المشهد اليمني الأول/
بدأت هذه الحرب الغاشمة في 26 مارس/آذار 2015 ، عندما شنت السعودية عدوانها باسم “عاصفة الحزم” بمشاركة البحرين والكويت والإمارات والمغرب والسودان، والأردن ومصر، وقطر (التي استبعدت بعد الازمة الخليجية) بذريعة إعادة الرئيس المستقيل والهارب عبدربه منصور هادي الى السلطة، أملا باقتلاع حركة انصار الله وحلفائها في بضعة اسابيع والسيطرة على العاصمة صنعاء، غير أن الاسابيع امتدت لسنوات ولم تحسم الحرب التي باتت تبعاتها تطارد الرياض دوليا وتنهكها اقتصاديا وتستنزفها عسكريا.
أستهلت الرياض التي تقود التحالف بمساعدة دول عربية وبدعم لوجستي استخباري اميركي، الحرب بفشل زج الجيش الباكستاني بهذا المستنقع، حيث جوبه هذا الامر برفض قاطع عبر تصويت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يقضي بعدم التدخل العسكري في اليمن في إطار عملية “عاصفة الحزم”، كما أن السعودية تلقت ضربة اخرى، اذ كشف وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي في مقابلة تلفزيونية أن مصر رفضت الاستجابة لطلب سعودي بإرسال قوات برية إلى اليمن، وعندما ترفض باكستان الحليفة الوثيقة للرياض ومصر المدمنة على المساعدات النفطية والمالية السعودية، فلك أن تتخيل حجم الازمة التي يمر بها العداون في بلورة تحالف شامل لاضفاء الشرعية وكسب هذه الحرب.
السعودية و للخروج من مأزق التمويل ورفد الجبهات بالمسلحين، اعتمدت بالاولى بشكل كبير على الامارات والثانية على تجييش المرتزقة من داخل اليمن تحت مسمى “الجيش الوطني والمقاومة” فضلا عن المرتزقة من الخارج والاستعانة بالجيش السوداني للسيطرة على اليمن ومقدراته.
خسائر التحالف السعودي بعد 1000 يوم من العدوان
كبد الجيش اليمني واللجان الشعبية تحالف العدوان السعودي خلال الـ 1000 يوم من بداية العدوان خسائر كبيرة تنوعت بين العسكرية والاقتصادية. وهنا تقرير مفصل عن بعض ما لحق بدول العدوان في اليمن خلال الـ 1000 يوم:
الخسائر المادية والبشرية المباشرة وأثناء المواجهات:
– تدمير وإعطاب أكثر من 1200 دبابة ومدرعة.
– 12 طائرة أباتشي و5 طائرات F16, F15 وأكثر من 20 طائرة تجسس.
– استهداف 10 سفن وفرقاطات وعدد من الزوارق الحربية.
– تدمير مئات المواقع في نجران وجيزان وعسير جنوبي المملكة.
– استهداف العديد من مناطق القيادة والسيطرة في نجران وجيزان وعسير.
– اقتحام عشرات المواقع والسيطرة عليها.
خسائر اقتصادية لدول العدوان:
– ازدياد التأثيرات السلبية على اقتصاديات واحتياطات الصناديق السياسية في الدول المشاركة في العدوان وتتحمل تكاليفها المتزايدة.
– سحب مزيد من أموال الصناديق السيادية لتمويل العدوان وتغطية نفقات التسلح.
ارتدادات العدوان في اليمن على الاقتصاد السعودي:
– نقص في الميزانية بلغ 15% من الناتج المحلي.
– مساعدات وهبات وتعويضات بمليارات الدولارات لشراء الذمم.
– انخفاض حجم الاحتياطيات منذ عام 2014، من 737 مليار دولار إلى 437 مليار دولار خاصة بعد تورطها في العدوان على اليمن.
– عجز الموازنة بسبب انخفاض أسعار النفط واستمرار العجز في ارتفاع مضطرد تجاوز %15.
– ارتفاع الضرائب والأسعار ودخول الرفاهية في حالة موت سريري.
– إعاقة جهود تنويع مصادر الدخل.
– ازدياد حجم الإنفاق العسكري بشكل مضطرد حتى وصل خلال العام 2015 وحدها إلى أكثر من 81 مليار دولار ليشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد ميزانيتي الولايات المتحدة والصين.
– تراجع معدلات النمو في السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي.
– ابتعاد الاستثمارات الأجنبية عن المشاريع طويلة الأمد.
