المشهد اليمني الأول| السعودية
خرج وزير الخارجية السعودي في تصريحاتٍ حول الحشد الشعبي والسياسة الداخلية للعراق، لقيت رفضاً من قبل العراقيين كافة، على الصعيدين الرسمي والشعبي.
في وقتٍ يعيش العراق حالةً من التبريك، لا سيما بعض إنتصاره في الفلوجة. فماذا في تصريحات المسؤول السعودي؟ وما هي دلالاتها؟
تصريحات الجُبير
دعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأربعاء إلى تفكيك الحشد الشعبي العراقي، والتي تقاتل إلى جانب الجيش العراقي ضد تنظيم داعش الإرهابي، متهماً إياها بتأجيج التوتر الطائفي بحسب قوله.
وقال الجبير خلال لقاء مع صحافيين في باريس، في ختام زيارة قام بها ولي ولي العهد محمد بن سلمان، بأن الحشد الشعبي طائفي وتقوده إيران.
مُشيراً الى أنه كانت هناك تجاوزات خلال معركة الفلوجة، وهو ما يجب أن يُعالج من خلال إيلاء الجيش العراقي فقط أمر إدارة وتنفيذ العمليات. كما كرر الجبير دعوته الى تشكيل حكومة عراقية تشمل جميع الفئات والمجموعات في البلاد.
شجبٌ ورفضٌ عراقي، للتصريحات
في رد على تصريحات الجبير، طالب رئيس كتلة بدر النيابية العراقية قاسم الأعرجي بتفكيك حكومة آل سعود، قبل التدخل بشؤون العراق الداخلية.
وقال الأعرجي، في حديث لموقع قناة “السومرية” أن على المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يقوما بتفكيك حكومة آل سعود، كونها أصبحت مصدراً للإرهاب الدولي. مُضيفاً أنه أصبح من الضروري جعل السعودية تحت الفصل السابع لتجفيف الإرهاب والتطرف الديني.
من جهةٍ أخرى، عبرت وزارة الخارجية العراقية عن رفضها وانزعاجها، مما وصفته بـ”التدخل المتكرر” من قبل السعودية في شؤون العراق الداخلية.
وأشارت عبر المتحدث الرسمي بإسمها “أحمد جمال”، يوم الخميس، أن الحكومة العراقية مكونة من كل فئات الشعب العراقي، داعياً بعض الدول إلى منع مواطنيها عملياً من اعتناق الفكر التكفيري المتطرف والإلتحاق بتنظيم داعش الإرهابي.
وفي سياق متصل، دعت الهيئة القيادية للتحالف الوطني لرفض تصريحات وزير الخارجية السعودي حول الحشد الشعبي، معتبرةً ذلك تدخلاً بشؤون العراق.
وثمَّنت الهيئة القياديَّة، الروح الوطنيَّة العالية والمسؤولة التي تحلى بها أبطال القوات المُسلحة. مستنكرةً الحملة الإعلاميَّة الظالمة التي تقودها الرياض، والتي حاولت النيل من هذا الإنتصار الوطنيِّ الذي خطه العراقيون.
إلى ذلك دعت هيئة الحشد الشعبي العراقي الأمم المتحدة إلى اتخاذ موقفٍ من تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي طالب بـ “تفكيك” الحشد.
وفي بيان نشر يوم الخميس، اعتبرت هيئة الحشد الشعبي أن تصريحات الجبير تجاوزت كل الحدود، ودعت الهيئة الأمم المتحدة للرد عليها باعتبار أن “الحشد أهم قوة عسكرية في العالم تقاتل داعش”. كما طلبت من الدبلوماسية العراقية اتخاذ موقف حازم من تكرار الإساءات السعودية للحشد الشعبي.
تحليل ودلالات: الجبير أفصح عما تُضمره الرياض بحق العراق
لا شك أن تحليل كلام الجبير، لا يجب أن يأخذ فقط أهمية لناحية المضمون الكلامي، بل لناحية النوايا التي بانت من خلال تصريحاته. وهو الأمر الذي سنكشفه في التالي. لكن أولاً، ما هي دلالات كلام الجبير؟
– تحاول السعودية الضغط لمنع مشاركة الحشد الشعبي في العمليات المُقررة لتحرير الموصل، وهو ما يتزامن مع التحضيرات العراقية الحالية لذلك.
