المشهد اليمني الأول/
السعودية بتاريخ تعاملها مع السلطات التي تناوبت على الحكم في صنعاء منذ عام الثورة الجمهورية 1962م,كانت وما زالت منذ ذلك التاريخ-و حتى هذه اللحظة في عامنا 2018م تعتمد على سياسة ضخ الملايين من الريالات الى اليمن,ولكن ريالاً واحداً منها لم يذهب لخزينة الدولة أو لمصلحة التنمية مثل التعليم والصحة والطرقات وغيرها من المجالات التي تأسس لدولة قوية مستقلة متحررة من الجهل والأمية والأمراض والتطرف والحروب. فقد حرصت الرياض- التي تقول اليوم أن كُلفة حربها منذ ثلاثة أعوام باليمن قد تجاوزت الـــ 120مليار دولار-أن تمنح تلك الملايين لشخصيات اجتماعية وكيانات حزبية ودينية وقبيلة وعسكرية بصفاتها المستقلة الشخصية لا الرسمية عبر كثير من المسارب المالية المتعددة- لعل أبرزها- اللجنة الخاصة -. مستهدفة من وراء سياستها هذه أمرين على الأقل:
إبقاء اليمن ضعيفا فقيرا يتقاذفه الجهل والفقر والتطرف والنزاعات ليظل تحت السيطرة السعودية, ولتأمن الخطر اليمني الذي ظل يؤرقها كفوبيا مستحكمة بالنفس السعودية منذ زمن مؤسسي الدولة السعودية الأولى والثانية, وحتى زمن قيادة المملكة العربية السعودية “الدولة السعودية الثالثة”.
ثانياً : ضمان التحكم بالقرار السياسي والإرادة اليمنيتَين وإبقاء هذا البلاد المنهك مربوطا لبوابة قصر اليمامة. ((ظل الملحق العسكري السعودي الشهير باليمن “صالح الهديان” أبرز عرابي هذه السياسية لفترة طويلة وكان له دور باغتيال الرئيس الحمدي في 11أكتوبر تشرين أول عام 77م الذي حاول بناء دولة يمنية حديثة مستقلة القرار والسيادة)) أنا هنا أتحدث عن اليمن الشمالي حتى عام 90م, وعن اليمن شماله وجنوبه من بعد هذا التأريخ.
فمن يعتقد أن الغرض السعودي الوحيد من هذه الحرب اليوم هو إيقاف الحضور الإيراني باليمن فقد جانبَ الصواب, فالغرض الرئيس هو إضعاف اليمن كدولة وكقدرات وتاريخ وجغرافيا بصرف النظر عمن يحكمه وبصرف النظر أن كان هذا اليمن شمال أو جنوب, موحدا كان أو مجزئاً,فهذه الرغبة السعودية ضاربة جذورها بعمق التاريخ الحديث ,وازدادت انتعاشا واستثارة بعد عام 90م حين أيّد الرئيس السابق علي عبدالله صالح الغزو العراقي الجائر على الكويت, وكانت فرصتها السانحة للتدخل هو عام 2015م عام العاصفة,بعد أن جرت الأمور على النحو الذي سنذكره لاحقاً.
فأن كان الخطر الإيراني هو الباعث الوحيد لهذه الحرب لدى السعودية وليس لأطماع أخرى لكنا شاهدنا مثل هذه الحرب وهذه العاصفة قبل 13سنة- موجهة سعودياً ضد العراق, ففي العراق ملايين الشيعة,و فيها أهم مراكز وحوزات هذه الطائفة التي تقول السعودية انها مجوسية تهدد وجودها, وفي العراق أيضا -وهو أهم ما بالأمر وفقا للتخوفات السعودية المعلنة- النفوذ الإيراني الحقيقي من قوات عسكرية واستخباراتية وأمنية ومرجعيات دينية إيرانية, فضلا عن النفوذ السياسي والاقتصادي وغيرها من أشكال النفوذ والتواجد الإيراني الصريح الغير مبني على افتراضات واهية. وبالتالي يكون منطقيا أن يأتي الخطر الإيران على المملكة من هناك-على افترض صحة تلك التخوفات طبعاً-قبل أن يأتيها من جبهتها الجنوبية-اليمن-.
