المشهد اليمني الأول/ إبراهيم الوادعي -المسيرة نت
جلسة عاصفة وغير اعتيادية لمجلس الأمن وقف أمامها العالم مشدوها والقوى الكبرى النووية تتبادل التهم وبألفاظ خرجت عن سياق الدبلوماسية، وخيل لمن يتابع مشهد جلسة مجلس الأمن بالأمس أن الحرب النووية أو العالمية الثالثة باتت على بعد خطوات منا.
والسؤال.. هل قضية سكريبال رجل الاستخبارات الروسي السابق تستحق أن تجر العالم إلى صدام بين الدول الكبرى سيجر بالطبع حربا نووي لا يمكن التكهن بمنتهاها وعند أي منطقة سيتوقف.
الجواب: بالطبع لا..
قضية تسميم العميل المزدوج للاستخبارات الروسية والبريطانية، والإجراءات البريطانية المفاجئة بطرد الدبلوماسيين في حين لم ينته التحقيق بعد في القضية أو يثبت اتهام لندن لموسكو يفضح بوجود دوافع أخرى للتصعيد الذي شوهدت تجلياته بالأمس ووصل طاولة مجلس الأمن.
كما أن العلاقة بين الدول الكبرى وفي العلاقة الروسية مع الغرب منذ عهد الاتحاد السوفيتي جرى التغاضي عن أمور أكبر من قضية تسميم عميل انكشف وانتهت خدماته.
بالعودة قليلا إلى الوراء والانتقال إلى منطقة الشرق الأوسط حيث طريق التجارة الدولية الرئيسي، ومنابع الطاقة، فإن الخلاف الروسي الغربي هو أكثر وضوحا، كما تبدوا أسباب ومبررات بدء حرب بين تلك القوى مقنعة.
انعقدت جلسة مجلس الأمن بالأمس على إيقاع صوت الرصاص وجنازير الدبابات الروسية في معركة الغوطة الشرقية، والتي حقق فيها الجيش السوري وحلفائه بدعم استشاري روسي تقدما مهما وسريعا وضع المسلحين هناك بين فكي كماشه، وخيارات أفضلها القبول بصفقة والرحيل إلى ادلب شمال شرق سوريا، وهو ما يعني حكما أن العاصمة السورية دمشق ونظام الرئيس بشار الأسد قد تخلص من أخطر تهديد وربما أخر تهديد لوجوده والورقة الأخيرة التي كانت في يد الولايات المتحدة وحلفائها ويمكن اللعب بها ولو على طاولة التفاوض.
الكباش الروسي الغربي في سوريا وصل ذروته في الأشهر الأخيرة، والتفاهمات التي كانت قائمة لمنع الصدام على غرار الاتفاقية الجوية وتجنيب دمشق القصف لم تعد قائمة، روسيا حذرت واشنطن بالأمس من مغبة الاقدام على قصف دمشق والمراكز الحكومية وتعهدت بالرد على مصادر إطلاق الصواريخ.
خلال الأشهر الأخيرة تبادل الطرفان الضرب من تحت الحزام وفوقه، فقتلت القوات الأمريكية جنودا روس شرق سوريا، وأمن البنتاغون التقنيات اللوجستية لقصف قاعدة حيميم الروسية بطائرات دون طيار من قبل مجموعات مسلحة مرتبطة بها، وتمثلت أكثر تلك الخطوات خطورة وجراءة بإسقاط طائرة سوخوي روسية ومقتل الطيار الروسي، ليرد حلفاء روسيا بعدها بوقت قليل بإسقاط طائرة اف 16 صهيونية، واسقاط مفاعيل التفاهمات التي ظلت سارية منذ وقف إطلاق النار عقب حرب 1973م.
هذا المشهد لا يمكن فصله عن مشهد ما جرى بجلسة مجلس الأمن بالأمس، بل هو الأكثر توضيحا لما لم يقله مندوبو بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين.
اسقاط الطائرة الروسية في فبراير الماضي ، دق جرس الإنذار في موسكو بأن الولايات المتحدة وحلفائها يذهبون بعيدا في تجاوز خطوط التفاهمات القائمة في سوريا حيث غدا الصراع دوليا بامتياز باستثناء أن يكون صداما مباشرا تجنبا لحرب نووية ، وهو كان الدافع لخطاب بوتين الشهير أمام الجمعية الفيدرالية الروسية وإعلانه أن روسيا سترد فورا على أي هجوم نووي حتى وإن كان على حلفائها ، إعلان روسي مفصلي بأن العالم يغادر زمن القطب الواحد ، مُهِرَ بالكشف عن جيل جديد من الأسلحة النووية والتكتيكية غير محدودة المدى، ومستند إلى حليف قوي اقتصاديا وعسكريا كالصين، الصين التي افتتحت أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها وسيعلو صوتها عما قريب كما الصوت الروسي ، بالإضافة إلى حلفاء لهم باع طويل وخبرة كبيرة في إدارة ملفات الحرب والخلاف على مستوى الشرق الأوسط والعالم ولدى جميعهم الرغبة في إنهاء دور واشنطن التسلطي .
لا يستبعد أن يكون الميدان المقبل باب المندب والبحر الأحمر حيث طريق التجارة الدولية الحيوي والممر الهام لمنابع النفط والطاقة، وعلى اعتاب العام الرابع تدور المعركة الطاحنة لإخضاع اليمن وإعادته للحضن الأمريكي، ويسطر فيها اليمنيون ملاحما أسطورية منذ 3 سنوات، أسقطت خلالها هيبة السلاح الغربي واذل حلفاء واشنطن المترنحين في التقارب مع الدب الروسي ويخسون في الوقت عينه غضب الفيل الأمريكي، والذي هدد فعلا بفرض عقوبات على الدول التي تستورد السلاح الروسي بعد توقيع السعودية ودول خليجية صفقات لشراء السلاح الروسي على راسها اس 400.
في الثامن والعشرين من فبراير المنصرم منعت روسيا قرارا أمميا بإدانة إيران فيما خص التهم الغربية لها بإمداد أنصار الله في اليمن بالأسلحة والذي روجت له واشنطن بطريقة اقتربت من الفكاهية، ولربما كان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
تخشى واشنطن من سيناريو مشابه لسوريا تلعبه روسيا في مجلس الأمن، وفقدانها لحلفائها جراء الوضع القائم وغير المستقر لصالحها ويشكل ذلك الأمر قلقا كبيرا قد يدفعها للتجاوب مع الرغبات ” الاسرائيلية” والسعودية نحو مواجهة مباشرة مع روسيا وحلفائها – وتقول روسيا بأن مسعى غربي قائم الآن لإخراجها من مجلس الامن..
هل نحن على اعتاب مواجهة مباشرة، ستكون منطقة الشرق الأوسط مطلقة شرارتها الأولى..
ما يمكن الإجابة أن الأسلحة النووية لن تظل قابعة في مخابئها، إذا ما وقعت المواجهة المباشرة وغاب صوت العقل
وما تبقى.. فلن تتأخر الأيام في الإجابة عنه؟! ..