فيما يطرح هذا الموضوع، العديد من الأسئلة، لا سيما بعد إعتراف جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، بأهمية دور الحشد فيما يخص مصلحة العراق والمنطقة.
– وهنا يبدو واضحاً أن السعودية تخاف من حجم الشعبية التي استطاع الدور الوطني للحشد الشعبي تحقيقها بين العراقيين. الأمر الذي أعطى الحشد، ليس فقط إعترافاً رسمياً، بل مشروعية شعبية. فيما يعني ذلك تمكين العراق من الخروج من التبعية السياسية لأمريكا وأدواتها، والتي تُشكل السعودية، طرفاً أساسياً فيها.
– لذلك، فإن تصريحات الجبير، تُعبِّر عن سخط الرياض، من النتائج التي حققها العراق، أولاً، لا سيما إنتصاره الأخير في الفلوجة. والأثر الذي تركه معنوياً على الشعب العراقي، والأطراف السياسية العراقية كافة.
وهنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه، يتعلق بأحقية الجبير ومن خلفه الرياض، في التدخل بشؤون دولةٍ عربية شقيقة. فيما تُعتبر تصريحاته مُستغربة، لما تتضمنُّه من السخط والحقد، بحق الشعب العراقي، خصوصاً في وقتٍ يُهنئ فيه العالم بأسره العراق حكومةً وشعباً على إنجازاتهم في مقارعة الإرهاب. وهنا لا بد من الإشارة للتالي:
– لا تستطيع السعودية ترسيخ نفسها كمرجعية لدول المنطقة. وهو ما عجزت عنه خلال الفترة الماضية. كما أن الرياض، لم تستطع حتى إقامة علاقات طيبة مع إيران، كطرفٍ متعاظم الدور في المنطقة والعالم.
بل إن سياسة الرياض القائمة على التفرُّد بالقرار، والتعاطي بحسب قانون التابع والمتبوع، جعلها تشن حرباً على اليمن، وتُساهم في إضعاف العراق لا سيما مؤسساته العسكرية، الى جانب أدوارها المُختلفة في المنطقة لا سيما في سوريا.
مما جعلها سبب إنعدام الأمن في المنطقة، بحسب ما أعترفت به الدول الغربية، وليس فقط محور المقاومة.
– على الصعيد الآخر، فإن الرياض ليست أهلاً للحديث عن الحريات والعيش المُشترك. وهو الأمر الذي لا يحتاج للكثير من الإستدلال.
بل إن مجرد النظر الى نمط الحكم الذي يعتمده آل سعود، وأتباعهم في المنطقة من الأنظمة الملكية الخليجية تحديداً، يُمكن رؤية حجم الفجوة بين الطبقة الحاكمة، والشعب المحكوم. الى جانب عدم إشراك المواطن، بسياسات الحكومة.
– ومن جهةٍ أخرى فإن كلام الجبير، وحديثه عن أن الحشد الشعبي يُساهم في تأجيج الفتنة، هو بحد ذاته تحريضٌ على الفتنة. بل إن الحشد الشعبي وبعيداً عن التحليل، هو اليوم بعيون جميع العراقيين حاجةً وطنية. فيما يمكن وبوضوح، رؤية مكانة السعودية المتراجعة في وجدان الأمة ككل، لا سيما بسبب سياساتها المذهبية ودعمها للإرهاب.
قد يكون الجبير قاصداً الكثير من خلال تصريحاته. لكن أهم ما يمكن الإستدلال عليه، هو حجم الشعور السعودي بالسخط نتيجة إنتصارات وإنجازات العراقيين.
وهو ما ينعكس من خلال دعوته التي يبدو أنها لم ولن تلقَ أي ترحيبٍ من قبل العراقيين كافة. ولعل الرياض مُحقة في إظهار حجم سخطها، بسبب فشلها في في إدارة ملفات المنطقة، لا سيما في اليمن وسوريا.
في وقتٍ يُحقِّق فيه العراقيون نجاحاتٍ أضحت الرياض بحاجة للتعلم منها. لنقول أن الجبير عبَّر في تصريحاته، عن رفضه لإنجازات العراق وإنتصاره على الإرهاب! فيما أنه لم يُفصح بكلامه، لكنه أبدى حجم السخط السعودي من خروج العراق من يد أمريكا وأعوانها.