المشهد اليمني الأول/
الفشل المتوالي للعسكرية السعودية منذ تأسيسها، تجلى في أوضح صورة في حرب اليمن التي شنتها المملكة منذ 3 سنوات كأول حرب تخوضها منذ معارك التأسيس قبل ما يربو على 80 عاماً؛ فعلى الرغم أن السعودية تعد الدولة رقم 1 في استيراد الأسلحة على مستوى العالم والثالثة في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة وروسيا، إلا أنها لم تنجح حتى كتابة هذه السطور في تحقيق الحد الأدنى من أهداف عدوانها على اليمن، سواء الأهداف المعلنة وأولها إعادة حكومة هادي منصور إلى صنعاء، أو الأهداف الحقيقية التي تتنوع بين إعادة الاعتبار للعسكرية السعودية كفاعل ومؤثر إقليمي يقاوم انكماش نفوذها حتى في مجلس التعاون الخليجي، أو تسجيل انتصار يثمن من دور وقيمة ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان كمؤسس ثان للمملكة، والذي استهل مسيرته منذ ثلاث سنوات نحو العرش بشن هذه الحرب كإثبات لمقدرته العملية على القيادة والتخطيط على الرغم من انعدام الخبرة وصغر السن.
واستمراراً لمسلسل التناقض والارتجال السعودي فيما يتعلق بسياساتها الخارجية في السنوات الأخيرة، والتي ارتبطت بصراعات الحكم والسيطرة داخل العائلة المالكة، فإن كثير من المراقبين رأوا التغير في مختلف المناصب والقطاعات الحيوية والإستراتيجية داخل السعودية بمثابة استمرار لهذه المنهجية، إلا أن الحلقة الأخيرة من مسلسل القرارات الملكية “الليلية” قبل أيام أتت لتنحصر في لملمة الإخفاق العسكري في اليمن؛ فعلى الرغم من تصدر المملكة وقيادتها للحرب، ولكن فعلياً لم تحقق انجاز ميداني على يد قواتها، بل تستعين بجنود وخبرات من مختلف الدول “الحليفة”، فيما تعاني من تراجع على مستوى تحقيق أي نجاح عسكري “سعودي” خالص يبني الثقة في الجيش السعودي ويكافئ الميزانية الكونية التي تُصرف على تسليحه، أي باختصار يرى هؤلاء المراقبين أن القرارات الأخيرة تأتي ضمن “خطط العلاج بالصدمة” التي ينتهجها بن سلمان لإعادة هيكلة قطاعات المملكة في شكل إصلاح كامل، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية السعودية –إن جاز التعبير- والتي تم تغيير قيادتها العليا بشكل كامل في الأيام القليلة الماضية.
في المقابل من هذه الرؤية، يرى البعض الأخر أن اليمن تمثل مقياس ومؤشر لحزمة “الإصلاحات” التي ينتهجها بن سلمان في مختلف المناحي الخارجية والداخلية، ليس فقط من زاوية أنها باكورة أعماله السيادية التي تصدر لها بعد توليته لأولى المناصب الحاكمة 2015–ولي ولي العهد ووزير الدفاع- ولكن كعنوان عريض يؤكد مقدرته على إنفاذ “إستراتيجياته” المستقبلية على كافة المستويات والمجالات وخاصة المتعلقة بتحالفه الوطيد مع إسرائيل، وأيضاً كضمانة ودليل على حسم الأمور داخل العائلة المالكة لصالحه، وخاصة أن منافسيه اتخذوا من إخفاقات اليمن المتتالية ذريعة للتشكيك في أهليته ومقدرته على قيادة السعودية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، واعتماده على عامل قوة مؤقت متمثل في الإدارة الأميركية الراهنة.
فقيام بن سلمان باعتقال العشرات من أسرته ورجال الأعمال في السعودية، بالإضافة لإجبار رئيس الوزراء اللبناني على الاستقالة بالطريقة التي شاهدنها منذ 3 أشهر، بالإضافة إلى مسارات الحرب في اليمن، وموافقة البيت الأبيض على هذه السياسات، عبر ضوء أخضر أرسله الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في تغريدات على تويتر تربط تمرير هذه الإجراءات بطرح بعض من أسهم عملاق النفط وأكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، “آرامكو”، في بورصة نيويورك حصراً، وليس في عدة بورصات عالمية في آسيا وأوربا كما اقترحت روشتة الإصلاح الاقتصادي التي وضعتها بيوت الخبرة الاقتصادية في بداية حكم الملك سلمان من حوالي ثلاث سنوات، يؤشر بقوة على طبيعة اللحظة السياسية الراهنة في الداخل والخارج السعودي، ومحددات القوة والتحرك فيما يخص مستقبل المملكة وارتباط ما يجري فيها على المستويين السابقين بواشنطن في مرحلة حكم ترامب.
