المشهد اليمني الأول/
لا يمكن تقييم دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في الصراع اليمني بعيداً عن مجمل أدائهما في صراعات وأزمات مماثلة لم يتمكنا من تحقيق أي نجاح يذكر، ولعل قضية الصراع العربي الإسرائيلي حول احتلال الأخير لفلسطين وتعنت الكيان الصهيوني في تنفيذ القرارات ذات الصلة الصادرة بالإجماع عن مجلس الأمن قد خفضت سقف التوقعات في امكانية قدرة هذه المنظمة على قيادة أي حوار يفضي إلى حل سلمي.
وفي جو يطغى عليه اللامبالاة وقدر كبير من التشاؤم، دشن المبعوث الأمم الجديد، مارتن غريفيث، مهمته بزيارة للمنطقة بدأت بالمملكة والالتقاء بهادي وحكومته، كما زار الأردن في جولة ستشمل الإمارات وصنعاء، متعهداً بالبناء على نتائج الجولات السابقة من المفاوضات، والعمل بجدية لتسهيل عملية سياسية شاملة تقوم على مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك القرار «2216 (2015)م»، هذا على الرغم من وجود مؤشرات لأسس تفاوض جديدة تنطلق من تواجد الأطراف على الأرض.
فشل الأمم المتحدة
وفي ما يخص دور المنظمة في الأزمة اليمنية، فإن فشل الأمم المتحدة في اليمن يعد قديماً جداً بدأ عقب قيام ثورة 26 سبتمبر في 62 و بعد أشهر من الحرب بين الملكيين المدعومين من السعودية والجمهورين المدعومين من مصر، وحينها كلف الأمين العام، يوثانت، الدبلوماسي الحائز على جائزة نوبل، رالف بانش، مبعوثاً خاصاً إلى اليمن.
وقضى بانش معظم وقته في رحلات مكوكية بين القاهرة والرياض لإقناعهما بالانسحاب من الصراع.
وعندما وصلت الأطراف المتحاربة إلى اتفاق مؤقت في عام 1963، كلف مجلس الأمن بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في اليمن بالإشراف على انسحاب الجنود المصريين والأسلحة السعودية من اليمن قبل أن تنسحب هي بعد 14 شهراً فقط، ليستمر القتال حتى تم الاتفاق على حل سياسي عام 1970، بعدما كفت الدولتين عن التدخل ومغادرة البلاد من تلقاء نفسها.
تدويل الأزمة
أيضاً في حرب صيف 94 بين شطري اليمن تم تكليف الأخضر الإبراهيمي، لوقف القتال وحل الصراع سلمياً، دون أن يحقق نجاحاً لتنتهي الحرب بانتصار طرف الشمال المدافع عن الوحدة، وهو نفس ما توقعه الشارع اليمني منذ تدويل الأزمة اليمنية في اكتوبر 2011 عقب صدور قرار مجلس الأمن في نفس العام المطالب بامتناع الأطراف المتنازعة عن استخدام العنف والسلاح، ودفع عملية السلام بينهما والالتزام بتنفيذ تسوية سياسية وفقاً لمبادرة مجلس التعاون وبإزالة جميع الأسلحة من مناطق التظاهر السلمي، والامتناع عن ارتكاب العنف والاستفزاز، وتدمير المؤسسات العامة والخاصة للدولة وهو مالم ينفذ على الواقع.
هذا القرار ألحق بقرار ثان في العام 2012 يطالب القوى السياسية اليمنية تنفيذ اتفاق الانتقال السياسي في البلاد.
ثم في فبراير من عام 2014 يصدر القرار الثالث والذي جاء بعد اختتام مؤتمر الحوار الوطني حيث هدد بتجميد الأموال، وحظر السفر ضد من يعرقل العملية السياسية، وكان ذلك بمثابة الدعم المباشر للرئيس هادي ونقل السلطة.
وفي فبراير 2015 أصدر مجلس الأمن قراراً دعا الحوثيين الى التخلي عن العاصمة صنعاء، والعودة إلى طاولة المفاوضات، بالإضافة إلى تطبيع الوضع الأمني، والالتزام بالعملية السياسية السلمية، مع سحبٍ للقوات من المُؤسسات الحكومية.
كما دعا الجماعات المسلحة إلى التخلي عن الأسلحة التي استولوا عليها من الجيش والمؤسسات الأمنية في اليمن، إلا أنه وبعد شهرين من نفس العام، وبعد أن صارت المملكة السعودية رأس الحربة في الصراع، انتقل الموقف الأممي من محاولة الادعاء بالحياد إلى التحيز الواضح ليأتي قرار مجلس الأمن الصادر في أبريل 2216، معبراً عن انحياز واضح بعد أن اعتمد مقترحاً من دول الخليج العربي، عقب بدء عملية ما سمي بـ «عاصفة الحزم»، لشرعنة الحرب على اليمن والقيام بفرض الحصار عليها براً وبحراً وجواً، واقرار عقوبات جديدة تمثلت في تجميد أرصدة، وحظر السفر للخارج لعدد من قيادة المؤتمر الشعبي والحوثيين بسبب دخولهم العاصمة صنعاء، ثم بعد كل ذلك هو يطلب من جميعَ الأطراف اليمنية المشاركة في مؤتمر، يتم عقده في الرياض، تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي الطرف الخارجي الذي يقود الحرب.
