المشهد اليمني الأول/
السلوك العدواني للإمارات والسعودية، بقيادة المحمدين (ابن زايد وابن سلمان)، واللذان يتمتعان بصفات استعلاء وغرور وأحلام شخصية متشابهة، هو من أهم الأسباب الرئيسية للتوتر في منطقة الخليج والمنطقة العربية، وحالة (التصهين) التي أسفرت عن وجهها الكالح مراراً وتكراراً. لكن المحمدين، رغم خضوع الأصغر (ابن سلمان)، للأكبر، الأكثر خبرة، والذي أصبح في مقام المستشار، وبالنظر الى سلوكهما العدواني، وشخصيتيهما المتقاربتين، سيقودانهما الى الصدام والمواجهة في مرحلة قادمة.
التحالف بين المحمدين في ملفات مصر وقطر وسوريا وقبلها اليمن وغيرها، سيصل الى نهايته، شاء المحمدان أم أبيا. فقد خرج من يدهما الملف العراقي بشكل كبير، رغم محاولة السعودية بالذات تأسيس وضع لها في العراق من خلال فتح قنصلية في البصرة، وإيجاد فتنة شيعية ـ شيعية، بعد ان فشلت المحاولات الأخرى، والأهم من أجل وضع العراق في مواجهة مع ايران.
وبالنسبة للملف السوري، فلم يتبقَ للمحمدين من أوراق كثيرة، ستطوى في المستقبل غير البعيد، ولن يتبقَ الا القليل للنفوذ التركي المتآكل هو الآخر، والمتعارض مع موقف محمد بن زايد بالذات، بالنظر الى مساهمته في الانقلاب على أردوغان.
في الملف القطري، وصل المحمدان الى طريق مسدود، لا يستطيعان معه التراجع، ولا يستطيعان معه التصعيد بالاجتياح العسكري كما خططا واتفقا مع صهر ترامب.
الطموحات التي جمعت المحمدين في عدوانهما على اليمن، في طريقها الى تفكيكهما، على وقع الفشل والهزائم العسكرية. وفي وقت الهزيمة عادة ما يكون الاختلاف والاتهامات المتبادلة. منذ البدء كانت لابن زايد طموحات واهداف مختلفة عن ابن سلمان في اليمن.
ابن زايد كان يريد السيطرة على ميناء عدن، او منعه من النهوض. ولهذا اهتم الاماراتيون بأن تسيطر قواتهم على الساحل الجنوبي الى حدود باب المندب، شاملة ميناء المخا. وهناك طموح توسعي اماراتي آخر لابن زايد، وهو السيطرة على سوقطرى وضمّها بحجة التأجير او أي حجة أخرى.
لهذا يمكن القول بأن أهداف الإمارات على الأرض قد تحققت بنسبة كبيرة. ولكن ثباتها يتطلّب شرطاً اساسياً: إما الانتصار في الحرب على السلطة اليمنية في صنعاء؛ أو تقسيم اليمن وإعلان الجنوب دولة مستقلة، ستديرها الامارات لاحقاً وتلعب بها، في تكرار للتجربة السعودية بالنسبة لليمن الشمالي.
بالنسبة للسعودية فإن أهدافها في اليمن أقل وضوحاً في عدوانها الغاشم، فهل كانت تريد استرداد نفوذ بالحرب، وقتل اليمنيين الأبرياء؟ وكيف يكون ذلك؟ انها بهذا العدوان الدموي ـ حتى في حال انتصارها المستحيل ـ تفرّط بما تبقى لها من نفوذ.
ترى هل كان هدف السعودية منع النفوذ الإيراني في اليمن، وهو نفوذ غير واضح المعالم والحدود، ومبالغ فيه بشكل اسطوري؟ وكيف يتحقق ذلك، وهي تدفع بالقوى اليمنية المسيطرة على الوضع، للبحث عن حلفاء جدد، يساعدونها في مواجهة الحرب السعودية الأمريكية الغربية على بلدهم.
الا يمكن القول مثلاً، بأن مواصلة العدوان على الشعب اليمني ستؤدي الى زيادة النفوذ الإيراني المغالى فيه؟ ألم تكن السعودية قد جرّبت هكذا طريق ففشلت في العراق، حين أرسلت انتحارييها ودواعشها واموالها لتخريب البعض فلم تحصل منه الا الخزي؟ اليس هو نفس الطريق الذي استخدمته الرياض في سوريا، (فخرجت من المولد بلا حمّص)؟ انتبه محمد بن زايد أن تحقيق نصر عسكري في اليمن أمرٌ مستحيل؛ وقد أبلغ دولاً عديدة ـ وفي مقدمها إيران ـ بأن بلاده تبحث عن حلّ للأزمة.
