المشهد اليمني الأول/
نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالا للكاتب الصحفي والمؤرخ البريطاني، مارك كورتيس، يتحدث فيه عن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المقررة إلى لندن خلال الشهر الجاري.
يقول الكاتب إنه عادة ما تهدف السياسات الحكومية إلى تعزيز المصلحة الوطنية، لكن تلك الزيارة من قبل ابن سلمان تسلط الضوء على شيء مختلف تماما وهو سعي الإدارة البريطانية للمضي قدما في توطيد علاقة تهدد مصلحة الجمهور البريطاني.
صحيح – يضيف الكاتب – أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي تقول إن الزيارة سوف “تطلق حقبة جديدة من العلاقات الثنائية” مع السعودية، لكن على الأرجح جدول أعمال هذه الزيارة سيعزز أربعة سياسات بريطانية مريبة ذات إشكالية.
يوضح الكاتب أن السياسة الأولى هي التعاون البريطاني السعودي بشأن اليمن، وهي حرب بريطانيا جزء منها تسببت في كارثة إنسانية تم تجويع وقتل فيها عشرات الآلاف من الناس.
وقال الدبلوماسي البريطاني جوناثان آلين أمام مجلس الأمن الدولي إن “النزاع في اليمن يخلق مساحات غير خاضعة للرقابة يمكن أن يعمل فيها الإرهابيون ويشكل تهديدات أمنية لدول المنطقة والشحن الدولي ويؤجج التوترات الإقليمية”.
ويؤكد الكاتب أن آلين للأسف على صواب، لكنه فشل في ذكر مساهمة حكومته في هذه العواقب. تواصل بريطانيا تقديم الأسلحة والتدريب والمشورة لحملة الهجوم السعودية ضد اليمن، والتي كانت مليئة بالهجمات على المدارس والمستشفيات وكلها موثقة حتى في تقارير الحكومة البريطانية.
لكن هذا لا يزال مخفيا وراء الخيال الرسمي الذي تعززه تغطية وسائل الإعلام الرئيسية المتسترة بشأن أن المملكة المتحدة ليست طرفا في هذه الحرب.
أما الجانب الثاني من تلك العلاقة الخاصة الذي لا يقل كارثية هو التغاضي البريطاني عن التمويل السعودي للتطرف. فمن خلال دعم بريطانيا الذي استمر لعقود من الزمن، أنفقت الرياض مليارات على نشر تفسيرها الراديكالي للإسلام في جميع أنحاء العالم. ويقدر خبراء الاستخبارات في الاتحاد الأوروبي أن من 15 إلى 20% من هذا التمويل السعودي وصل إلى تنظيم القاعدة.
في عام 2014، اعتمدت السعودية تنظيم داعش ضمن قائمة الجماعات الإرهابية وحذرت رعاياها من القتال في الخارج، لكن هذا لم يكن قبل أن تسكب مليارات الدولارات من الأسلحة إلى الجماعات السورية المسلحة التي تقاتل ضد الجمهورية العربية السورية.
وكان ذلك معروفا للمسؤولين البريطانيين والأمريكيين، حيث لعبت الحكومة البريطانية دورا حميما في الحرب السورية جنبا إلى جنب مع السعوديين. وكانت النتيجة كارثية بالنسبة للمدنيين السوريين وللمنطقة بشكل أوسع والعالم من حيث تمكين جيل جديد من الإرهابيين.
في هذا السياق – وفقا للكاتب – يتضح أن إدعاء تيريزا ماي أن الشراكة مع الرياض تجعل المملكة المتحدة “أكثر أمانا” هو أمر لا يمكن الدفاع عنه.
إيران حاجز أمام الهيمنة الغربية
يقول كورتيس إن الإشكالية السياسة الثانية المقرر تعزيزها في جدول أعمال زيارة ابن سلمان للندن هي حول إيران.
يشير كورتيس إلى أن تأطير السياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط حول دعم السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران يسهم في تفاقم خطورة الوضع في المنطقة، حيث تستمر الحكومة البريطانية في دعم تصور معروف أنه غير صحيح بأن إيران هي الراعي الإقليمي الرئيسي للإرهاب.