السؤال: لماذا تحاشت السعودية ضرب إيران في أرض نفذها الحقيقي –العراق-؟ ولماذا أحجمتْ عن الذهاب الى سورية لمنازلتها هناك حيث نفوذها الكبير بقضها وقضيضها, وهناك كانت فرصتها لسحق حزب الله اللبناني الذي تبحث عنه بإصرار -والذي بالمناسبة تطالبه بالانسحاب من اليمن؟. ولماذا لم تذهب لقطع اليد الإيرانية في وسط مياه الخليج العربي على مرمى حجر منها -جزر طمب الكبرى والصغرى وأبو موسى-.؟
الاجابة يمكن تختصر بأمرين: الأول:أن السعودية تعرف أن ايران موجودة فعلا بالعراق وسوريا وبتلك الجزر ولهذا تحاشت صدام عسكري غير مضمون النتيجة والعواقب,وفضّلت عوضا عن ذلك محاربتها بشكل غير مباشر باليمن بالمكان الذي تعرف جيدا انها ليست حاضرة فيه…فحربها باليمن إذاً كانت تحت مبرر الخطر الإيراني الغير موجود مقارنة مع ما هو موجد اصلا بالعراق,و الذي قد يكون له جزء بسيط من التفهم باليمن لكن يظل الغرض من هذه الحرب هو اليمن ذاته ,ولم يكن الخطر الإيراني إلا غطاءً ولاستمالة المواقف الغربية والأمريكية وشراء صمتها ودعمها. طمعا بأرضه – اليمن- وموقعه الجغرافي المميز الذي من ضمن المصالح التي يمكن الاستفادة منه كجغرافيا إنشاء ممرر نفطي يربط المنطقة الشرقية النفطية للمملكة ببحر العرب عبر حضرموت.
ازدادت الرغبة السعودية بالتدخل باليمن بالسنوات القليلة الماضية, خصوصا بعد أن ساهمت المملكة من حيث لا تدري بتقوية حركة الحوثيين حين غضّتْ طرفها عن تقدم هذه الحركة باتجاه صنعاء معتقدة -أقصد المملكة- ان صداما داميا سيحدث لا محال بين الحركة الحوثية وبين حزب الاصلاح” إخوان اليمن”. خصوصا ان السعودية كانت حينها تمر بحالة من الشعور الغيض والغضب من حزب الاصلاح بسبب تأييده القوي لثورات الربيع العربي التي تقودها حركة الإخوان المسلمين الخصم السياسي والفكري للمؤسسة الحاكمة بالرياض.. لولا أن الاصلاح استخدم دهائه السياسي وتفادى الفخ السعودي الذي استهدف ضربه بحركة الحوثيين,ولسان حاله يردد: ((لن ننجر, ولن ننوب عن الأخرين بحرب عن مضمونة بعد اختلال كفتَي الميزان العسكري)), وحينها وجدت السعودية أن سحرها قد انقلب عليها, بعد أن باتت الحركة الحوثية هي صاحبة القرار السياسي وصاحبة القول الفصل باليمن بعد أن ظل اليمن بالنسبة للرياض مجرد تابعٌ وطيّع, وحديقة خلفية مهملة,يحاول أن يفلت من قبضتها. …وكانت العاصفة التي ما تزال تعصف بالجميع بمن فيهم السعودية ذاتها.
قد يقول قائلا: وماذا بشأن التدخل الإمارتي باليمن؟. الجواب هو أن الإمارات ما كان لها أن تخطو خطوة واحد باتجاه اليمن لولا الرغبة والقوة والطلب السعودي.
خاتمة: تستطيع العاصفة ان تدمر مدينه لكنها لا تستطيع ان تحل عقدة خيط .
*صلاح السقلدي – رأي اليوم