وقبل بضعة أشهر، كتب أنور قرقاش، الرجل الثاني في الخارجية الإماراتية، بأن بلاده ستسحب قواتها من اليمن، ما أثار ضجة سعودية، دفعت ابن زايد للتراجع، فاضطر قرقاش الى القول بأن هناك إساءة فهم لما كتب! ما هو الحل أمام أمريكا، وحليفيها المحمدين، مادام النصر العسكري على اليمن قد اصبح مستحيلاً، ومادام مخزون المراهنات قد اضمحلّ الى حدّ النهاية؟ ونقصد مراهنة المحمدين على انشقاق علي عبدالله صالح، ثم لجوئهما الى حزب الإصلاح، وتفعيل دوره العسكري، وقد اضطر المحمدان الى الجلوس مع قادة حزب الإصلاح اليمني الآتين من إسطنبول، ليخططوا كيف يمكن لسفينة العدوان الغارقة ان تنجح في معركتها الأخيرة ضد ما يسمونه بـ (العصابات الحوثية)! لا يوجد حلّ إلا قبول السلام، الذي يعني هزيمة للمشروع السعودي الاماراتي في اليمن، ونهاية الحرب.
هذا لم يقبله محمد بن سلمان، وكان يطالب بمُهَل أمريكية لانجاز نجاح عسكري، ولو محدود، يعدّل ميزان التفاوض في المستقبل. وإزاء الرفض السعودي، فإن الحل الأمريكي ـ الإماراتي هو: تقسيم اليمن، وإعادة الروح لدولة الجنوب، وبالتالي سينتج أمران: أحدهما، إيقاف الحرب، او فرضه على محمد بن سلمان، اذ لا يمكن القتال بقوات جنوبية تؤمن بالانفصال في أراضي الشمال، كما هو حادث الآن. الثاني، اشعال حرب أخرى بسبب الانفصال، بين الشمال والجنوب، وتحويل المعركة الى تدمير ذاتي يمني، تغذيه السعودية والإمارات، عن بعد، وليس بالحرب المباشرة كما هو الحال الآن.
هذا الحل الأمريكي، يرضي الإماراتي، الذي ركّز استثماره السياسي في أراضي اليمن الجنوبية، ولا يهمه كثيراً أمر الشمال.
لكن بالنسبة للسعودية ماذا يعني تحقق هذا الأمر (وهو لن يتحقق)، فلا هو كسب الشمال ولا الجنوب، ولا الاضطراب في دولة مجاورة مفيد للسعودية، ولا يحقق لها مكسباً ولا يعيد لها نفوذا، ولا حتى قيام دولة الجنوب مفيدا او يمثل تعويضاً عن خسارة الجزء الأكبر من الشعب اليمني في الشمال. وفوق هذا، فإنه لا يُلغي ما تزعمه السعودية من تمدد المشروع الإيراني في خاصرتها الجنوبية، بل قد يزيده.
هناك تحوّل مثير في اليمن له عنوانان: الأول، بدء الهجوم الشامل وربما الأخير لانجاح الحرب لصالح السعودية، ويشترك معها هذه المرة حزب التجمع للإصلاح الاخواني الذي يأمل بإسقاط تعز. والتحول الثاني الأهم الذي من المرجح ان يقلب موازين الحرب، هو سيطرة المجلس الانتقالي اليمني ـ المدعوم اماراتياً ـ على السلطة والأرض في عدن، وانهاء سلطة عبدربه هادي المدعوم سعودياً، وهو الحزب الذي يريد انفصال الجنوب.
هذا شق التحالف السعودي، وافقد الرياض مزاعم اعادتها للشرعية اليمنية او الحرب باسمها، ما دعا الكثيرين الى الخروج من اليمن وإيقاف الحرب. فقد تساءل رجل الاستخبارات السعودي، سعد بن عمر، عمّن يدعم ويغطي سياسياً ومالياً المجلس الانتقالي، في إشارة الى الامارات، وقال انها طعنة غدر كبيرة، وقال ان الصورة اتضحت في عدن، وعرف من يمسك بالقرار الأمني والسياسي، ويقصد الامارات.
ووجه بن عمر نقده لرئيس وزراء هادي، ابن دغر، بأنه لم يُحسن إدارة الجنوب. ونعى الوضع هكذا: (كل ما بنيناه طوال ثلاث سنوات، وآخرها دفع ملياري دولار يكاد ينهار في عدن. وسأل: من المسؤول عن الملفين السياسي والعسكري)، وأجاب: اخشى ان السياسي هو السبب.
