لإنهاء الأزمة والحرب في اليمن، والتفاعل الايجابي كذلك مع أي مبادرات أو أفكار مطروحة في الصدد ذاته وبما لا يخالف المنطلقات والثوابت الوطنية والمصالح العليا لليمن.
(7)- تحديد مصادر رسمية حصرية تكون هي المنوط بها الحديث عن موقف طرف صنعاء من السلام ( يقترح عبر أمانة عامة للوفد المفاوض).
[1] يجادل الفريق المتفائل أن غياب ولد الشيخ في حد ذاته دافعٌ نحو إمكانية الحل السياسي؛ حيث كان معطلاً لعملية السلام فيما وصف بالناطق باسم تحالف العدوان أكثر منه وسيطاً أممياً يسعى لصنع السلام منطلقاً من مبدأ الحيادية والمهنية اللازمة لهكذا وظيفة.
[2] ) مارتن غريفيثس هو وسيط دولي بريطاني الجنسية عمل كأول مدير تنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام (EIP). كما عمل في اطار الدبلوماسية البريطانية وفي منظمات انسانية مختلفة بما في ذلك منظمة اليونيسيف، وعمل في العام 1994م كمدير لإدارة الشؤون الإنسانية في جنيف، كما عمل نائباً لمنسق الإغاثة في حالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة في نيويورك، وشغل كذلك منصب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة في منطقة البحيرات الكبرى في افريقيا، والمنسق الإقليمي للأمم المتحدة في البلقان برتبة (أمين عام مساعد للأمم المتحدة). وخلال الفترة (1999م – 2010م) عمل غريفيثس كمدير (مؤسس) لمركز الحوار الإنساني في جنيف بسويسرا، كما عمل خلال الفترة (2012م – 2014م) في مكاتب المبعوثين الثلاثة للأمم المتحدة إلى سوريا كمستشار لكوفي عنان، وكنائب لرئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سوريا. ويعمل غريفيثس أيضا كــ”كبير مستشاري جمعية (Inter Mediate) وهي مؤسسة خيرية مقرها لندن تعمل على حل النزاعات والتفاوض والوساطة.
عبد العزيز أبوطالب – رئيس دائرة المعلومات والنشر بالمركز