كل هذه القرارات جاءت أثناء تولي جمال بن عمر، مهمة المبعوث الأممي لليمن، والذي انتهت بعد أربع سنوات بإعلانه فشل مهمته في وقف الحرب وتقديم استقالته في بداية ابريل 2015 عقب اتهامات له بعدم الحياد من قبل الرياض والتي سعت لتغييره معلنا أن الحرب على اليمن أفشلت توافقاً مؤكداً بين الأطراف، وأُخذ على بن عمر، استئثاره باتخاذ قرارات دون مشاورة الأطراف المحلية والاقليمية والدولية وعدم وجود موظفين ثابتين ملمين بمسارات الحوار بسبب تغييره لطاقم مكتبه أكثر من مرة خلال عمله وهو ما أثر على وحدة المعلومات المقدمة للبعثات الدولية وتماسكها.
ولد الشيخ وجولات جديدة
لم يمض كثير وقت حتى تم تعيين الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، خلفاً للمغربي بن عمر، مبعوثاً إلى اليمن في الـ25 من إبريل 2015، حيث أشرف على العديد من جولات المشاورات التي عادة ما انتهت دون التوصّل إلى أي نتائج تقود إلى حل عادل ودائم.
ويرجع مراقبون فشله الدائم الى انحيازه للرياض خوفاً من أن يلحق بسلفه. وهو مادفع قوى صنعاء لمقاطعته والمطالبة بتعيين بديلاً عنه، وهذا أرغم الأمين العام للأمم المتحدة لتعيين الفلسطيني معين شريم نائباً له في سبتمبر 2017، وهو الذي وافق «أنصار الله» على استقباله في صنعاء، ليعلن ولد الشيخ قراره بعدها بعدم الاستمرار كمبعوث أممي في يناير الماضي قبل أن يقدم آخر إحاطة له لمجلس الأمن، وفيها قدم أول خدمة معلنة للنظام السعودي حين اتهم الحوثيين بالتنصّل من التوقيع على اتفاق للحل سبق أن توصلت إليه الأطراف.
لقد عرف ولد الشيخ بخفة التصريحات التي يثبت عدم صحتها ومنها تلك المبشرة باقتراب التوصل إلى السلام واعلانه مبادرات ترفض في العادة من كل الأطراف وكذا بحرصه على البقاء في منصبه من خلال الإحاطات التي يقدمها لمجلس الأمن وتحمل مدلولات عن امكانية تحقيق نتائج ايجابية، في فترات ظلت تتجدد دون أن يحصل أي تقدم بل على العكس حصلت انتكاسات كبيرة عقب فشل مفاوضات الكويت التي استمرت لأشهر وبعدها محادثات جنيف التي تم اجهاضها من قبل أمريكا والسعودية حين تم رفض تمديدها لأيام لاستكمال بنود تم التوافق عليها، ليعقبها قطيعة استمرت أكثر من عام، فيما ولد الشيخ ظل يردد كذباً عن تجاوب جميع أطراف النزاع مع جهوده الرامية إلى استئناف المسار السياسي.
وشهد عام 2017 تسع جلسات إحاطة ومشاورة لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في اليمن وبخلاف إجراء روتيني لتجديد نظام العقوبات لللقرار «2342» لم يصدر أي قرار جديد خلال 14 شهراً ماعدا اعتماد البيان الرئاسي رقم 7 لعام 2017 والذي خلى من أي صياغة توجب الإنفاذ.
إلا أنه ومع ذلك، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ظلا يتعاملان بازدواجية مفضوحة حيال الصراع في اليمن، والذي أصبح الطرف الموازي لصنعاء هي الرياض من خلال إعلان الإدانات لعدد من الصواريخ التي أطلقها الحوثيين على عاصمة المملكة مع أنها اعلنت اسقاطها فيما يغفل المجلس عن قصد التطرق إلى آلاف الغارات التي تقتل المدنيين بما فيهم الأطفال وتدمر منازلهم.
ولعل آخر قرار صادر للمجلس يعد مثالاً صارخاً على استمرار التعامل بمعيارين مختلفين، فبينما يتحدث عن استمرار تدهور الوضع الإنساني في اليمن، فإنه لايحمل الدول المتسببة بالحصار بل ويشيد بدعمها في مجال المساعدات التي تقدم للطرف المحسوب عليها.
كما أن المجلس وهو يجدد كل مرة ماقال إنها قذائف بالستية من قبل الحوثيين ضد السعودية، الذي قال إنها عرّضت المناطق المدنية للخطر، يرفض الإشارة إلى مجازر الطيران السعودي الإماراتي في الأسواق والطرقات والمدارس، وأكثر من ذلك، وفي ظل العجز على اعادة فتح مطار صنعاء واستمرار الحصار، فقد دعا المجلس، الدول الأعضاء إلى التنفيذ الكامل للحظر المفروض على الأسلحة وتأكيد دعمه لآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش.
كما يقفز القرار فوق القتال الدائر في الساحل الغربي الذي تقوده الإمارات في محاولة للسيطرة على الحديدة، بينما يعلن المجلس أخذه بجدية بالغة، محاولات الهجوم من قبل الحوثيين ضد الشحن حول باب المندب.
كل ما سبق من تحيز لهذه المؤسسة الأممية خلال الثلاث سنوات الماضية كان يمكن أن تكون أكثر ظلماً لليمن لولا التدخل الروسي الذي أوقف أو غير العديد من البيانات التي كانت تتبناها أمريكا وبريطانيا، وتمثل انحيازاً فجاً لصالح حليفتهما السعودية.
وهو ذات السبب الذي أدّى بكثير من المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية إلى التصدي للانتهاكات السعودية الإماراتية والقيام بفضح جرائمها، حيث نجحت في الغاء صفقات أسلحة للمملكة في دول ومنع تصديرها نهائيا في دول أخرى، بالإضافة إلى عدد من القضايا التي تم رفعها على الدولتين لدى المحاكم الدولية، ليتوج بإقرار مجلس حقوق الإنسان قرار بإنشاء فريق من الخبراء للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان من جانب جميع الأطراف.
*جمال عامر