المشهد اليمني الأول| متابعات
يُطلَق مصطلح «الوهابية» على الحركة الإسلامية السياسية التى بدأت في أرض نجد على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذى وُلد في عام 1703 وتوفي في 1791 ميلادية، أحد رجال الدين فى نجد، الذى تلقى تعليمه الديني على المذهب الحنبلي.
بدأ محمد بن عبدالوهاب دعوته في شبه الجزيرة العربية منطلقاً من مسقط رأسه نجد فى وسط شبه الجزيرة العربية ذات الطابع الصحراوى القاحل، وأصبحت دعوته أساس جميع الاتجاهات السلفية والمنبع الذى تستقى منه جميع الحركات السلفية أصولها.
ورغم الاتفاق على أن مؤسس الحركة الوهابية هو محمد بن عبدالوهاب، فإن هناك اختلافاً فى القبول بنسبتها إليه، حيث يرفض أتباع «بن عبدالوهاب» حتى وقتنا هذا مسمى «الوهابية» ويفضلون على هذه التسمية لفظ السلفية أو «أهل السنة والجماعة».
فى المقابل فإن خصوم الحركة الوهابية من أتباع المذاهب الفقهية الأخرى والصوفيين يتمسكون بمصطلح الوهابية لدمغ تلك الحركة والمنتسبين إليها، ما يجعل اسم الوهابية محل خصام ونزاع حتى وقتنا هذا.
دعا محمد بن عبدالوهاب إلى منهج قديم، إلا أنه كان جديداً على أهل هذا الزمن، هو منهج “شيخ الإسلام” أحمد بن تيمية الذى عاش فى القرن السابع الهجرى، وأهم سمات تلك الدعوة الوهابية: إعلان محمد بن عبدالوهاب أن دعوته وحركته على نهج السلف الصالح وتهدف لتنقية عقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية المخالفة لجوهر الإسلام والتوحيد مثل التبرك بالأولياء وزيارة الأضرحة،
والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومطالبة الحكام بهدم الأضرحة والقباب التى على قبور الأولياء ومساواتها بالأرض وعدم تمييزها عن أى قبر آخر، وإنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد، والموالد، وإثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل من المسائل الرئيسية فى عقيدتهم.
وجدت حركة محمد بن عبدالوهاب عداء من جانب الكثير من أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، وذلك لقفزه على تلك المذاهب، واتباعه منهج ابن تيمية، الذى اعتمد على القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين، متجاهلاً الجهد الفقهى الذى استمر سبعة قرون سابقة عن ابن تيمية، واثنى عشر قرناً من العمل الفقهى سابقة على وجود محمد بن عبدالوهاب.
بدأ محمد بن عبدالوهاب فى تنفيذ الحدود بنفسه دون الرجوع لولىّ الأمر، مستعيناً بكثرة عدد أتباعه، فرجم الزانى والزانية، وقطع يد السارق، واقتص من القاتل.
تجاوز محمد بن عبدالوهاب «الدعوة بالتى هى أحسن» إلى استخدام القوة و«الجهاد» فى فرض دعوته على أبناء نجد، ثم باقى شبه الجزيرة العربية، فبدأ وأتباعه سلسلة حروب ضد المخالفين له أطلقوا عليها اسم الغزوات، كان الهدف الأول منها هدم الأضرحة والقباب الموجودة وقتها فى شبه الجزيرة العربية وأشهرها قبة زيد بن الخطاب، وصولاً إلى إقامة دولة التوحيد والعقيدة الصحيحة.
تحالف محمد بن عبدالوهاب مع أمير منطقة الدرعية وقتها، الشيخ محمد بن سعود بن محمد آل مقرن، وكان نتيجة هذا التحالف إنشاء الدولة السعودية الأولى فى شبه الجزيرة العربية، على عكس إرادة الخلافة العثمانية التى أوعزت بعد ذلك إلى محمد على، حاكم مصر، بإرسال جيش بقيادة نجله إبراهيم باشا، الذى حاصر الدرعية وأنهى عهد الدولة السعودية الأولى التى عادت وتأسست من جديد فى أوائل القرن العشرين تحت قيادة عبدالعزيز بن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية.
