المشهد اليمني الأول/
من قرأ او سيقرأ تاريخ الاحتلال البريطاني لعدن ولجنوب اليمن عموماً سيراه اليوم مجسداً واقعاً توارت فيه بريطانيا خلف الكواليس او في العتمة وتركت للوكيل او من يقوم بدورها ان يتصدر المشهد ويلعب الدور وينجز الاعمال القذرة وبريطانيا تحقق ما أرادته وخططت له دون ان تخسر شيئاً ..
شركة الهند الشرقية كانت إداة بريطانيا الاستعمارية وممول مشاريعها الإستعمارية ولأن لكل زمن أدواته وخطابه واسمائه ومسمياته المناسبة له حلت شركة موانئ دبي عوضاً عن شركة الهند الشرقية لتلعب دورها وتتقمصه .
حين احتلت بريطانيا عدن عمدت إلى تشكيل ما عُرف بجيش الليوي عام 1918م في عدن(وهي تسمية مشتقة من الكلمة الإنجليزية “leviers”) وتعني مجندون وكان يتبع القوات الجوية الملكية البريطانية لتستخدمه في إنجاز المهام التي لن يقدر جنودها على انجازها ومن هذه المهام على سبيل المثال لا الحصر حماية طرق القوافل التجارية القادمة إلى عدن والخارجة منها ولتأدب وتردع به كل من حاول او يحاول التمرد والخروج عن إرادتها وطاعتها يستوي في ذلك المواطن والسلطان والشيخ والأمير .
وكذلك فعلت الإمارات حين احتلت عدن شكلت ما يُعرف بالحزام الأمني على أسس جهوية ومناطقية لتضرب وتردع به من يفكر او فكر بمناهضة اعمالها وافعالها او يخرج عن إرادتها وطاعتها وبتهم هي ذات التهم التي أطلقتها بريطانيا على فدائيي الكفاح المسلح ثهمه الإرهاب والفدائيين والمناضلين الوطنيين الاحرار إرهابيين !!
تمددت بريطانيا شرقاً إلى حضرموت وانشأت ما يُعرف بجيش البادية الحضرمي قي عام 1939م في غيل بن يمين على يد هارولد انجرامز وكانت مهامه هي نفس مهام جيش الليوي حماية طرق القوافل التجارية وقمع وتأديب الخارجين والمناهضين للإحتلال البريطاني .
وكذلك فعلت الإمارات في حضرموت انشأت ما يُعرف بقوات النخبة الحضرمية في اشارة واضحة ان وضع حضرموت والمحافظات الشرقية يختلف عنه عن وضع عدن والمحافظات الغربية أي انها تًعيد إنتاج المحميات الشرقية والمحميات الغربية تقسيم الاحتلال البريطاني !!
ومهمة قوات النخبة الحضرمية هي ذاتها مهمة جيش البادية فقط تغير الاسم فمهمة النخبة القمع والتنكيل بكل من يفكر او فكر بالخروج عن طاعة الإحتلال الإماراتي فأحالت الإمارات القصر الجمهوري وميناء ضبة النفطي ومطار الريان بالمكلا إلى سجون تزج فيهم كل من يعارض ويناهض وجودها والتهمة جاهزة تهمة الإرهاب !!
بريطانيا حين شكلت وانشأت تلك القوات جيش الليوي غرباً في عدن وماجاورها وجيش البادية الحضرمي شرقاً في حضرموت وماجاورها شكلته في عدن من ابناء القبائل المحيطة بعدن وقلة فيه هم ابناء عدن وفي حضرموت شكلته من بعض ابناء قبائل حضرموت واغفلت ابناء بعض القبائل من تشكليته لتضمن بقاء سياستها الاستعمارية الشهيرة ” فرق تسد ” كذلك فعلت الإمارات وهي تشكل الحزام الأمني و نخبة حضرموت وشبوة !!
