المشهد اليمني الأول/
لم تكد آمال اليمنيين تتجدد في الاستفادة من مواردهم بإلغاء مؤسسة موانئ عدن اتفاقية تأجير الميناء الاستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية، منذ أكثر من خمس سنوات، حتى عادت الإمارات لتتحكم بميناء عدن وموانئ يمنية أخرى بقوة عسكرية؛ جاءت تحت ذريعة “إعادة الشرعية” لليمن ضمن ما يسمى التحالف العربي.
اليمنيون يتحدثون عن سيطرة الإمارات على الموانئ التي تعتبر شريان الاقتصاد في بلادهم، في وقت يعانون من تردي الواقع الاقتصادي، وارتفاع مستوى البطالة والفقر؛ نتيجة الحرب التي يعيشونها.
وكانت الخطوات التي اتخذتها جيبوتي والصومال في إنهاء اتفاقيتي مينائي دوراليه وبربرة على التوالي؛ وراء بروز تساؤل الشارع اليمني عن إمكانية حذو حكومة هادي للأمر ذاته لإنقاذ الميناء الذي يشكل مثلثاً تجارياً مع الموانئ الأفريقية، وصاحب الأهمية الكبرى لموقعه من مضيق باب المندب.
المحلل السياسي ياسين التميمي يرى أن خيارات حكومة هادي محدودة للغاية، وأكثرها مغامرة هي الوقوف في وجه التحالف العربي عبر اتخاذ قرارات، من قبيل إنهاء النفوذ الإماراتي على المرافق الحيوية ومنها الموانئ.
وأشار التميمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين” إلى أن “الإمارات أنشأت قوات عسكرية خارج نفوذ السلطة الشرعية لحماية مخططاتها للهيمنة على جنوبي اليمن”.
واستدرك قائلاً: “لكن إن اتخذ الرئيس عبدربه منصور هادي قرارات من هذا النوع، فسوف يزيد مهمة الإمارات تعقيداً؛ خاصة إذا تصاعد الموقف على نحو ما رأيناه أواخر يناير الماضي”.
ولم تسلم الإمارات ميناء المخا (جنوب غربي البلاد) لحكومة هادي بعد استعادة السيطرة عليه ؛ بل حولته إلى ثكنة عسكرية، منهية أحلام المواطنين بمحافظة تعز في أن يكون الميناء متنفساً بحرياً للمحافظة التي تتعرض لحصار منذ سنوات.
واتهم وزير النقل اليمني (بحكومة هادي) صالح الجبواني، السلطات الإماراتية، في وقت سابق، بإنشاء جيوش قبلية في المحافظات المسيطر عليها، بعد منعه من وضع حجر أساس ميناء قنا في شبوة، جنوبي البلاد.
التميمي تابع حديثه قائلاً: “الحكومة في أمَسّ الحاجة إلى تشغيل الموانئ، واستئناف الصادرات النفطية والغازية للحصول على الموارد النقدية”. لكن ما يحول دون ذلك، بحسب قوله، هو “التحالف، والإمارات على وجه الخصوص”.
ويرى أنه “من السابق لأوانه الحديث عن منافسةٍ مع موانئ دبي، لكن بالحسابات طويلة الأمد يمتلك ميناء عدن وبقية الموانئ اليمنية ميزة تنافسية تخشاها الإمارات؛ ولهذا تسعى لإحكام نفوذها على السواحل اليمنية”.
ونشرت الإمارات قواتها في جنوبي اليمن، ودشنت عمليات عسكرية للسيطرة على مناطق تمتدّ من حضرموت شرقاً إلى الحديدة غرباً؛ ولم تسلمها للحكومة (هادي)، وهي مناطق تطل على البحر العربي والبحر الأحمر، وتملك موانئ استراتيجية على طول الشريط البحري.
وبسيطرة الإمارات على سلسلة من الموانئ في محافظات حضرموت وشبوة وعدن وتعز وتسخيرها لمصلحتها؛ يرى المتابعون أن ورقة الحكومة في مواجهة أبوظبي تبدو أقوى من موقف جيبوتي والصومال.
-تكلفة باهظة
وفي هذا الشأن يرى المحلل السياسي فيصل علي، أن إنهاء سلطة الإمارات على ميناء عدن والموانئ الأخرى لن يمثل أيّ خسارة لليمن؛ بل سيمثل مكسباً يمَكّن الحكومة (هادي) من التحكم بمواردها.
وقال علي لـ”الخليج أونلاين”: إن “طرد الحكومة اليمنية في عهد باسندوة (محمد باسندوة رئيس الوزراء 2011 – 2014) لموانئ دبي كلّف اليمن تكلفة باهظة؛ ولكن لا بد من الحفاظ على السيادة اليمنية في مواجهة شركة موانئ دبي الاستعمارية، التي تجند المرتزقة لخدمة أجندتها، وتستخدم الإرهاب الموجه لتحقيق أهدافها، كما هو الحال في عدن وحضرموت؛ حيث لا اغتيال ولا إخفاء قسري إلا وخلفه الإمارات”.
واعتبر فيصل علي أن عدن شهدت الكثير من الممارسات لمنع الشرعية (حكومة هادي) من الانتشار في المناطق اعيدت السيطرة عليها.
وقال: إن “مسلسل الإرهاب بدأ باغتيال محافظ عدن السابق اللواء جعفر محمد سعد، وطرد هادي من عدن، والانقلاب ضد الحكومة واستهداف مقرها في المعاشيق، وقبل كل ذلك طرد محافظ عدن الذي قاد عملية تحريرها نايف البكري، والضغط على الحكومة في عدم عودتها إلى عدن، واغتيالات الثوار والخطباء والمقاومين”.
وكان وزير النقل في حكومة باسندوة، واعد باذيب، تعرض لأكثر من محاولة اغتيال أبرزها في أغسطس 2012، وهو الشهر الذي أُلغيت فيه الاتفاقية مع موانئ دبي، بعد تحركات قادها باذيب من أجل إلزام موانئ دبي بتنفيذ ما جاء في الاتفاقية، قبل أن تتوصل الحكومة إلى قرار إلغائها.
المحلل السياسي فيصل علي أشار إلى “عدم وجود مشروع وطني قادر على استيعاب الفرص والموارد في البلد؛ إذ يتم هدرها منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم؛ لأن الدولة كانت وما زالت ضعيفة ومرتهنة في قرارها لقوى إقليمية ودولية”.
وبرغم انكشاف مطامع الإمارات في ثروات اليمن، ما تزال “الحكومة” (هادي) صامتة تجاه ذلك، حتى بعد كل الإجراءات التي اتخذتها الإمارات بحق الرئيس (المستقيل) هادي وحكومته.
لكن ملامح اتخاذ قرار ينتصر لليمن بدأت تتشكل مع تشكّل رأي عام يطالب بوقف تدخلات أبوظبي في الشأن اليمني، وصل حد إطلاق وسم “رحيل_الامارات_مطلبنا”.