المشهد اليمني الأول/
إذا كان في الحاضر نبأ، فالتاريخ يمنح الناظر إليه رؤية كاملة، وإذا كان التآمر السعودي ـ اليوم- على اليمن مبررًا ـ عند قنواتهم وإعلامييهم وأذيالهم- برغبة المملكة في تأمين حدودها، فالتآمر أمس على سوريا، وقبله على مصر-عبد الناصر، لا يمكن إدراكه إلا في إطار فهم الدور الوظيفي للكيان السعودي، شبيه الكيان الصهيوني ومكمله في بسط وتمكين سيطرة قوى النهب الدولي على المنطقة.
السعودية في بداية عهد جديد، لا يتقاطع مع ما سبقه إلا في العمالة، وهو ابن شرعي لمخططات السيطرة الدولية، يريد استمرار الأزمات في المنطقة العربية، وإن لم يجدها يختلقها، لأنه لا يريد فقدان مبررات وجوده، المرتبط أساسًا بالغرب.
حين رغب الرئيس اليمني المقتول علي عبد الله صالح في عقد صفقة مع قوى العدوان على بلاده، لوح بحزمة أوراق، تضمنت رسالة رسمية من فيصل بن عبد العزيز إلى الرئيس الأمريكي جونسون، ينسقان المواقف، لضرب حركة القومية العربية، التي كانت في قمة تألقها وقتذاك، بزعامة جمال عبد الناصر.
كان “صالح” يشير، لمن يريد الفهم- أن العدوان السعودي الحالي والمستمر على اليمن هو حلقة واحدة، ضمن حلقات خدمة آل سعود للأمريكيين، وأن المملكة التي قامت على بنادق الإنجليز، ثم ولت وجهها شطر الإمبراطورية الأمريكية الآخذة في الصعود، لا تتحرك إلا بالضوء الأخضر من واشنطن، وأنها أضعف من أن تتخذ قرار الانخراط في حرب، دون رضى أسيادها، وضامني وجودها واستمرارها.
صحيح أن “صالح” تم شراء صمته، ثم قتل، قبل أن يخرج ما في جعبته، من أسرار عقود التآمر السعودي على الدول والشعوب العربية، لكن الواضح لكل من أراد الفهم أن “ناب الثعبان” السعودي متداخل ومنخرط ومتقاطع مع كل هزيمة عربية، منذ إنشاء المملكة.
السعودية اليوم، وتحت الحكم الفعلي لمحمد بن سلمان، تسعى لترتيب أوراق الشرق الأوسط دفعة واحدة، في غياب قوى عربية تقليدية تعارض توجهاته، فسوريا مشغولة بنزيفها المستمر منذ سبع سنوات، والعراق خارج لتوه من أزمتين هددتا وجود الدولة ـ داعش والأكراد- ومصر تحت حكم السيسي لا تريد أكثر من بضعة مليارات من الريالات – سماها “الرز الخليجي”- لضمان استمرار الحكم المعاند لشعبه، وباقي الدول العربية سائرة في الفلك الأمريكي- الصهيوني تمامًا.
الواقع العربي في حال مزرية، فقوى العدوان في صعود مستمر، والشعوب تائهة تبحث عن مشروع، والأنظمة لا تريد أكثر من ضمان أمن الكرسي، والأمريكيون والصهاينة يدركون أين يسددون ضرباتهم المتتالية، لفرائس تنتظر الذبح بلا قدرة على الفعل، والمقاومة مشغولة بجبهتين أهم من أن يتركا بعد اقتراب إعلان النصر ـ العراق وسوريا- وجبهة مفتوحة في اليمن، تعاني ضربات الطيران، كما تئن من الصمت العربي المطبق.
والفشل السعودي الواقع في سوريا والعراق، المحتم في اليمن وإن تأخر، بقدر ما أعطى مؤشرات على صحوة عربية، وجدت في المقاومة فعلاً شرطياً للوجود والاستمرار في هذا العالم، يفتح الباب لتحديات أضخم، لن تنجح دولة عربية في عبورها بمفردها، فالتنسيق بين دمشق وبغداد الذي أذن بنهاية دور داعش هو أحد شروط عملية نهوض عربي، تدرك عدوها الحقيقي، وتعادي أدواته وكياناته.
أحمد فؤاد – كاتب مصري