في الواقع، تعتبر إيران المستقلة، التي تدعم سوريا وحزب الله، عدوا لحلفاء السعودية الغربيين لأنها تشكل الحاجز الرئيسي أمام استكمال السيطرة الغربية على كامل المنطقة.
الأمر ذاته يذكرنا بسياسات خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما انحازت بريطانيا مع السعودية وأنظمة الخليج الأخرى التي تعرف نفسها بأنها “إسلامية”، لمواجهة وإسقاط الأنظمة القومية، خاصة في مصر وسوريا. وقد ترك زوال “القومية العربية” فراغا شغله “الجهاديون” في نهاية المطاف.
دعم بقاء آل سعود
الإشكالية السياسية الثالثة هي استمرار التزام المملكة المتحدة في المساعدة على إبقاء بيت آل سعود في السلطة. دربت لندن الحرس الوطني السعودي – الهيئة التي تحمي الأسرة الحاكمة وتوفر الأمن الداخلي – منذ أوائل الستينيات.
كل عامين، يدعي وزير بريطاني أن المملكة على وشك الانفتاح. تقول ماي الآن إن الأمير ابن سلمان قد شرع في برنامج رئيسي للإصلاحات المحلية، ورفع الحظر على قيادة المرأة والسماح للنساء بحضور الأحداث الرياضية الكبرى. ومع ذلك، وفقا لمنظمة العفو الدولية، حدث “تكثيف” للقمع في المملكة منذ أن أصبح ابن سلمان وليا للعهد.
لم يتغير كثيرا في التفكير الرسمي البريطاني منذ عام 1971، عندما كتب سفير بريطانيا في الرياض أن “استقرار السعودية ودول الخليج مترابطا” وأن التغيير “الراديكالي” في أحد منهم يمكن أن يسقط الأنظمة الموالية لبريطانيا في أماكن أخرى.
لذلك، تساعد لندن على إبقاء جميع الدكتاتوريين الخليجيين في السلطة من خلال توفير التدريب والمعدات اللازمة للأمن الداخلي، ودعم الهجمات السعودية لإنهاء أي حركة ديمقراطية في المنطقة، كما حدث في ثورة البحرين عام 2011، ودعم هيمنة الرياض على الجزيرة العربية، كما هو الحال الآن في اليمن.
الأسلحة والاستثمارات
هناك أرباح للشركات البريطانية من بيع المزيد من الأسلحة ومن الاستثمارات التجارية. شهد مصدرو الأسلحة البريطانيون إلى السعودية زيادة مبيعاتهم خمسة أضعاف منذ أن بدأت الحرب اليمنية في عام 2015. وضاعف السعوديون الإنفاق العسكري في الفترة من 2006 إلى 2015 ليصل إلى 87.2 مليار دولار.
كما أن هناك مصالح تجارية أوسع تحكم السياسات البريطانية، حيث تصل الاستثمارات السعودية في بريطانيا إلى 60 مليار جنيه إسترليني، في حين أن الشركات البريطانية، وهي ثاني أكبر مستثمر في المملكة، تنشط أرباحها في الرياض.
وتكمن جذور هذا الترابط منذ عام 1974، عندما سعت حكومة هارولد ويلسون إلى المشاركة في التوسع الاقتصادي الممول من البترودولارات السعودية، مما يقدم بريطانيا كمكان جذاب لاستثمار أموال النفط.
وفي عام 1975، زار الملك فهد لندن مرتين لتدشين “هذا العصر الجديد السعيد”، كما وصفه المسؤولون آنذاك. وعلى مدار أربعين عاما، تستمر هذه الاستراتيجية التي عمقتها الحكومات اللاحقة.
لكن بإعادة النظر في الأولويات بشكل جذري، سنجد أنه ينبغي على الحكومات البريطانية العمل من أجل المصلحة العامة الوطنية أكثر من الأرباح التجارية، حيث يتضح من التداعيات المؤلمة للتدخلات السعودية في المنطقة أن دور بريطانيا في تجهيز الجيش السعودي لا يعزز الاستقرار بقدر ما يعزز احتمالات المزيد من الصراع الإقليمي.
بقلم/ شیماء محمد