المشهد اليمني الأول/

يُحكى أنّ نيرون الإمبراطور الروماني الخامس أعدمَ والدته لتسلّم زمام السلطة، وقد عُرف عنه ذاته الماجنة غير المتّزنة وشدّة فساده في إدارة البلاد، نيرون الولي غير الشرعي للحكم تسمّر على عرش روما بالقوّة إذ أغرق البلاد بالفتن الحالكة وزادت وتيرة الإغتيالات السياسية في عهده إلى حدٍ غير مسبوق حيث باشر بإقصاء وقتل كافة المعارضين السياسيين، ونجى من جميع محاولات الإغتيال والإنقلابات التي أُحيكت له..

محمد بن سلمان هو الآخر نيرون هذا العصر، فحكاية نيرون تلخّص آلية وصول بن سلمان إلى الحكم الذي أحبط آمال عمه عبدالله بن عبد العزيز الحريص على الوحدة الشكليّة للعائلة بإنتقال نظام الحكم من الأبناء إلى الأحفاد.

تحت وصايةٍ أمريكيّة وبإشرافٍ مباشر من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير، وفقاً للمؤلف الأمريكي مايكل وولف في كتابه النار والغضب “هندسنا انقلاباً في السعودية ووضعنا رجُلنا في القمّة”، انقلب محمد بن سلمان “ملك السعودية المقبل”، على أوّل المنافسين له ولي العهد السابق محمد بن نايف، ثم مرّ بجولةٍ إقصائية على أولاد عمومته وزمرة من رجال الأعمال وذوي النفوذ، بحجّة “القضاء على الفساد”، ومن سخرية القدر أن الإصلاح المالي المزعوم أعاد شخصيات إلى مواقعها لتمارس فسادها بصورة طبيعية مجدداً..

رجل المهمّات الصعبة الآتي من بين ألعاب الفيديو التي يتضح ملياً تأثيرها عليه، ينظر إلى كوكبه الجديد عن بعد وعلى ضوء رؤية 2030 يُعيد تلوين غلافه النفطي بألوان أخرى أشدُّ “جاذبية”.

من باب تعزيز القطاع السياحي كمّم أفواه الهيئات الدينية في البلاد على اختلاف مدارسها، ليعزّز قطاعي السياحة والترفيه فأباح حفلات الرقص والموسيقى وسمح للنساء بالتواجد في مباريات كرة القدم لأول مرّة في تاريخ “السعودية”، طبعاً ذلك لا يوفي آمال “الأمير الطموح” على العالم أن يكون أكثر إثارة..

 إنه مشروع مدينة “نيوم” على ساحل البحر الأحمر لتغدو الحياة أكثر تحرّراً، وأكثر صخباً بالموسيقى والأنشطة الترفيهيّة.

 إلى جانب الميزانيّة المالية الباهظة التي تترتب على الرؤية الإقتصادية الجديدة، والتي تكفل حل العشرات من الآفات الإجتماعية في الداخل “السعودي” لو استُخدمت في مكانها الصحيح، يقول محمد بن سلمان أنه يسعى نحو إسلامٍ معتدل، ويدّعي إعطاء حيّز أوسع من الحرية، غير أن الحرية المقصودة ليست تلك التي يطلبها الشعب إنما تلك التي تُرضي نرجسيّة “سمو الأمير”، حرية بن سلمان تعني سجن و قتل ونفي كل من يُدلي برأيٍّ يخالف به “الإمبراطور المعظّم” أو حتى يزعجه، إنه يدّعي تشييد دولة علمانية لكنه جاهلاً لأدنى شروطها وهي احترام معتقدات وحريّات الجميع، ماذا يعني أن تقتحم قوّات المباحث منزل أحد المواطنين وتعتقله بسبب تغريدة؟ أن تُشرَّح الأجساد وتُقطّع الأوصال إذ ما شارك أحدهم بمسيرات القطيف والعوامية؟ ما معنى الإختفاء القسري والقتل وحجز الجثث على خلفية المعارضة السلمية للحكم والنشاطات السياسية والحقوقية؟ ومن بعدها يأتي ولي العهد ومطبّلوه ليزفّ إلينا الخبر السار لقد أصبح لديكم حفلات موسيقيّة!! من قال لك أننا نريد أن نرقص؟ من قال لك أننا نحب الرقص أصلاً؟ لا نريد أن نرقص، ولا نغنّي، ولا نحبّذ الإختلاط ولا تروقنا البلوت، نحن نريد أن نكون أحراراً في بلادنا، أن لا نُجلد على آرائنا وحقوقنا، أن تُلغى سياسة التمييز تجاه مواطنين من الدرجة العاشرة (الشيعة)، أن لا تُفرغ بلادنا من المثقفين والمفكّرين ليسودها المراوغين والمطبّلين، مشكلتك يا “سمو الأمير” أنّك تحارب شعبك الأعزل لتستمدّ الشرعيّة بالقوّة ولكن فالتعلم أن الحكومات التي لا تُبنى على قلوب شعوبها فهي زائلة لا محالة، وأن سياسة القمع ستغيّر المعادلة للأبد..

