المشهد اليمني الأول/
حاولت مجلة «فورين أفيرز» وضع خارطة طريق لإنهاء الصراع في اليمن، مشيرة إلى أن مهمة المبعوث الأممي الجديد الخاص باليمن، مارتن غريفيث، ليست مستحيلة، إلا أنها تبقى مشروطة باتباعه «نهجاً مغايراً، بصورة جذرية»، مع التحذير من مغبة السير في الخطة الأممية المقترحة التي وضعها سلفه إسماعيل ولد الشيخ، كونها ستفاقم الأوضاع سوءاً داخل البلاد.
ومع الإشارة إلى أن الديبلوماسي البريطاني سيتسلم مهامه مطلع الشهر الحالي، لاستئناف مسار المحادثات بين أفرقاء الصراع في اليمن، إثر فقدانه زخمه على مدى عام ونصف العام، لفتت المجلة الأمريكية إلى أن المسار المذكور، إستند من البداية إلى فرضيات «خاطئة»، و«قديمة الطراز»، من بينها عنصري «المبالغة في تقدير أهمية حكومة هادي»، و«إقصاء جماعات تقاتل الحوثيين، وتوفر خدمات أساسية، هي في العادة، ضمن المهام الموكلة بالحكومة»، علاوة على تجاهل عنصر «ضعف حافزية» أفرقاء الصراع للتوصل إلى اتفاق سلام، في ضوء تربحهم جراء انتعاش اقتصاد الحرب.
من هذا المنطلق شددت المجلة على أن إنهاء الحرب في اليمن، سوف يتطلب تفادي «تكرار أخطاء الماضي»، والدفع بـ«خطة تعكس على نحو أوثق الحقائق على الأرض»، مشيرة إلى أن أقصى ما كان سيفضي إليه نجاح جولة المحادثات اليمنية في الكويت، في العام 2016، هو انتهاء «الحرب الكبرى» بين حكومة هادي و«أنصار الله»، ونشوب «سلسلة من الحروب الصغرى المعقدة» بين الأفرقاء اليمنيين.
وفي محاولة للإضاءة على «الخارطة السياسية» المعقدة لحرب اليمن، أوضح تقرير المجلة، الذي أعده الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس»، أن الخطط الأممية المقترحة لحل الأزمة اليمنية حتى الآن، «تكاد، وعلى نحو متزايد، لا تتطابق مع معطيات تلك الخارطة»، حيث يتم التعامل مع هادي على أنه «الممثل الشرعي الوحيد للدولة»، من دون أن يكون هناك حكومة أو جيش فاعلين، يخضعان لسلطته، ما لا يجعله «نداً قوياً لمنافسيه الشماليين»، في إشارة إلى حركة «أنصار الله».
وفي سياق متصل بشروط الأفرقاء اليمنيين للقبول بالتسوية السياسية لإنهاء الصراع، ذهب سالسبوري إلى أن المقترحات الأممية على مدار العام 2016، تضمنت بنوداً تدعو إلى تنحي هادي أو تهميشه، ما دفع الأخير إلى رفضها، فيما تنص المقترحات الأممية اللاحقة لها على استسلام «الحوثيين»، وهو ما يعد مستبعداً بدوره. كذلك، شرح الكاتب أن الجماعات التي تشارك في الحملة العسكرية ضد «أنصار الله»، لن تبدي حماسة تذكر من أجل الموافقة على اتفاقات مقترحة لإنهاء الحرب، «تتجاهل وجودها»، بخاصة إذا ما ترتب عن تلك الاتفاقات «فقدانها لقدر وازن من السلطة والموارد»، في إشارة إلى الجماعات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.
وفي سياق الحديث عن دور اللاعبين الخارجيين في اليمن، وشروطهم للقبول بالتسوية السياسية للصراع هناك، تطرق سالسبوري إلى أدوار القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، والقوى الإقليمية، بخاصة المملكة العربية السعودية وإيران. ففي ما يخص دور المملكة العربية السعودية، أكد سالسبوري على أن «فهم الموقف (السعودي) يعد عنصراً ضرورياً» في هذا المجال، ملمحاً إلى أن أحد أوجه إخفاق المساعي الديبلوماسية لحل الأزمة تمثل في تركيز المبعوثين الأمميين على أن موقف الرياض، التي تستضيف هادي وفريقه الحكومي «مؤيد للسلام»، من دون أن يكون لديهم فكرة واضحة حول «الشروط التي سيسمح السعوديون وفقها، بالتوصل إلى اتفاق» لحل الأزمة اليمنية.
