المشهد اليمني الأول/
أهداف العدوان على اليمن ثابتة وهي سعودياً، خلق حديقة خلفية للسعودية موالية لها ولا تشكل على اجندتها الخادمة للاستعمار خطرا ولا إعاقة.
وأمريكياً وصهيونياً، هو تأمين الممرات البحرية وتأميمها لصالح أمريكا وقطع طريق الحرير في إطار المنافسة مع الصين وروسيا وفي إطار الصراع الأوسع عالمياً على أوراسيا.
أما الوسائل والتكتيكات فهي متخبطة، فتارة باستخدام سيناريو الأفغنة عبر خلق حكومة عميلة تحاول فرض الأمن والسيطرة على الأوضاع لصالح المعتدين.
وتارة عبر الصوملة بخلق تناحر قبلي وتشجيع الغرهاب لفرض حالة من عدم الاستقرار والحرب الأهلية باعتبار أن الفوضى تسمح بسيطرة قوى العدوان، وعلى الأقل عدم سيطرة القوى الوطنية والمقاومة على مقاليد الأمور.
ولأن المقاومة أفشلت سيناريو الأفغنة واستطاعت دحر المرتزقة وعدم تمكين حكومة عميلة من السيطرة، ولأن هناك أيضا تنازع في معسكر العدوان حول طبيعة الحكومة العميلة الموالية لكل طرف مثلما هو الحال في الصراع بين السعودية والامارات، فإن الصوملة هو السيناريو الأقرب عمليا والمتاح حاليا لمعسكر العدوان.
ويبدو أن ترامب يميل لهذا السيناريو رغم تحذيرات أمريكية داخلية منه ومن خطورته، إلا أنه يتبناه لإرضاء ولي العهد السعودي ليتمكن من المزيد من الابتزاز له.
وقد كان وزير الخارجية المقال ريكس دبليو تيلرسون معارض لهذه السياسات، ويبدو أن ترامب حسم أمره بتبنى الخط المعارض لتيلرسون وهو خط يمثل مؤسسات كبرى وليس مجرد خط شخصي لوزير الخارجية المقال. كان لتيلرسون تصريحات سابقة منتقدة للحمق السعودي رغم أنه صاغها بدبلوماسية وقال فيها:
“فيما يتعلق بتعامل المملكة العربية السعودية مع قطر ، وكيف يتعاملون مع حرب اليمن التي ينخرطون فيها ، والوضع في لبنان ، فإننا نشجعهم على أن يكونوا أكثر تقديرا للعواقب في هذه الأعمال”، وقال تيلرسون في مؤتمر صحفي في وزارة الخارجية الفرنسية في باريس أواخر العام الماضي موجها الخطاب للسعوديين: “فكر مليًا في العواقب”.
كما اعلن تيلرسون في أكثر من مناسبة أنه يفضل قطر في نزاعها مع السعودية ، لكن الرئيس ترامب يتناقض معه وينحاز إلى السعوديين.
وفيما يتعلق باليمن، أوضح تيلرسون أن نهاية حصار الموانئ اليمنية يجب أن تشمل الشحنات التجارية أيضا، وليس الشحنات الإنسانية فقط ، “لأن 80 بالمائة من الغذاء يأتي على متن السفن التجارية”.
وهي بالتأكيد ليست تصريحات إنسانية بقدر ما هي تقديرات سياسية لعواقب هذا الحصار ومآلاته.
ما حدث مؤخرا من ترامب نحو وزير خارجيته هو أمر ليس شخصي بين رجلين أحدهما رئيس والآخر وزير خارجية، وإنما بين خطين في أمريكا، أحدهما ينحاز لابتزاز السعودية إلى ما لانهاية وفقا لتعبير ترامب الشهير “البقرة الحلوب”، والآخر يرى حتمية الموازنة لأن السعودية تقود المنطقة للفوضى والتي ستنال من مصالح أمريكا بالسلب.
حسم ترامب أمره، والأمور تتجه لسيناريو الصوملة.
والدلائل على ذلك كثيرة والأنكى أنها معلنة!
في العام الماضي، قالت التقارير أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يعمل جنبا إلى جنب مع تحالف مدعوم من الولايات المتحدة في اليمن، وأدلى قاسم الريمي زعيم القاعدة في جزيرة العرب بهذه التعليقات في محادثة مع اعلامية، وفقا لوكالة أسوشيتد برس .
وقال الريمي: “نحن نقاتل مع مجموعات إسلامية مختلفة وحلفاء الجماعة يضمون أنصار مسلحين من جماعة الإخوان المسلمين والقبائل الموالية لمدرسة الإسلام السنية. وقال إن هدفهم هو ميليشيا متمردة تدعمها إيران وتسمى الحوثيين ، وهم موالون لمدرسة فرع الإسلام الشيعي المتنافس.”!
وتفيد التقارير أن المجموعة الإرهابية تواصل الازدهار في جزء كبير من اليمن، كما يبدو، بسبب سياسات الولايات المتحدة.
ويشير معهد أميركان إنتربرايز، إلى أن القاعدة تعمل إلى جانب لواء في مدينة تعز الرئيسية التي تتلقى الدعم السعودي والإماراتي.
بالتأكيد فإن دعم القاعدة هو استغلال معتاد لها لإفشال الدولة وتنفيذ سيناريو الصوملة، وبالتأكيد فليس مطروح على المقاومة اليمنية أكثر من محاربتها والصمود لإفشال هذا السيناريو.
ربما تكون هناك أدوار سياسية أخرى تتعلق بإبراز السيناريو وكشف الدور الأمريكي والسعودي والإماراتي في دعم الإرهاب واستغلال الخلافات الداخلية الأمريكية، إلا أن نجاح السياسة يتطلب إيلام الأعداء أيضا وجعلهم يدفعون تكلفة مضافة على الأرض، وهو راجع لتقدير المقاومة على الأرض لخياراتها الاستراتيجية.
إيهاب شوقي – كاتب مصري