المشهد اليمني الأول/
تعود الحركة، شيئاً فشيئاً، إلى المسار السياسي المتصل بالأزمة اليمنية، والمُجمّد منذ أشهر. حركة لا يبدو، إلى الآن، أنها ستؤدي إلى إحداث اختراقات سريعة، في ظل استمرار التصعيد الميداني وغياب أي مؤشر جدي إلى إمكانية العودة، قريباً، إلى طاولة المفاوضات. وفي وقت كان فيه المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيث، يدشّن تحركاته على خط الأزمة، كانت بلاده تسجّل أول نكث لوعودها بالعمل على إعادة فتح الموانئ، بطرحها أمام مجلس الأمن بياناً «إنسانياً» تجنّب أي دعوة من هذا النوع، إلا أنه سرعان ما حظي بإجماع أعضاء المجلس.
وأصدر مجلس الأمن، أمس، بياناً، كانت صاغته بريطانيا بعد أسابيع من المفاوضات مع السعودية، أعرب فيه عن «بالغ قلقه حيال التدهور المستمر للوضع الإنساني في اليمن، والتأثير المدمر للنزاع على المدنيين». ولم يشر البيان إلى الضربات الجوية لـ«التحالف» لدى حديثه عن «اعتداءات تطال بدون تمييز مناطق مأهولة بكثافة، حيث تسببت بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين وأضرار في المرافق المدنية»، إلا أنه دان بما سمّاها «أشدّ العبارات الممكنة» إطلاق الصواريخ الباليستية، من قبل «أنصار الله»، على الأراضي السعودية. ودعا المجلس الأطراف كافة إلى «حماية المدارس والمرافق الطبية والموظفين»، حاضّاً على تنفيذ «حظر الأسلحة بشكل كامل كما جاء في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة». ويأتي إصدار هذا البيان بعدما كان تعهّد وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، خلال زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة إلى المملكة، ببذل جهود لفتح الموانئ اليمنية أمام المساعدات الإنسانية والواردات التجارية.
تعهّد لا يظهر أنه سيلقى، ومعه الالتزام بالعمل على بلورة الحل السياسي، ترجمة سريعة على أرض الواقع، على الرغم من بدء المبعوث الأممي الجديد مهامه خلفاً لإسماعيل ولد الشيخ أحمد. وفي أولى لقاءاته مع مسؤولين يمنيين، اجتمع غريفيث، أول من أمس، في نيويورك، بمندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، خالد اليماني، على أن يصل خلال الأيام القليلة المقبلة إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث من المتوقع أن يلتقي الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي.
وبالتوازي مع تدشين غريفيث تحركاته، بدأ فريق الخبراء الأممي المُشكّل للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، الإثنين، لقاءاته من مدينة عدن (جنوباً)، حيث اجتمع، أمس، بنائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» (الموالي للإمارات)، هاني بن بريك، قبل أن ينتقل إلى العاصمة صنعاء، التي من المقرّر أن يمضي فيها 3 أيام. وقال رئيس الفريق، محمد كمال الجندوبي، خلال مؤتمر صحافي، إن «الفريق المستقل عن كل الأطراف سيحقق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن منذ العام 2015 حتى اليوم»، مشدداً على «ضرورة الاستماع إلى كل الشهادات حول ما تم من انتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن». وحدّد الجندوبي مدّة زيارة الفريق إلى العاصمة بـ3 أيام، إلا أنه أكد أن عمله «سيستمر لشهور من أجل تقصي الحقائق ومشاهدتها عن كثب، ومعالجة أهم القضايا والمشاكل المطروحة أمامنا، والتي تؤثر على الوضع اليمني».
ورحّبت وزارة الخارجية في حكومة «الإنقاذ» بزيارة الفريق، معربةً عن تطلعها إلى «قيامه بدوره بشكل مهني ومستقل ومحايد، بما يحقق الأهداف المرجوة من تشكيله». ونقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن مصدر مسؤول في الوزارة قوله إن «حكومة الإنقاذ، وبالرغم من تمسكها بتشكيل لجنة تحقيق دولية، إلا أنها ترحب بأي جهد دولي مستقل ومحايد، يهدف إلى فضح الانتهاكات والجرائم المرتكبة من قبل قوى العدوان»، مؤكداً «استعداد الجهات المعنية في صنعاء لتقديم كافة التسهيلات لفريق الخبراء، بما يمكّنه من أداء مهامه».
ومع انبعاث النشاط الأممي على خط الأزمة اليمنية، تتجددّ التسريبات حول مفاوضات بين «أنصار الله» والسعودية، في ما ترى فيه الحركة محاولة لـ«ابتزازها»، وتظهيرها في حال عدم استجابتها لدعوات تفاوض «غير ملائمة» على أنها الطرف المعطّل. ونقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن دبلوماسيَين يمنيَين قولهما إن المتحدث باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، أجرى مشاورات مباشرة مع مسؤولين سعوديين في سلطنة عمان. كما نقلت عنهما أن المشاورات انعقدت بغياب ممثل عن حكومة هادي، وأن ثمة «رغبة» لدى «أنصار الله» و«التحالف» في التوصل إلى اتفاق شامل.
وأوضح المسؤولان أن الاتفاق سيبدأ بهدنة لوقف القتال، على أن يتم لاحقاً توقيع اتفاق سلام يأخذ بعين الاعتبار المصالح السياسية للأطراف. وأشار الدبلوماسيان إلى أن هذه المشاورات تجري منذ قرابة شهرين، وبيّنا أنها تستهدف صياغة إطار عمل للتوصل إلى حلّ، مستدرِكَين بأنه لم يتضح إلى الآن حجم التقدم الذي تمّ إحرازه في هذا المجال.
وجاء تصريح هذين المسؤولين بعدما تحدثت وسائل إعلام محلية عن مفاوضات سرية بين «أنصار الله» والسعودية، قائلة إن عبد السلام انتقل من مقرّ إقامته في مسقط إلى المملكة. وإذ نفت مصادر في «أنصار الله» لـ«الأخبار» صحة تلك المعلومات، علّق عليها رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، صالح الصماد، بالقول إن «هناك من يقول إن محمد عبد السلام في السعودية، يريدون ابتزازنا، ونحن نعرف أن السعودية ليست مستعدة للسلام، وأن قرارها ليس بيدها، وإلا كنا جلسنا على طاولة، ونتفاوض تفاوض الشجعان»، مؤكداً، خلال حفل عسكري، «(أننا) لن نساوم على كرامة الشعب اليمني وتضحياته إطلاقاً، فما نراه يحفظ للناس كرامتهم وتضحياتهم سنمضي فيه، وإذا أرادوا إذلال الشعب اليمني… سنقول لهم لا».
( الأخبار )