احتلت بريطانيا عدن وجنوب اليمن لتحقيق مصالحها واطماعها الاستعمارية بالسيطرة على طرق التجارة العالمية ولحاجتها الشديدة لميناء عدن ولعدن لما يمثله موقعها الإستراتيجي فكان ان شغّلت ميناء عدن وجعلت من عدن ومينائها منطقة حرة جنت منها ارباح طائلة . ولأن الإمام يحيى كان عنصر إزعاج وتنغيص على الإحتلال البريطاني بمطالبته لبريطانيا بإعادة عدن وجنوب اليمن باعتبارها أراض يمنية ودأب حكومة الإمام على استقبال اللاجئين إليها من الثوار المناهضين للإحتلال البريطاني ودعمهم ليستمروا في نضالهم ضد الإحتلال البريطاني رغم شحة امكانيات دولة الإمام لكن تلك المناوشات المحدودة التي انطلقت في بعض المناطق الجنوبية المتاخمة لحدود الشمال الأمر الذي أرعج البريطانيين و جعل بريطانيا تحتل ميناء المخا بعد انسحاب الحامية التركية منه وتحتل ايضاً ميناء الحديدة . كما حاولت بريطانيا بدأب لتجعل من الصراع في اليمن صراع مذهبي بين الزيدية والشافعية لكنها فشلت فشلاً ذريعاً واحسب ان فشلها يعود في ذلك لأن تعز كانت عاصمة دولة الإمام ولم تجد بريطانيا بين نُخب تعز الواعية والمثقفة والمستنيرة من يتبنى نظرتها الخبيثة للصراع وينجر إلى أتونه .
استعاد الإمام ميناء المخاء من البريطانيين بعد ان خاض قتالاً معهم ونكاية بالإمام سلّم البريطانيين ميناء الحديدة للادريسي وهدفهم من ذلك إشغال الإمام عنهم في صراع وحرب وقتال هو من المؤكد سيخوضه لإسترجاع ميناء الحديدة وذلك ماكان .
الإمارات حين احتلت عدن لم تكن تريد ميناء عدن لتشغّله لا مطلقاً فهو المنافس الناجح لميناء جبل علي الإماراتي هي تريد ان تعطله لآمادٍ متطاولة من السنين حاولت قبل الحرب بسنوات وعبر شركة موانئ دبي بإتفاقية التشغيل المشبوهة التي وقعها معها صالح جرّاء رشوة منها وحين أُلغيت الإتفاقية معها قبل الحرب بأقل من عام هاهي الحرب تقدم لها فرصة لتحقق كل اطماعها في عدن وجنوب اليمن وكذلك عطّلت مطار عدن .
ثم اتجهت إلى حضرموت لتحتل وتعطل ميناء المكلا ومطار الريان وتحتل ميناء ضبة النفطي وتحتل ايضاً ميناء بلحاف لتصدير الغاز وتدشن منه أول سرقة علنية من الغاز اليمني ادعت انها صفقة بينها والحكومة الشرعيىة التي تناصبها العداء وتقوض ما تبقى من كيانها وأركانها كل يوم ثم اتجهت إلى ميناء المخا وعطلته وجعلت منه ثكنة عسكرية وميناء لأغراضها العسكرية وهي وتطمح حالياً لأن تسيطر على ميناء الحديدة وبذلك تكون قد اكملت سيطرتها على موانئ اليمن بعد ان سبق وسيطرت على جزره .
حاول التحالف السعودي الإماراتي من جعل الصراع الحالي في اليمن صراع طائفي مذهبي ولم ينجح التحالف في ذلك حتى الآن رغم انجرار مليشياته وترويج اعلامه لذلك إلا انه لم يحقق ما كان يتوخاه من نتائج وظني ان وعي الشعب اليمني بخطورة هذا المشروع المدمر وقف حائلاً وسداً ضلباً دونه .
هذه مقاربة أولية للدور البريطاني المستتر والدور الإمارتي المعلن في إحتلال الجنوب اليمني ولنا تكملة للموضوع حين تسنح الظروف ويسمح الوقت ..
*فهمي السقاف – من حائط الكاتب على الفيسبوك