المشهد اليمني الأول/ العربي
يترقب الشعب اليمني نهاية الحرب التي طال أمدها ولم يحصد منها سوى الويلات والمآسي ومكابدة الحياة بالعيش على حافة المجاعة. لكنها أيضاً موسماً لتجَّار الأزمات الذين يراكمون أموالهم من أقوات الشعب ومقدراته ويتكسبون من معاناته.
تتجدد بين الحين والآخر أزمة الغاز المنزلي خصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الانقاذ في صنعاء إذ أنه منذ 3 أسابيع وحتى اليوم لا يزال المواطنون ينتظمون ليل نهار في طوابير طويلة لشراء الغاز، وفي هذا الإطار سقط خلال الأيام الماضية 7 قتلى وعدد من الجرحى المدنيين في صنعاء خلال اشتباكات بينهم على «اسطوانة الغاز».
تسببت الأزمة بإثارة سخط المواطنين من حكومة «الإنقاذ»، وهما تخوضان صراعاً مع تجار الغاز لإلزامهم ببيع إسطوانة الغاز المنزلي «20 كيلوجرام»، السعة المأمونة والمقرة من هيئة المقاييس، بـ3 الاف ريال يمني.
رضخ عدد من التجار للبيع بهذا السعر فيما لا يزال الغالبية يتحايلون، فيركنون الشاحنات المحملة بالغاز في أحواش تابعة لهم ليبيعوا الإسطوانة في السوق السوداء بمبلغ يتجاوز الـ10 الاف ريال، ويحملوا «أنصار الله» مسؤولية الأزمة. التاجر حمود المفزر الذي استدعته نيابة الأموال العامة بصنعاء الأسبوع الماضي، وعقب التحقيق معه، سرب لناشطين في وسائل التواصل الإجتماعي استعداده لـ«بيع اسطوانة الغاز المنزلي للمواطن ب 1500 ريال، ولوسائل النقل ب 2500 ريال في حال رفع نقاط الجباية التابعة لأنصار الله من طريق مأرب-صنعاء، التي تتحصل عن كل مقطورة غاز ما يقارب 2 مليون ريال».
حديث المفزر صار على لسان معظم المواطنين، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن حمود المفزر يتربع على رأس مجموعة احتكرت توزيع الغاز المنزلي مع التاجر توفيق عبدالرحيم، في كل اليمن طوال عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وبالشراكة معه ومع أفراد من أسرته .
مقطورات الشركة اليمنية
مع بدء الحرب التي يقودها «التحالف» في اليمن، استحوذت مأرب على النفط والغاز المستخرج من أراضيها، وألغت شركة «صافر» احتكار المفزر وتوفيق عبدالرحيم لتوزيع الغاز المنزلي عبر الشركة اليمنية التابعة للدولة. بعدها فتحت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي استيراد مقطورات الغاز من تركيا، فكان النصيب الأكبر منها للواء علي محسن الأحمر والشيخ حميد الأحمر، وضمَّت «مجموعة المفزر» وعدد من المقربين من صالح، عشرات المقطورات المملوكة للشركة اليمنية، الى ملكيتها بعقود إيجار لم يعد للخزينة العامة منها أي مبلغ.
«مجموعة المفزر»
بحسب وثائق قدمها محامون للنائب العام بصنعاء وحصل عليها «العربي»، فإن «مجموعة المفزر» تمتلك 853 مقطورة غاز موزعة لأفرادها كالتالي: «حمود صالح المفزر 169 مقطورة، مطيع يحيى المفزر 214 مقطورة، يحيى علي المفزر 37 مقطورة، محمد علي المفزر 120 مقطورة، عجيب يحي المفزر 93 مقطورة، طارق يحي المفزر 78 مقطورة، عبدالله صالح المفزر 65 مقطورة، عمر صالح المفزر 77 مقطورة».
هذا الأسطول ثمرة احتكار المجموعة توزيع الغاز في المحافظات الشمالية، وثمرة علاقة مصاهرة أسرة المفزر للواء محمد صالح الأحمر، القائد السابق للقوات الجوية والدفاع الجوي، وشراكة المجموعة مع اللواء علي محسن الأحمر.