وبحسب الكاتب، فإن شروط المملكة العربية السعودية لوقف الحرب تتمثل في «إنهاء النفوذ الإيراني في اليمن»، و«إعلان الحوثيين افتراقهم عن طهران»، إلى جانب «تسليم أسلحتهم»، و«تقديم ضمانات (للرياض) في شأن أمن الحدود السعودية»، وكذلك «تحولهم إلى حزب سياسي»، في حين «لا يبدو واضحاً كيف سيتم التحقق من أن إيران أوقفت دعمها للحوثيين»، كما وأنه «من المستبعد أن يعمد الحوثيون إلى الاستسلام بكل بساطة، أو منح ثقتهم لأي كان، عبر الموافقة على بنود اتفاق» ينزع أسلحة الجماعة، في إشارة إلى المطالب التعجيزية التي يطرحها الجانب السعودي. من هذا المنطلق، دعا الكاتب إلى «إقناع السعوديين بوضع مجموعة من المطالب، تكون أكثر واقعية»، مستدركاً أن ذلك «لن يكون أمراً سهلاً»، لا سيما وأن الرواية السعودية لمجريات محادثات الكويت في العام 2016، تشير إلى أن استعداد الرياض للمضي في اتفاق سياسي يتيح لحركة «أنصار الله» الإحتفاظ بمستوى معين من تسليحها، إلى جانب ضمان مكانة سياسية لها، «تنكرت له» الأخيرة، وردت عليه من خلال إطلاق هجمات على الحدود اليمنية – السعودية.
أما إيران، فقد شرح سالسبوري كيف وفر انجرار غريمها الإقليمي نحو حرب «مدمرة» في اليمن، «عوائد مذهلة، نظير استثمار متواضع» لها، بحيث لم تضطر إلى حشد استثمارات بشرية ومالية كبيرة هناك، منتقداً بشكل ضمني «عدم إشراك إيران على طاولة المفاوضات».
كذلك، إنتقد سالسبوري «عدم إيلاء الإمارات العربية المتحدة اهتماماً كافياً» على صعيد الجهود الرامية إلى حل الأزمة اليمنية.
فالإماراتيون، ومن خلال مساندتهم لـ «المجلس الإنتقالي الجنوبي»، وحلفائه، «عملوا في الخفاء على بناء دولة في جنوب اليمن، داخل دولة (يمنية) فاشلة». وبالنظر إلى الموقف الإماراتي المناهض لتنظيم «الإخوان المسلمين»، والرافض لـ«الدور المتنامي لحزب الإصلاح في مأرب، ومناطق أخرى في شمال اليمن»، «فإنه من غير المنطقي، تصور أن الإماراتيين سيسيرون في اتفاق يحيّد حلفائهم الجنوبيين، ويحجز لحزب الإصلاح مكاناً على الطاولة».
هذا، وختم سالسبوري تقريره بالإشارة إلى جملة نصائح لغريفيث، من بينها العمل على «إشراك العديد من الجماعات الفاعلة على الأرض على طاولة المفاوضات» بشكل لا يعطيها حافزاً لإفشال الحلول المقترحة للصراع، وبصورة تعكس الصورة المعقدة القائمة في اليمن، من دون أن تزيدها تعقيداً. كذلك، دعا الكاتب إلى أن يكون الاتفاق العتيد بمثابة إشارة إلى كل من «أنصار الله» والرئيس هادي، إلى جانب السعوديين والإماراتيين، على أنهم «لا يستطيعون إملاء شروطهم، على نحو يتجاهل مطالب الجماعات المحلية الرئيسية، ومخاوفها المشروعة».
وفي الإطار عينه، رأى الكاتب أن المبعوث الأممي الجديد، معني بـ «نسج علاقات بناءة» مع قيادة «أنصار االله»، وهو الأمر الذي فشل فيه سلفه، إضافة إلى «التحدث بشكل مباشر إلى صناع القرار الفعليين في الرياض وأبوظبي»، وهما محمد بن سلمان ومحمد بن زايد على التوالي، فضلاً عن «الحصول على التكليف (اللازم) منهما بغرض التحدث بشكل صريح، ومباشر مع المسؤولين الإيرانيين»، ما قد يفضي إلى «إقناع الحوثيين بالحد من طموحاتهم وخفض سقف مطالبهم».
وبالحديث عن المرجعيات الأممية لحل الصراع في اليمن، أشار سالسبوري إلى أن المبعوث الأممي الجديد الخاص باليمن، «سوف يحتاج إلى معالجة (معضلة) القرار 2216»، الذي شكل عبئاً على سلفه، وقيده في عمله، داعياً الديبلوماسي البريطاني الوافد إلى الساحة اليمنية إلى «ممارسة الضغوط على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي»، وذلك إما بغرض «استصدار قرار أممي جديد»، أو أقله «الخروج ببيان» صادر عن المجلس، «يعطيه هامشاً أكبر للتفاوض»، و«يفرض المزيد من الضغوط على حكومة هادي والسعوديين على حد سواء، من أجل حثهم على أن يكونوا أكثر واقعية في مطالبهم ومراميهم».
فمن منظور الكاتب، فإن أي وصفة لـ«السلام المستدام» في اليمن، يجب أن تستند إلى «الواقع كما هو»، بما يعنيه ذلك من نهج معقد في إدارة العملية التفاوضية، يشمل «إشراك المزيد من الأفرقاء في محادثات السلام»، و«إدارة التوقعات في شأن ما قد تبدو عليه هيئة الاتفاق (العتيد)».