المشهد اليمني الأول/
رغم كل الأموال التي أنفقها ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان لتلميع صورته في لندن والقيام بحملات دعائية للترحيب فيه, إلا أنها لم تمنحه الراحة ولا الأمان وهو يتنقل متخفياً عن أعين الناشطين, معتمداً على الأبواب الخلفية كملاذ آمن له عند الدخول والخروج, ناهيك عن اختتام زيارته ببيان مشترك وليس بمؤتمر صحفي كما جرت العادة, تفادياً للأسئلة المحرجة من الإعلام البريطاني، ولكيلا يختتم زيارته بتلقي الرشقات بالبيض أو بالأحذية.
ورغم كل الاحتجاجات والمطالبات بوقف تزويد النظام السعودي بالأسلحة والضغط عليه لوقف العدوان على اليمن, إلا أن الحكومة البريطانية «أعطت أذنها الطرشة» للأصوات المنددة, ووقّعت مع النظام السعودي اتفاقات تجارية تزيد قيمتها على ملياري دولار، إلى جانب صفقات أسلحة شملت 48 طائرة «تايفون» متعددة المهام تصل قيمتها إلى 14 مليار دولار, لتثبت الحكومة البريطانية مرة أخرى أنها شريكة في العدوان على اليمن, وأن تجارة الأسلحة ومصالحها الاقتصادية تفوق بأهميتها، ليس فقط حقوق الإنسان والقانون الدولي، بل أيضاً أمن الشعب البريطاني، وذلك بتجاهلها التقارير التي تؤكد ارتكاب النظام السعودي لجرائم حرب باليمن ودعمه التطرف في الغرب.
مصالح كثيرة تدفع لندن لمغازلة السعودية والإمعان في عقد المزيد من الصفقات التسليحية، فإلى جانب تشغيل مصانع الأسلحة في بريطانيا وما تجنيه من المليارات لتجار السلاح وتوفره من وظائف للتخفيف عن الحكومة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. هناك أهداف سياسية تسعى إليها الحكومة البريطانية, وأبرزها إضعاف الشعوب العربية وبث الحروب في المنطقة لإنضاج «صفقة القرن» التي يخطط لها دونالد ترامب مع أنظمة الخليج بهدف تصفية القضية الفلسطينية
وأكبر دليل على ذلك ما جاء على لسان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون بقوله: «صفقة القرن من شأنها أن تعزز الأمن في الشرق الأوسط وتدعم الصناعة البريطانية». والأكيد أنه عندما تتحدث بريطانيا وأمريكا عن الأمن في الشرق الأوسط فلا يمكن للمتتبع لسير الأحداث أن يفهم إلا «أمن» الكيان الصهيوني, وإلا فعن أي أمن يتحدثون وطائراتهم تساعد طيران العدوان بقصف اليمن منذ ثلاث سنوات.
وكما لبريطانيا مصالح مع النظام السعودي فإن للأخير مصالحه أيضاً, فهو يطمع إلى أن تواصل الحكومة البريطانية تزويده بالسلاح اللازم لضمان استمرار العدوان على اليمن, وبقائه في صدارة الدول التي تقود سباق التسلح في المنطقة, كما يضمن في الوقت ذاته أن تقوم بريطانيا بتبييض صورته أمام المنظمات الحقوقية والإنسانية.
ومن باب رفع العتب ليس إلا, ناقش البيان البريطاني – السعودي المشترك أهمية التوصل إلى حل سياسي للأزمة باليمن على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج الحوار لمنافقي العدوان وقرار مجلس الأمن رقم 2216، مع أنه من المعلوم للجميع أن الوصول إلى حل سياسي على هذه الأسس يعني استمرار العدوان وإعطاء الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من الجرائم وإفلات المسؤولين عن العدوان من المحاكم الدولية.
وعليه فإن بريطانيا تدعم استمرار العدوان على اليمن بصورة غير مباشرة وذلك من خلال تزويد النظام السعودي بالسلاح بالتزامن مع الدعوة المبطنة إلى حل سياسي وإرسال المساعدات الإنسانية مع استمرار الحصار، في سياسة مفادها باختصار «ادفع لتلميع صورتك وأنت تواصل القتل».
بقلم/ صفاء إسماعيل