وانثنى سعد بن عمر ليشتم عيدروس الزبيدي قائد المجلس الانتقالي الذي سيطر على الوضع، واصفاً إياه بأنه لئيم: وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيم تمرّداً. وكالعادة زعم سعد بن عمر بأن هناك فرصة لأن تركب قطر وايران.. الزبيدي، الذي هو ناقص أهلية سياسية، وهو قد خرّب عدن أمنياً، وطعن السعودية في الظهر، حسب قوله. وكان الجدل حول مدى الانشقاق بين الرياض وابوظبي، مثاراً حتى قبل سقوط عدن، وقد نفى أنور قرقاش ذلك، وقال: لا عزاء لمن يسعى للفتنة. وزاد الإعلامي سلمان الدوسري مؤيداً قرقاش زاعماً ان السياسة السعودية لا تختلف عن الاماراتية في الملف اليمني، وان هناك من يريد احداث شرخ بين البلدين ونشر الشائعات.
وحتى العسكري إبراهيم آل مرعي، زعم ان التحالف الاماراتي السعودي الوثيق والقوي، مستهدف، وأضاف: خابوا وخابت مساعيهم.
الإعلامي سليمان العقيلي، الذي يملأ الشاشات مدافعاً عن ولاة أمره، فُجعَ هو الآخر بأحداث اليمن! فقد شتم حليف الإمارات عيدروس الزبيدي وقال: (سوّد الله وجهه). واستغرب، بأن من تدعمهم الرياض معظمهم جنوبيون، فلم التمرد على السعودية؟ فالرئيس ورئيس الوزراء جنوبيان، وثلثا الوزراء من الجنوب، وما تسميه الرياض بالجيش الوطني اغلبه جنوبي. وتابع العقيلي واصفاً ما جرى في عدن مؤامرة، ستخلط الاوراق بل تقلبها رأسا على عقب، وتجعل المخاطر على الأمن السعودي اكثر من أي وقت مضى (يا أمان الخائفين!).
وأمل العقيلي ان تستعيد الرياض دورها في عدن (من الامارات طبعاً) وتقود الاحداث، والاّ فلتغادر اليمن. إزاء هذا، تساءل عثمان العمير ما اذا كان تقسيم اليمن هو الحل البديل لخسارة الحرب (فيسهل التعامل معها من الخارج)؟ وأضاف متمنياً: هل اصبح علي صالح آخر رئيس ليمن موحد؟. المتصهين أنور عشقي رأى ان البديل لخسارة السعودية الحرب، هو تقسيم اليمن من جديد تحت يافطة الفيدرالية.
واقترح حكومة في الشمال يرأسها ابن علي صالح، وأخرى في الجنوب بقيادة عيدروس الزبيدي، والدنبوع هادي فوق رأسهما رئيساً! ورأى جمال خاشقجي ـ خلاف عادته ـ تعجيل انهاء حرب اليمن الخاسرة، والانتقال الى حرب أخرى ضد السيسي.
واخيراً قالت الإعلامية ايمان الحمود: (حربٌ طاحنة لتعود الشرعية من بوابة صنعاء، والنتيجة خرجت من شبّاك عدن). في المجمل، استطاعت الرياض تجميد وضع الانقلاب على حليفها ابن دغر، دون ان تتمكن من فك حصاره في مربعه، ودون ان تكون له سلطة.
الجميع ينتظر امرين: نتائج معركة العقرب، التي أشعلت نحو ٢٦ جبهة قتالية، والتي لا يلوح في الأفق تحقيق منجز يعتدّ به منها حتى الآن.
والأمر الاخر، هو ترتيب أوضاع مفاوضات جديدة، بتعيين ممثل للأمم المتحدة بدلاً من ولد الشيخ، المتواطئ مع السعوديين والاماراتيين. فلعلّ في هذا إشارة، الى إمكانية تحريك المفاوضات من جديد، في حال فشل العملية العسكرية الأخيرة.
اذا حدث بعض ذلك، فإن من المرجح، القضاء على سلطة هادي وابن دغر المدعومين من السعودية نهائياً من الجنوب؛ وستتخلى الرياض عنهما، لصالح حرب أخرى يُراد اشعالها بين اليمنيين أنفسهم. وهذا كله، سيؤسس الى نهاية تحالف الشر بين المحمدين: ابن زايد، وابن سلمان.
(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
بقلم/ محمد قستي