المشهد اليمني الأول/
يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن العدوان السعودي الأمريكي وتحالفه على اليمن منذ ثلاثة أعوام ما كان ليحدث إلا لأهداف اقتصادية في المقام الأول فبعيداً عن أهدافهم السياسية تبرز الأطماع في ثروات اليمن وأراضيها وسواحلها وهي مقومات اقتصادية يسيل لها لعاب العدوان ومرتزقته.
وبها استطاعوا تنفيذ أجندتهم فتم احتلال الأراضي والسواحل والممرات المائية والموانئ وتم عملية تجويع عبر الحصار الاقتصادي الشامل وخنق القطاعات الاقتصادية كاملة وبذلك ينتهي العام الثالث للعدوان ليكون فعلاً هو الأكثر صعوبة على الإطلاق بين الأعوام التي سبقته.
إن الحرب الاقتصادية على اليمن آتت أكلها خلال العام 2017م فقد استطاع العدوان جعل الاقتصاد اليمني يسجل رقماً قياسياً لأطول انقطاع في مرتبات موظفي الدولة ونفذ أكبر انكماش تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي وحارب العملة الوطنية لتصل لأدنى مستوى امام الدولار وساهم في نفاد الاحتياطيات الخارجية وسبب أزمة سيولة خانقة في القطاع المصرفي.
وبالتوازي جعل العدوان السعودي الأمريكي اليمن يحقق رقماً قياسياً على خارطة الأزمات الدولية، مواجهاً في آن واحد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وأكبر أزمة أمن غذائي من صنع الإنسان في العالم وأكبر تفشٍ للأوبئة في العالم، وصُنف ضمن أسوأ 7 دول على خارطة سوء التغذية في العالم.
وما يؤسف له أن التكلفة البشرية والمادية والاقتصادية للحرب الاقتصادية على اليمن في تزايد كل يوم فهاهم اليمنيون يشهدون بعد مرور ثلاث سنوات من العدوان ودخولهم الرابعة أوضاعاً أكثر مأساوية.
تعمد تخسير الناتج المحلي الإجمالي
سبب العدوان بحربه الاقتصادية على اليمن انكماشا واضحا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحوالي 10.9 % عام 2017 ، متأثراً بالأضرار على رأس المال المادي والبشري والنزوح الداخلي والخارجي لملايين اليمنيين، وهجرة الكفاءات، وتزعزع الثقة في مستقبل الاقتصاد ومن أهم العوامل التي سببها العدوان الظالم على اليمن والتي عمقت الانكماش الاقتصادي أزمة السيولة الحادة التي سببها في الجهاز المصرفي والموازنة العامة التي تفاقمت أواخر عام 2016 واستمرت طوال عام 2017م مخلفة معظم موظفي الدولة والمتقاعدين بدون مرتبات، وأدت لتعثر برامج الخدمات العامة، وتعطل كثير من الأنشطة الاقتصادية وعلى رأسها الكهرباء والنفط والغاز التي كانت تمثل شريان الحياة للاقتصاد الوطني.
وقُدر الانخفاض التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي سببه العدوان بحربه الاقتصادية بحوالي 47.1 % خلال الفترة 2015 – 2017 ) وبالقيمة المطلقة، يتضح من أن الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قدرت بحوالي 32.5 مليار دولار خلال نفس الفترة وما يؤسف له أن الخسائر الاقتصادية مرشحة للتزايد مالم يتوقف العدوان السعودي الأمريكي وحلفاؤه على اليمن .
التأثير على دخل الفرد
نتيجة للعدوان وحربه الاقتصادية على اليمن انكمش متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من حوالي 1247 دولاراً عام 2014 إلى 485 دولاراً عام 2017 بمعدل تغير تراكمي بلغ – 61.1 %. وهذا يؤكد خطة افقار السكان وجعلهم يعيشون تحت خط الفقر الوطني المقدر بـ 600 دولار للفرد في العام.
وتظهر تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع الفقر الذي سببه العدوان بحربه الاقتصادية بصورة ملحوظة إلى 78.8 % عام 2017 مقارنة بـ 49 % عام 2014 ويتضح وجود تدنٍ مزمن في نصيب الفرد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مقارنة بمتوسط دخل الفرد في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي دول مشابهة مثل ليبيا والسودان وتونس.