اما الخسائر البشرية، فعادة ما يحجم التحالف السعودي، عن اعلان حصيلة لقتلاه باستثناء بعض الاحيان التي يعترف فيها بمقتل جنوده دون تفاصيل عن ملابسات مقتلهم، غير أن الجانب اليمني يرجح مقتل وجرح ألاف من التحالف السعودي.
الصواريخ اليمنية تغير موازين الحرب
رغم أن التحالف السعودي المدجج بانواع الاسلحة الامريكية ويتلقى المعلومات الاستخبارية من امريكا والدول الغربية، فرضت القوات اليمنية معادلة صعبة عبر الصواريخ الباليستية المطورة محليا، ورسمت فصولا من المواجهة اوجعت السعودية وحلفائها سيما الامارات، نستعرض بعضها:
كابوس”صافر” يؤرق الاماراتيین
منيت قوات التحالف السعودي بخسائر كبيرة في الأرواح في 4 أيلول/سبتمبر 2015، اثر مقتل 45 من الجنود الإماراتيين و5 من القوات البحرينية، حيث أعلنت دولة الإمارات الحداد الرسمي وتنكيس الإعلام لمدة ثلاث أيام، اذ كانت القيادة العامة للقوات المسلحة في الإمارات أعلنت بداية عن مقتل 22 من جنودها في اليمن قبل أن تصدر لاحقا بيانا تؤكد فيه وفاة 23 آخرين متأثرين بجراحهم.
وقالت وسائل الإعلام الإماراتية الرسمية عندئذ إن صاروخ أرض أرض استهدف مخزنا للذخيرة في مأرب ما أدى إلى مقتل 22 جنديا إماراتيا على الفور فيما نقل آخرون إلى المستشفيات.
وأوضح مصدر عسكري بوزارة الدفاع لوكالة الأنباء اليمنية “سبأ” أن أفرادا من الجيش نفذوا عملية نوعية بإطلاق صاروخ باليستي من نوع “توشكا” على معسكر بمنطقة صافر ما أدى إلى اشتعال النيران في المعسكر مخلفا عشرات القتلى والجرحى وتدمير عدد من طائرات الأباتشي التي كانت تتمركز في مطار صافر، كما تم تدمير عدد من الآليات والمدرعات الإماراتية واحتراق مخازن الأسلحة.
ضرب منشأة ينبع النفطية
أطلقت القوات اليمنية 22 يوليو/ تموز 2017، صاروخا باليستيا (بركان إتش 2) بعيد المدى على مصفاة لتكرير النفط في محافظة ينبع غرب السعودية، حيث أكد مصدر عسكري يمني لـ “سبأ” أن الصاروخ أصاب هدفه مخلفا خسائر كبيرة في المصفاة، في المقابل نفى الجانب السعودي اصابتها غير أن مسؤول سعودي صرح لرويترز أن مصفاة ينبع اغلقت للصيانة! وذلك بعد اعلان القوات اليمنية اصابتها بقليل.
استهداف قصر اليمامة الملكي
اعلنت القوة الصاروخية اليمنية 19 ديسمبر/ كانون الاول 2017 استهدافها قصر اليمامة الملكي السعودي في الرياض بصاروخ باليستي من طراز “بركان تو اتش” المطور محليا، مشيرة انه اصاب هدفه بدقة. واعلنت وكالة رويترز حينها عن سماع دوي انفجار ضخم في الرياض ، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي باخبار عاجلة ومعلومات من شهود عيان عبروا عن رعبهم وخوفهم من الانفجار الضحم الذي سمعوه، الامر الذي اضطر قيادة تحالف العدوان الى المسارعة للاعتراف بالضربة والزعم انه تم اسقاط الصاروخ الباليستي. واعلنت مصادر عسكرية حينها ان هدف الصاروخ البالستي هو إجتماع موسع لقادة النظام السعودي في قصر اليمامة في الرياض.
جرائم التحالف السعودي بحق المدنيين في اليمن
رغم الملاحم المشرفة التي سطرتها القوات اليمنية بصمودها الاسطوري وبالاعتماد على اسلحة تقليدية، بموازاة ذلك ثمة فصول مأساوية ارتكبها التحالف السعودي بحق الشعب اليمني الاعزل شملت صنوف من استخدام الاسلحة المحرمة والقصف الجوي، نستعرض بعضها ولم نف حقها.
فكشفت إحصائية مدنية مستقلة أن عدد الضحايا المدنيين جراء العدوان السعودي المدعوم امريكيا على اليمن خلال 1000 يوم من العدوان قد بلغ 35415 ما بين شهيد وجريح.
وأكدت إحصائية نشرها المركز القانوني للحقوق والتنمية ديسمبر/كانون الاول 2017، أن إجمالي عدد الشهداء الموثقين لدية جراء القصف المباشر فقط 13603 من بينهم 2887 طفلًا، 2027 امرأة، فيما بلغ عدد الشهداء من الرجال 8689 رجلًا، مؤكدا أن جميعهم من المدنيين.وذكر المركز أن عدد الجرحى بلغ 21812، بينهم 2722 طفلا، و2233 امرأة، 16857 رجلًا، فيما تجاوز عدد النازحين اثنين مليون وستمائة وخمسون ألفا.
وأشار المركز إلى أن عدد المنازل المدمرة والمتضررة جراء قصف العدوان قد بلغ 409356، كما دمر العدوان 826 مسجدًا.وفي تفاصيل موثقة لدى المركز في جانب التعليم والإعلام فقد بلغ عدد المدارس والمعاهد التعليمية المتضررة 827 مدرسة ومعهد، و118منشأة جامعية، و30 منشأة إعلامية.وفي جانب البنى التحتية والمنشآت الحكومية والخدمية المتضررة من قصف العدوان، أكد المركز أن العدوان استهدف 301 مستشفىً ومرفقًا صحيًا و1.684منشأة حكومية و174 محطة ومولد كهرباء، و524 خزانًا وشبكة مياه، و387 شبكة ومحطة اتصالات، و106 منشآت رياضية.
وفي المنشآت الأثرية والسياحية بلغ عدد المعالم الأثرية التي استهدفها العدوان 211معلما، و255 منشأة سياحية.
وفي جانب النقل ذكرت الإحصائية أن العدوان استهدف 15مطارًا، و14ميناءً، و2144 طريقًا وجسرًا، واستهداف 3378 وسيلة نقل، و548 ناقلة غذاء، و251 ناقلة وقود.وفي خانة المنشآت التجارية والزراعية اكدت أن عدد المنشآت التجارية المستهدفة بلغ 6393 منشأة، و2256 حقلًا زراعيًا، و593 سوقًا تجاريًا، و300 مصنع، و337 محطة وقود، و692 مخزن غذاء، و245 مزرعة دواجن ومواشي.
عزاء “آل رويشان” جريمة حرب لاتنسى
استهدفت طائرات التحالف السعودي 8 اكتوبر/تشرين الاول2016، عزاء والد وزير الداخلية في صنعاء اللواء جلال الرويشان في الصالة الكبرى، إذ اكد متحدث وزارة الصحة اليمنية تميم الشامي أن عدد ضحايا الغارة التي نفذتها مقاتلات التحالف على مجلس العزاء بلغ أكثر من 700 قتيل وجريح، حيث اعترف التحالف السعودي بالجريمة مبررا أنها تمت بعد تلقيه “معلومات مغلوطة” من مركز “توجيه العمليات الجوية بالجمهورية اليمنية”.
سلاح الحصار والتجویع
لم یکتف التحالف السعودي بالجرائم التي ارتكبها بالاسلحة الاميركية لتركيع الشعب اليمني، فبادر الى استخدام اسلحة اشد فتكا، عبر حصار اليمن بحرا وجوا وبرا، ما نتج عنه كارثة انسانية بدءا من الجوع حتى تفشي الكوليرا.
فحذرت منظمة الصحة العالمية فبراير/شباط 2018 ، من أن وباء الكوليرا في اليمن والذي أودى بحياة أكثر من ألفي شخص، قد يتفشى من جديد في موسم الأمطار.ونقلت قناة “سكاي نيوز” عن بيتر سلامة نائب مدير عام المنظمة لبرنامج الطوارئ الصحية على هامش مؤتمر دولي للمساعدات عقد في العاصمة السعودية، قوله إن عدد حالات الإصابة بالكوليرا تراجع في اليمن خلال الـ20 شهرًا الأخيرة بعد أن وصل إلى حاجز مليون حالة يشتبه في إصابتها بالمرض.
وأضاف: “لكن المشكلة الحقيقية هي أننا ندخل مرحلة أخرى من المواسم المطيرة.. عادة ما تزيد حالات الكوليرا وفقًا لهذه المواسم المطيرة. ولذلك فإننا نتوقع زيادة في أبريل المقبل وزيادة محتملة أخرى في أغسطس”.وأشار إلى أن اليمن شهد أيضًا تفشيًا لمرض الدفتيريا الذي يؤثر عادة على الأطفال.
وأضاف سلامة أن تفشي الكوليرا والدفتيريا ناجم عن الأضرار التي لحقت بالنظام الصحي في اليمن، موضحًا أن أقل من نصف المنشآت الصحية في اليمن تعمل بكامل طاقتها.