يقبع العشرات في سجون آل سعود منذ سنين طويلة حتى الآن، ربما المئات أو الآلاف..

 لا أعلم، لكن ما أعلمه جيداً هو أننا لم نسمع لمرة واحدة قد دخل أحدهم إلى السجن بجريمة حقيقة، فمجرمو “السعودية” الحقيقيون يجوبون البلدان العربية بالقتل والإرهاب والتدمير، فلمَ تقاضيهم السلطة؟ إنهم أدواتها في إسقاط الأنظمة وإعاثة الفساد في الدول، أما الجرائم الواهية التي يبرمها آل سعود المتمثلة في الإرهاب و تأليب الرأي العام ضد النظام والردّة، وما سواها من الترّهات أُعدّت خصيصاً كي تدين نشطاء كانوا قد مارسوا حقهم الطبيعي بالتعبير..

 لا ينتهي الأمر هنا، فالقضاء السعودي غير المستقل يلزم المتهمين بنزع الإعترافات عنوةً وبالتالي المحاكمة على أساس تلك الإعترافات، أما النكبة الكبرى تكمن في إحالة النشطاء ومعتقلي الرأي إلى المحاكم الجزائية المتخصصة بالإرهاب بإعتبار أن كل ناشط أو مفكر هو إرهابي يهدّد أمن الدولة.

 أيّة دولة هذه؟!! الدولة المُستنيرة التي يطمح لها صاحب الألقاب التي لا تُحصى (كان أسمجها رئيس لجنة مكافحة الفساد) محمد بن سلمان تبدأ من فتح أبواب السجون لا بالتملّق، فبقاء رائف بدوي الذي لا يزال يقبعُ في السجن منذ العام 2012 على خلفيّة انتقاده لسلوك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي يعترض على وجودها محمد بن سلمان بنفسه هو أمر غير مبرر، والإعتقال التعسّفي للصحفيين الذين بلغ عددهم 15منذ ابتداء حملة الإعتقالات التي يشنّها بن سلمان منذ نوفمبر الماضي وفقاً لحساب معتقلي الرأي، لهو جريمة كبرى بحق الصحافة، ومن أبرز الصحفيين الذين تعرضوا للإعتقال هو صالح الشيحي الذي انتقد فساد الديوان الملكي فاعتُقل وغاب عن الأنظار، وأيضاً جمال الفارسي وطراد العامري وغيرهم..

وعن الإضطهاد المسيّس الذي تمارسه السلطات في العوامية فكان آخر مظاهره اعتقال قوات المباحث لجميع الرجال في أسرة الحاج حسن النمر، وهم جعفر النمر وعلي النمر واثنان من أبناء الأخير، كما كان قد اعتقل علي محمد باقر النمر قاصراً عام 2012 وحكم عليه بالإعدام بفعل مشاركته في المظاهرات السلمية في القطيف، إلى جانب عبدالله الزاهر وداوود المرهون والقائمة تطول.

 أمّا إسراء الغمغام فتقبع مع زوجها السيد موسى الهاشم في سجون المباحث منذ ديسمبر 2015 وتعتبر الغمغام أول إمرأة اعتُقلت في القطيف، ثم تلتها نعيمة المطرود في يوليو 2016 والتي نقلت عنها مصادر مطّلعة تعرّضها لتعذيب جسدي مُبرح داخل السجن ما أدى إلى تدهوّر وضعها الصحي، وفاطمة آل نصيف شقيقة المعتقل ماجد آل نصيف التي حكم عليها بالسجن في سبتمبر 2017 أثناء محاولتها السفر من مطار الدمام، ولم تفصح سلطات الرياض عن أسباب الإعتقال وغيرهن الكثيرات.

 لنتابع قصّة نيرون.. الإمبراطور المريض صاحب الخيالات الفاسدة، من شدّة هوسه بالتغيير أحرق روما، حتى يعيد بنائها من جديد، كان يراقب النار وهي تأكل البشر والحجر بهدوء من على برج عالٍ مكث فيه إلى حين انتهاء الحريق..

وعندما اشتدّ عليه السخط الشعبي بإجتماع الناس على عزله لم يجد ما يبرّر به فساده فانتحر… أجد أن ما نقلته مصادر مقرّبة مؤخراً عن محمد بن سلمان: الإضطرابات النفسية وهواجس القتل بالسمّ بدأت تأخذ مأخذها من “أمبراطور السعودية” الذي ربما لن يكون..

بقلم/ زينب فرحات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا