المشهد اليمني الأول/
قبل الحرب التي شُنت عليها ظلما وعدواناً منذ ثلاث سنوات بالتمام والكمال، كانت اليمن دولة متواضعة من ناحية القدرات الاقتصادية والعسكرية، فيها تنافر سياسي عادي يتظهّر من خلال صراع خجول على السلطة وعلى الحكم، كغالبية دول المنطقة، ويطمع بها كثيرون، من الجيران الملاصقين او من الطامعين البعيدين، وايضا مثلها مثل اغلب الدول صاحبة الموقع الجغرافي الاستراتيجي المميز.
اليوم، وبعد ثلاث سنوات من الحرب المدمرة والقاسية على اليمن، اشتركت فيها دول وقوى قادرة ومقتدرة، ماديا وعسكريا وديبلوماسيا، ما زال هذا البلد “الاستثنائي” صامدا وبطريقة أثارت تعجب وذهول المجتمع الدولي، وحيث لم يصدق جميع من شن عليها هذه الحرب هذا الصمود، صوّب الكثير منهم على ايران بانها تدير مباشرة معركة اليمن، عسكريا وماليا ولوجستيا، متناسين انهم (المعتدون على اليمن) يطبقون الحصار بالكامل على معابرها وعلى حدودها ومنافذها البرية والجوية والبحرية، الاّ اذا اعتبروا ان هناك انفاقاً تحت بحر العرب والمحيط الهندي تجمع ايران بعمق اليمن وبشمالها، في صنعاء وصعدة وحجة وعمران.
لم يصدق المعتدون ان شعبا يملك ارادة القتال والصمود والمواجهة يستطيع ان يقف بمواجهة تحالف من عشرات الدول القوية، ولم يعترفوا أن قيادة حكيمة قريبة من شعبها ومن أبنائها بصدق وتفانٍ، تستطيع ان تدير وبنجاح معركة الوجود والكرامة والبقاء، بمعزل عن الامكانيات المادية والعسكرية والاقتصادية.
لقد اعتبر أولئك المعتدون أن جميع الدول او اغلبها (مثلها) تعجز عن القتال الا بمساعدة دول كبرى، وتفشل في تحقيق الانتصارات الا بمواكبة من دول عظمى، واعتبروا ايضا ان من لا يملك مليارات الدولارات التي تجعله يفوز بعروض وصفقات لأحدث الأسلحة تطورا، لن يستطيع القتال والمواجهة والهجوم والدفاع، لانهم اعتبروا ان الدبابات الاكثر حداثة تقاتل لوحدها، والطائرات المتطورة تؤمن اهدافها بطريقة تلقائية، والصواريخ الذكية هي أذكى من مطلقيها ولا تحتاج لكي تصل الى اهدافها من مواقع او طائرات او صواريخ، إلا كبسة زر، ومن نموذج “إطلق وانسى”.
لقد نسي ايضا هؤلاء المعتدون ان القتال يحتاج اولا واخيرا الى “الروح” كما قال يوما سماحة امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ولم ينتبهوا او حتى لم يخطر ببالهم ان الالتزام بالقتال حين يوجد يتحقق النصر، فذهبوا الى القتال هازئين ضاحكين، معتبرين أن معركتهم منتهية فقط لأنهم أغنياء، ولأنهم يملكون الامكانيات الضخمة، ولأن لديهم الأموال التي يشترون فيها النصر، مهما كان ثمنه، فخسروا الاموال وخسروا النصر وأصبحوا أضحوكة ومثار سخرية للتاريخ وللجغرافيا.
لم يصدق هؤلاء ان هناك صواريخ باليستية تسقط على عاصمتهم وعلى مطاراتهم وعلى مواقعهم الاستراتيجية، فقالوا يوما انها نيازك سقطت عليهم من الفضاء، وقالوا يوما انها صواريخ ايرانية او كورية شمالية، وهم الآن يحتارون في فعالية القبة الحديدية التي كلفتهم مليارات الدولارات، ويعيدون النظر بجدوى منظومات الصواريخ الدفاعية المضادة للصواريخ، وعجزها عن اعتراض صواريخ ابناء اليمن وابطاله.
لن يحتاج هؤلاء الى إعادة النظر بصواريخهم الدفاعية الهزيلة، ولا بمناوراتهم الفاشلة، ولا باستراتيجيتهم الجوفاء، ما يحتاجونه فقط وفي بداية العام الرابع على حربهم الخاسرة، أن يوقفوها فورا إذا ما أرادوا إيقاف مسلسل هزائمهم المتدحرجة، وما ينقذهم فقط هو الخروج من المستنقع اليمني، والانسحاب من دوامة الحرب العبثية، وربما اذا تأخروا اكثر في وقف عدوانهم سيأتي اليوم الذي لن يعود ينفعهم الانسحاب، وقد لن يتسنى لهم حينها اتخاذ القرار باكمال الحرب أو بإيقافها.
*العميد شارل أبي نادر