على مدى السنوات الثلاث يتم تعبئة مقطورة الغاز من مأرب بـ 2 مليون و500 الف ريال، وتباع في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة «أنصارالله» بمبلغ لا يقل عن 12 مليون ريال، وفي كل أزمة غاز منزلي يتجاوز بيع حمولة المقطورة 18 مليون ريال. يلقي حمود المفزر بالمسؤولية على نقاط التفتيش في خط مأرب – صنعاء، ويقول إنها تتحصل عن كل مقطورة مبلغ يصل إلى 2 مليون ريال، وبإضافة هذا المبلغ الى كلفة تعبئة المقطورة، يصبح المجموع 4 مليون و 500 الف ريال، فيما يعود أكثر من 7 مليون ريال للمفزر وبقية تجار الغاز من بيع حمولة كل مقطورة.
علي محسن الأحمر
في المرتبة الثانية لـ«مجموعة المفزر» تحل «مجموعة ابوناب» لمحمد ناجي أبوناب وصالح محمد عايض وهي تملك 668 مقطورة.
ولتسهيل عمل المجموعتين، افتتح حمود المفزر ومحمد ابوناب مكتبين في محافظة مأرب، وقال مصدر في شركة «صافر» لـ«العربي»، إن «المفزر وابوناب دخلا في شراكة مع اللواء علي محسن الأحمر، والذي استحوذ على 145مقطورة من الشركة اليمنية للغاز وألحقها في المجموعتين، ووجَّه شركة صافر بتسهيل تعبئتها من دون انتظار»، ويضيف المصدر أن «المفزر يقوم بتشغيل 33 مقطورة لمدير دائرة التنسيق بالشركة اليمنية للغاز سلطان ناجي، ومدير دائرة الغاز بشركة صافر سعود ذكران».
مقطورات حميد الأحمر
بحسب الوثائق فإن «عبدالله دبية يقوم بتشغيل 444 مقطورة تابعة لشركة الجزيرة». هذه الشركة معروفة في الوسط التجاري بأنها للشيخ حميد الأحمر، وفي العام 2014م قام بتسليم مقطوراتها وممتلكاتها لوالد عبدالله دبية الشيخ عبدالمحسن دبية، وكذا لتجار غاز وردت أسماءهم في الوثائق وهم: «محمد صالح الوادي 90 مقطورة، عبدالله مقبل الأخرم 40 مقطورة، صادق أحمد الشيبري 56 مقطورة».
مقربون من التاجر دبية أكدوا التزام الأخير بتحويل نصيب حميد الأحمر من تجارة الغاز الى رصيده، فيما الأخرم، الذي يدير 40 مقطورة لحميد، هو شريك شقيقه هاشم في الفنادق والمطاعم وكل المشاريع التجارية في منفذ الوديعة.
لا يتوقف النفوذ العميق لآل الأحمر عند هذا الحد، فقد حصل «العربي» على وثائق تكشف استحواذ مجموعة من المقربين من الرئيس السابق علي عبدالله صالح على 44 مقطورة غاز تابعة لـ«المؤسسة الإقتصادية العامة» بعقود تأجير تمت في العام 2015م، ومن بين هؤلاء حمير مبخوت المشرقي صهر صلاح نجل صالح، والذي كان نصيبه 7 مقطورات، وعبدالله ومحمد دبية 10 مقطورات. وقالت مصادر موثوقة لـ«العربي»، إن المقطورات تتبع الشيخ علي حميد جليدان، ومنحت له بتوجيه من صالح تحت مسمى استئجار، كما حصل جليدان على 10 مقطورات أخرى من «المؤسسة الإقتصادية» بعقد تأجير لـ«الشركة اليمنية للغاز»، ويتولى تشغيلها صهره نبيل الوادعي .
تفسر هذه الشبكة لوكلاء آل الأحمر في قطاع الغاز فقط، جانباً من هوسهم بالعودة الى السلطة وإدارة الأزمات من وراء ستار. لم تتمكن «أنصارالله» من مكاشفة الشعب بهذه الحقائق خوفاً من لجوء التجار الى وقف تزويد المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة بالغاز، في وقت لا تمتلك الحركة البدائل لنقله من مأرب بعد استيلاء آل الأحمر على مقطورات وناقلات «الشركة اليمنية للغاز»، وكذا «المؤسسة الإقتصادية»، وتوزيعها على هؤلاء التجار وغيرهم.
لذا وبحسب مصادر موثوقة لـ«العربي»، تعمل «أنصارالله وعبر الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة على استرجاع المقطورات التي تعود ملكيتها لـالمؤسسة الإقتصادية والشركة اليمنية للغاز، وخلال الأسبوعين الماضيين احتجزت الحركة عدداً من التجار بينهم طارق حمود المفزر لتسليم المقطورات المملوكة للدولة وإلغاء عقود الإستجار لها».