أزمة المالية العامة الأكثر صعوبة
تعتبر الموازنة العامة أداة أساسية لمكافحة الفقر وتعزيز التوازن الاجتماعي وتحفيز النمو الاقتصادي. وكان القطاع الحكومي والعام يلعب دوراً ريادياً في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي في بلادنا حيث كان يساهم بما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي 45.3 % ويوظف 31 % من السكان العاملين حتى عام 2014.
وخلال عامي 2015 – 2016م وبسبب الحرب الاقتصادية التي يشنها العدوان السعودي الأمريكي تراجعت الإيرادات العامة بحوالي 60.6 % عام 2016 مقارنة بعام 2014 متأثرةً بما قام به العدوان من تعطيل الإيرادات النفطية التي كانت بمثابة شريان الحياة للموازنة العامة وتعليق دعم المانحين للموازنة العامة وانخفاض الإيرادات الضريبية بفعل الأضرار التي تعرض لها الاقتصاد الوطني وتحت ضغط انهيار الإيرادات العامة انكمشت النفقات العامة بحوالي 36 % عام 2016 مقارنة بعام 2014م ويظهر التقرير حدوث انخفاض في جميع البنود الرئيسية للنفقات العامة باستثناء مدفوعات الفائدة على الدين العام.
تلاشي الدعم
لقد فرض العدوان السعودي الأمريكي بحربه الاقتصادية تلاشي نفقات دعم الوقود والنفقات الرأسمالية حيث أدى لتقلص نفقات تشغيل مرافق الخدمات العامة بشدة . وتوقف دفع إعانات الرعاية الاجتماعية لـ 1.5 مليون حالة أسرة من الفئات الأشد ضعفاً وفقراً ومنذ نهاية الربع الثالث من عام 2016 ، دخلت المالية العامة في أزمة سيولة حادة قادت إلى توقف برامج الإنفاق العام الاجتماعي والتنموي.
الإيرادات العامة
شهدت الإيرادات العامة تراجعاً حاداً وغير مسبوق بسبب العدوان وحربه الاقتصادية واقتصرت النفقات بدرجة رئيسة على الإيرادات الضريبية وفائض أرباح المؤسسات العامة. ومع ذلك، حتى الإيرادات الضريبية فقد تأثرت بفعل تعطل ضرائب الدخل على مرتبات موظفي الدولة ولذلك فإنه يعول على دعم المانحين لتمويل جهود الإغاثة الإنسانية وبرامج التعافي وإعادة الإعمار على المدى الآني والقصير والمتوسط.
النفقات العامة:
انخفضت النفقات العامة إلى أدنى مستوياتها عام 2017 بسبب العدوان وحربه الاقتصادية ولم تفي بالحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك توقف دفع مرتبات 1.25 مليون موظف في مؤسسات الدولة يعيلون ملايين الأطفال والنساء وقد تفاوتت حدة أزمة المرتبات جغرافياً، وبوجه عام، بقي معظم موظفي الدولة في أكثر المحافظات بدون مرتبات طول عام 2017م . مما أثر بقوة على استمرارية وجودة الخدمات العامة.
كما أن العدوان سبب تعثر برامج الحماية الاجتماعية بسبب انقطاع التحويلات النقدية من صندوق الرعاية الاجتماعية منذ بداية 2015 . وتوقف مساهمة الموازنة في تمويل برامج شبكة الأمان الاجتماعي. وكذلك، توقف معاشات المتقاعدين في كثير من المحافظات.
و بسبب العدوان وحربه الاقتصادية غابت نفقات التشغيل في مؤسسات الدولة ومرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والصحة والمياه والكهرباء في أكثر المحافظات اليمنية. مما أثر بحدة على استمرارية الخدمات العامة، وفي حال وجدت فبجودة متدنية للغاية.
كما لم تتمكن بلادنا بسبب العدوان وحربه الاقتصادية من سداد فوائد الدين العام المحلي مما عرض القطاع المصرفي للخطر خاصة وأن الموازنة العامة استخدمت 76.3 % كقروض القطاع المصرفي الذي بات بانتظار فوائد الدين العام المحلي لاستعادة تعافيه وكذلك، عدم سداد خدمة الدين العام الخارجي باستثناء الالتزامات لصندوق النقد الدولي ومؤسسة التنمية الدولية، مما ترتب عليه تعليق بعض المانحين تمويل مشاريع كانت تحت التنفيذ.
- ومحصلة لما سبق، تسبب العدوان وحربه الاقتصادية في عدم التمكن من استخدام أدوات السياسة المالية لدعم النمو الاقتصادي والتخفيف من الفقر وتحقيق الاستقرار. وباتت أزمة المالية العامة بمثابة أم الأزمات الاقتصادية في البلاد كما أرادها العدوان.
وفيما يتعلق بعجز الموازنة العامة تظهر البيانات ارتفاعه من 4.9 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى 14.7 % عام 2016 وتم اللجوء إلى تمويل معظم عجز الموازنة عبر الاقتراض المباشر من البنك المركزي اليمني عامي 2015 – 2016.، وبالنتيجة ارتفعت نسبة الدين العام المحلي من 44.3 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى 91.3 % عام 2016 متجاوزاً الحدود الآمنة.
سعر الصرف
شهد سعر صرف الدولار في السوق الموازي تصاعداً ملحوظاً مرتفعاً بسبب العدوان وحربه الاقتصادية من حوالي 215 ريالاً/دولار في مارس 2015 إلى 486 ريالاً/دولار في ديسمبر 2017 بمعدل تغير بلغ 103 % وكان أكبر معدل تغير 39.6 % في سعر صرف الدولار خلال عام 2017 لأسباب أبرزها الحرب الاقتصادية على الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي بالتوازي مع محدودية تدفق موارد النقد الأجنبي إلى اليمن بسبب الحصار وعدم السماح ترحيل النقد أو الحصول عليه من الخارج.
وهذا قاد إلى زيادة أسعار المستهلك للسلع الغذائية وغير الغذائية. فوفقاً لدراسة لصندوق النقد الدولي يؤدي تدهور قيمة العملة الوطنية بـ 1 % إلى ارتفاع معدل التضخم في حدود 0.36 % – %2 ) فلقد بسبب العدوان وحربه الاقتصادية تدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية وقاد إلى انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر خاصة وأن اليمن مستورد صافي للغذاء والدواء والكساء والوقود.
وفي الآونة الأخيرة تعذرت مواصلة العمل بسياسة تمويل استيراد السلع الأساسية القمح والأرز والسكر والوقود( عند سعر صرف رسمي ثابت وبسبب العدوان وحربه الاقتصادية وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازي إلى حوالي 500 ريال/للدولار في الأسبوع الثالث من يناير 2018 . مما شكل صدمة قوية لأسعار المستهلك.
التضخم
إن معدل تضخم أسعار المستهلك أحد أهم المؤشرات التي تؤثر مباشرة على القيمة الحقيقية لدخل الأسر وقدرتها على الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والكساء والتعليم والصحة والسكن والنقل. وبالتالي، يؤثر بدرجة قوية على مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وتظهر البيانات أن الحرب الاقتصادية التي يشنها العدوان قادت الاتجاه العام لمعدل تضخم أسعار المستهلك للتصاعد المستمر حتى وصل لأعلى من متوسط التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي العالم. وفي عام 2017 قدر معدل التضخم في اليمن بحوالي 15 % ويؤكد الرقم تعرض المواطن اليمني لموجات تضخم شديدة وارتفاع كبير في أسعار سلع ضرورية بما فيها الغذاء خلال الفترة ديسمبر 2014 – يونيو 2017 بسبب العدوان وحربه الاقتصادية حيث ارتفع معدل التضخم التراكمي للغذاء والمشروبات بحوالي 38.7 % في اليمن خلال تلك الفترة بينما انخفض نفس المؤشر في العالم بحوالي 4.5 % . وجاءت هذه الارتفاعات السعرية بسبب العدوان وحربه الاقتصادية رغم الأجواء الانكماشية التي تخيم على الاقتصاد اليمني. ويعود ذلك بدرجة رئيسة إلى ما سببها ارتفاع سعر صرف الدولار، وتقييد الواردات وزيادة رسوم التأمين على البواخر الناقلة بـ600 % وتأخرها أسابيع حتى يؤذن لها بالدخول من قبل قوات العدوان السعودي الأمريكي في البحر وما سببه من عوائق النقل الداخلي والازدواج الجمركي وضعف الرقابة على الأسعار المحلية. مما دفع بالمزيد من السكان إلى دائرة الفاقة والحرمان.
تقرير: أحمد الطيار