تُعد «الوهابية» منبع الحركات السلفية، لا سيما السلفية الجهادية، وهى الأصل والمنهج المشترك بين جميع الفصائل والجماعات السنية الجهادية والمتطرفة فى العالم، والمتهم الأول فى انتشار الفكر الجهادى والتكفيرى فى الإسلام.
ولم تسلم الوهابية من النقد حتى فى عهد مؤسسها ومن أقرب الناس إليه، حيث انتقد سليمان بن عبدالوهاب، شقيق محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية، حركة أخيه، وأصدر كتاباً حمل اسم «الصواعق الإلهية فى الرد على الوهابية»، خصصه للرد على أفكار شقيقه ومهاجمتها بعد أن رأى سرعة انتشارها وسيطرتها فى شبه الجزيرة العربية.
تُهم أخرى كثيرة تلحق بالوهابية، أهمها ما ذكره الدكتور عبدالله الناصر حلمى، رئيس اتحاد القوى الصوفية، والباحث فى الحركات الإسلامية والتاريخ الإسلامى، عن الحركة الوهابية ومؤسسها.
اتهم «حلمى» الحركة الوهابية بأنها حركة استُخدمت فعلياً من قبَل دول غربية لنشر التكفير والتفجير وتفكيك دول المسلمين، وأن الذى صنع هذه الحركة ورعاها المخابرات البريطانية، الأمر الذى تثبته مناصرة الوهابيين فى الحرب العالمية الأولى للإنجليز ضد الخلافة العثمانية وطردهم الشريف حسين من الحجاز.
وقال : «وصف الشيخ سليمان بن عبدالوهاب أخاه محمد بن عبدالوهاب وحركته الوهابية بأنه: ينتسب للكتاب والسنّة ويستنبط من علومهما ولا يبالى مَن خالفه، وَمن خالفه فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد، ولا والله ولا عُشر واحدة، ومع هذا راج كلامه على كثير من الجهال، فإنا لله وإنا إليه راجعون».
وأوضح «حلمى» أن الأصل الحقيقى لظهور الوهابية تمزيق المسلمين وإثارة الفتن والحروب فيما بينهم خدمة للمستعمر الغربى، وليس كما أعلن مؤسسها ويعلن منتسبوها إخلاص التوحيد لله ومحاربة الشرك والأوثان، لافتاً إلى أن العديد من علماء المسلمين تصدوا للحركة الوهابية وأفكارها منذ مؤسسها وحتى الآن.
وانتقد «حلمى» أفعال الحركة الوهابية، ومنها قتل الشريف غالب، حاكم مكة، عام 1305 هجرياً، وعمل مذبحة فى الطائف لمخالفيهم عام 1317 هجرياً، وطرد الشريف الحسين بن على، ملك الحجاز، من المدينة عام 1336 هجرياً، ومناصرتهم للإنجليز ضده وضد الخلافة العثمانية، مؤكداً أن محمد بن عبدالوهاب كان على صلة بالمستشرق البريطانى المشهور همفر الذى أوعز بأفكاره إلى محمد بن عبدالوهاب.
وحسب «حلمى» فإن الإرهاب المنتشر فى العالم حالياً، سواء كان من تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، سبب وجوده وأصله الفكرى والمنهجى هو الحركة الوهابية التى قتلت عوام المسلمين كما تفعل تلك الحركات حالياً.
من جانبه قال المهندس ياسر سعد، رئيس اللجنة الدينية بالجبهة الوسطية، إن جميع الحركات الجهادية والمتطرفة تأثرت بالحركة الوهابية وأخذت منها المنهج السلفى، لا سيما بعد انتشاره فى مصر كالنار فى الهشيم فى بداية السبعينات.
وأضاف: «تراجع منهج الأزهر الوسطى، مقابل منهج الحركة الوهابية المتشدد نتيجة حركة العمل فى السعودية والخليج (الفارسي) فى نهاية الستينات والسبعينات، مع انتقال العمالة المصرية إلى الخليج (الفارسي) والعودة منه بأفكار وسمات الفكر الوهابى».