المشهد اليمني الأول/
نجح المتظاهرون الفلسطينيون في جعل الذكرى الـ42 ليوم الأرض أمراً مؤلماً للعدو الإسرائيلي الذي استخدم آلات القتل الثقيلة والخفيفة ونشر الجنود والقناصين للنيل من تحركات الفلسطينيين، حيث شاهد مسؤولو الاحتلال ومنظروهم بأم العين كيف لم تسقط القضية الفلسطينية ولم تندثر وفقاً لما تنص عليه (صفقة القرن)، بل ازدادت زخماً شعبياً ومعنوياً، وكان الشهداء ممن قضوا في مسيرة العودة عنواناً بارزاً لبقاء القضية على قيد الحياة.
تحولت مسيرة العودة الكبرى – كما سمتها اللجان المنظمة – إلى واقع من التأكيد أنه ليس أمام الشعب الفلسطيني سوى مواصلة المقاومة بأشكالها المختلفة، وكسر كل قيود العدو بالمواجهة، وتم تجسيد حالة من الإجماع الفلسطيني التي تبدت لأول مرة منذ عقود في وحدة الفصائل الفلسطينية التي اتخذت طريقاً موحداً لإحياء المناسبة، أملاً في أن ينعكس ذلك وحدة مماثلة على حراكها السياسي وتوحيد البيت الفلسطيني الداخلي.
يواجه العدو الإسرائيلي حراكاً حاول دائماً تجنبه واستنزاف القضية حتى الموت، لكن الواقع أتى خلافاً لتطلعاته، فالاستنزاف طال العدو وجنوده، وحالة الإرباك الكبيرة لدى جيش العدو كانت واضحة وتمثلت باستخدام كل أصناف الأسلحة، ما كذّب الرواية الإسرائيلية التي مفادها أن القضية الفلسطينية لم تعد على رأس أولوياتهم وخاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس الشريف (عاصمة) لكيان الاحتلال، لكن العدو أدرك في ذكرى يوم الأرض أن عنصر الإرادة لدى الشعب الفلسطيني في أعلى درجاته، وإنما ينقصه فك الطوق المفروض حوله لمنع وصوله إلى حاضنته الإقليمية التي لديها الاستعداد التام لمده بكل عناصر القوة ليجسد إرادته الحقيقية في المقاومة وصولاً إلى إعادة الحقوق والأرض المسلوبة.
وهنا تبدى قصور العدو الذي راهن على تراجع الشعب الفلسطيني عن ثوابته الوجودية نتيجة الأوضاع التي تشهدها الساحة العربية واتجاه بعض عربان الخليج للتطبيع معه ونسج علاقات المصالح المبنية على تفكيك القضية وتصفيتها، وعزل الفلسطينيين بالحصار والتفرقة عن محيطهم مدركاً أن تقدم محور المقاومة في المنطقة ستكون ثماره كبيرة على أرض فلسطين المحتلة مستقبلاً وهو ما يحاول العدو عدم الوصول إليه.
ما ينبغي استحضاره أن ما جرى في يوم الأرض له بعدان، الأول: متصل بالصيغة النضالية التي يعبر فيها الفلسطينيون مجتمعين عن حقوقهم بوجه العدو والتي تتخذ شكلاً أكثر وضوحاً بعيداً عن محدودية رد الفعل، والثاني: يتصل بعدم تطمين المتربصين بالقضية عربياً وعلى رأسهم السعودية لان مخططات العزل والتسوية لن تعبر بوجود هذه الحشود الجاهزة للمقاومة بكل الطرق.
زحفُ الفلسطينيين نحو أراضيهم المحتلة عام 1984 لا يضع حداً للمخطط الصهيوني فقط، بل يوجه رسالة قوية إلى الحكام العرب المتخاذلين بأنهم ليسوا عبئاً يجب التخفيف منه وأن تاريخ التنازلات الطويل يجب أن ينتهي وأن الاحتلال عليه أن يترقب مسيرات مشابهة في مناسبات لاحقة سيكون اختراق جدران الفصل العنصري التي لا يتوقف العدو عن بنائها وتحصينها بترسانات من الأسلحة والمعدات الهندسية الحديثة نصب أعين الشبان الفلسطينيين الغاضبين.