في هذا السياق، يرى الكاتب البريطاني المتخصص في الشأن السعودي ومدير برامج الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، في تنبيه نشره المعهد قبل يومين، أن السعودية “منذ تدخلها في اليمن في عام 2015 لإعادة تنصيب الرئيس عبد ربه منصور هادي، لم تحقق نجاح في معركتها ضد الحوثيين. ففي حين استولت الوحدات العسكرية المختلطة بقيادة الإمارات على مدينة عدن الساحلية ومعظم الجنوب، تمكن الحوثيون من الاحتفاظ بشمال غرب اليمن الذي يضم حوالي ثلاثة أرباع السكان. والأسوأ من ذلك من وجهة نظر الرياض هو أن المملكة خسرت جزءاً من أراضيها للقوات الحوثية. فوفقاً للدبلوماسيين، يسيطر الحوثيون أساساً على حوالي 250كم مربع من الأراضي السعودية “.
وبخصوص التغيرات العسكرية الأخير يتابع هندرسون بالقول: “تريد واشنطن من السعوديين أن يسعوا إلى إيجاد حل دبلوماسي للحرب، من خلال إعادة فتحهم قناة اتصال خلفية عُمانية مع الحوثيين، ومن ثم تفريقهم عن رعاتهم الإيرانيين (الذين يبدون ممتنين من مدى تأثيرهم على الصراع بالحد الأدنى من المشاركة من جانبهم). ومن السابق لأوانه القول ما إذا كانت التغييرات الجديدة في صفوف المسئولين السعوديين ستعكس تحولاً في هذا الاتجاه أو عزماً على إحراز انتصار عسكري. والجدير بالذكر أنه تم إنها خدمة رئيس هيئة الأركان العامة إلى جانب قائد قوات الدفاع الجوي، اللذين شملت مسؤولياتهما حماية الرياض من الهجمات الصاروخية. وهو الأمر بالنسبة إلى قائد القوات البرية الذي “أعفي” من منصبه، وتم تعيين قائد جديد لقوة الصواريخ الاستراتيجية السعودية التي توجه حالياً صواريخها بعيدة المدى التي زودتها بها الصين نحو إيران”.
وفيما يتعلق بالسابق من حيث ارتباطه بالصراعات الداخلية في العائلة المالكة، يشير هندرسون إلى طبيعة اختيار الاشخاص في التغيرات الأخيرة بقوله: “من حيث التقاليد السعودية، لا ينتمي هؤلاء الضباط الكبار إلى العائلة الملكية، ويتم اختيارهم لأنه من غير المرجح أن يخططوا للقيام بانقلابات عسكرية. أما الاستثناء الملكي الوحيد فهو قائد القوات الجوية الجديد اللواء طيار ركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز آل سعود، الذي هو أيضاً أحد أقرباء ولي العهد. وقد تعرضت القوات الجوية لانتقادات واسعة لأنها ضربت أهدافاً مدنية في اليمن سواء عمداً أو بسبب إخفاقها في استخدام الذخائر الموجهة بدقة التي زودتها بها الولايات المتحدة وبريطانيا”.
وبشكل عام، فإن هذه المحددات السابقة تتمحور حول تركيز السلطة والثروة والحوكمة في يد ولي العهد السعودي والموالين له داخل الأسرة المالكة ورجال المال والإعلام السعوديين، وفي الخارج تتمحور حول تحدي الصراع مع إيران ومسارح هذا الصراع في المنطقة من اليمن- التي بدأ بن سلمان رحلته إلى العرش بشن حرب عليها لإثبات جدارته وضمن تلميعه وتقديمه للداخل والخارج على أنه المؤسس الثاني للمملكة- إلى لبنان مروراً بسوريا والعراق، وكذا استجابة الولايات المتحدة في عهد ترامب لما يجري من جانب الرياض على هاذين المستويين مقابل محددات مشابهة ورؤية ساكن البيت الأبيض الحالي أهما الاستفادة المادية المباشرة ممثلة في مئات المليارات من الدولارات تضخ للاقتصاد الأميركي لتسجل نجاحاً اقتصادياً في عهد ترامب، بخلاف تقاطع المصالح السياسية ومعادلة العلاقات بين الرياض وواشنطن وما جرى عليها من تغيرات في السنوات الأخيرة، وتطابق السابق مع كل إجراء جديد تشرع به المملكة في المنطقة وأخره ما حدث في الشهور الأخيرة في داخل المملكة، والذي ينعكس بشكل مباشر على سياساتها الخارجية وخاصة في اليمن، التي باتت مؤشر حتى للعلاقات بين الرياض وحلفائها وخاصة الإمارات.
بقلم/ اسلام ابو العز