اللأمم المتحدة: الجوع يفتك بـ7 ملايين يمني
كشفت منظمة الأمم المتحدة 2 اغسطس /ايلول 2017 بأن 7 ملايين من اليمنيين، باتوا على وشك المجاعة، في بلد يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.وجاء في تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “في بلد يشهد واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، سبعة ملايين شخص في اليمن باتوا على وشك المجاعة، في حين يعاني 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية”.
وخلال التقرير، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها الكبير من أسوأ تفشٍ لوباء الكوليرا في العالم، لافتة إلى أن “السكان باتوا يموتون من أمراض قابلة للعلاج، كون الخدمات الصحية الأساسية مفقودة”.
السعودية والامارات .. صراع النفوذ والغنائم
بعد ما استعرضناه من بعض فصول الحرب المرة على اليمن ثمة حقيقة جيو سياسية باتت تتضح معالمها أن التحالف القوي بين السعودية و الإمارات، يكتنفه صراع على اقتسام الغنائم و النفوذ على هذا البلد الاستراتيجي.
مع طول أمد الحرب على اليمن، وعدم تحقيق أهدافها منذ حوالي ثلاثة أعوام، تطفو إلى السطح بين فترة وأخرى الخلافات السعودية الإماراتية وهما الدولتان الرئيستان في التحالف الذي تقوده الأولى شكليا، رغم محاولتهما التغطية على ذلك.
برزت هذه الخلافات، منذ سيطرة التحالف على المحافظات اليمنية الجنوبية، حيث ادى الى صراع نفوذ بين الرياض وابوظبي على المناطق المسيطر عليها، ما جعل من تحالفهما يتفكك وان بشكل غير معلن مع استمرار الحرب وفقدان بوصلة الهدف.
ويتفق محللون سياسيون، على ان دولة الامارات عمدت منذ بدء عملية “عاصفة الحزم”، على ترسيخ نفوذها في اليمن، التي تعتبرها السعودية حديقة خلفية ومنطقة حصرية لنفوذها، مشيرين الى ان ابوظبي تسلك سياسات الهدف منها تمديد نفوذها وتحجيم النفوذ السعودي، وهو ما سيفجر الخلاف الدائر حاليا الى نقطة اللاعودة عاجلا او اجلا.
وأظهرت التطورات المتلاحقة في الملف اليمني، تباينا واضحا في اجندة الدولتين المحوريتين في الحرب على اليمن وهما السعودية والإمارات، ما اعتبره مراقبون، مؤشرا على عبثية الحرب وانصراف أهدافها إلى أجندة أخرى غير معلنة، ولم تعد خافية على المتابعين.
وفي كل حال، ظل المدنيون اليمنيون هم من يدفعون ثمنا كبيرا لاستمرار الحرب، فيما اصبحت الضربات الجوية المتواصلة غير المجدية والتي تحصد ارواح مزيد من الابرياء في مجازر متكررة مؤشرا لفشل تحالف السعودية، ودافعا لمزيد من الضغوط الاممية والدولية عليه لوقف هذه الحرب العبثية، ووضع حد لملفها الحقوقي المثقل بالاتهامات في أروقة منظمات الأمم المتحدة.
أبوظبي وأطماع السيطرة على حساب الرياض
برزت الإمارات كقوة ذات أطماع للسيطرة على الجزر الحيوية والمواقع الاستراتيجية في اليمن، وهو ما عطل كثيرا من محاولة السيطرة على باقي المدن باليمن ، ووسط هذه الاجندة الخفية ضاع الهدف المعلن من دخول التحالف السعودي للحرب على اليمن.
ووسعت ابوظبي سيطرتها الى شبوة المحافظة الغازية والنفطية جنوب شرق اليمن، وساحل حضرموت، فيما اكتفت السعودية بالتوسع في صحراء حضرموت، حيث ازالت علامات حدودية في منطقة الخرخير الحدودية، و تعمقت بأكثر من 26 ألف كم مربع في الأراضي اليمنية.
ومازالت الامارات تبذل جهودا مكثفة لفرض نفوذها على محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن على الحدود مع سلطنة عمان، التي ترى في ذلك خطرا على امنها القومي، نظرا لوجود سوابق للنظام الاماراتي في استهداف السلطنة.
كما تستميت في محاولة مد نفوذها الى محافظة مأرب شمال اليمن، ومحافظة تعز جنوب غرب البلاد، وهو ما يعتبره ناشطون يمنيون، ان تدخل ابوظبي بات في ملاحقة أي منطقة تحت سيطرة قوات هادي لبسط نفوذها عليها.