المشهد اليمني الأول/
أصدر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الإثنين، سلسلة أوامر ملكية، شملت إجراء أكبر تغييرات تشهدها وزارة الدفاع السعودية في تاريخها، بإعفاء رئيس الأركان وقيادات الجيش وتعيين بدلاء عنهم.
لفهم أسباب وأهداف تلك التغييرات، يجب وضعها في إطارها الزمني والموضوعي، فبحسب نص الأوامر الملكية فإن تلك التغييرات جاءت “بناء على ما عرضه على الملك سلمان وزير الدفاع ( ولي العهد الأمير محمد بن سلمان)”، أي أنها جاءت من اختيار بن سلمان.
تلك التغييرات شملت رئاسة الأركان وقيادات القوات الجوية والدفاع الجوي والقوات البرية، كما شملت أيضا تعيين قائد للقوات المشتركة (قوات التحالف العربي في اليمن)، أي أنها على تماس مباشر بالحرب الجارية في اليمن.
كما تضمنت الأوامر الملكية أمرا بالموافقة على وثيقة تطوير وزارة الدفاع المشتملة على رؤية واستراتيجية برنامج تطوير الوزارة.
وبوضع تلك التغييرات في إطارها الزمني، فإنها تأتي مع قرب دخول التحالف الذي تقوده السعودية العام الرابع في حرب اليمن دون أفق لحسم الحرب، وبعد 3 سنوات من تولي بن سلمان منصبه كوزير للدفاع ( دون إجراء تغييرات في الوزارة الذي سبق أن وجه انتقادات ضمنية لارتفاع إنفاقها دون وجود توطين للتصنيع العسكري).
ومن هنا يمكن القول إن هناك 3 أسباب أو أهداف رئيسية لتلك التغييرات، وهي النتائج غير المرضية لحرب اليمن، وخصوصا في ظل تزايد الانتقادات الحقوقية الدولية لتلك الحرب، إضافة إلى تطور قدرات الحوثيين(انصار الله) إلى حد وصول صورايخهم الباليتسية الرياض، بل ومحاولة استهداف القصر الملكي نفسه.
السبب الثاني : تطوير وزارة الدفاع ضمن إستراتيجية شاملة وإعادة هيكلة تتوافق مع رؤية بن سلمان حول توطين التصنيع العسكري.
السبب الثالث: التغييرات تأتي في ظل سياسة تغييرات عامة وشاملة يقوم بها بن سلمان لتعزيز السيطرة على مفاصل الدولة.
إضاءة على التغييرات
وبمقتضى تلك الأوامر تم إنهاء خدمة عبدالرحمن البنيان رئيس الأركان العامة، وهو المنصب الذي كان يشغله منذ مايو/ آيار 2014، وإنهاء خدمة محمد سحيم قائد قوات الدفاع الجوي ( من المنصب الذي يشغله منذ أكثر من 6 سنوات).
كذلك تم إعفاء فهد بن تركي بن عبدالعزيز آل سعود قائد القوات البرية من منصبه ( الذي يشغله من إبريل/ نيسان 2017) ، وتعيينه قائداً للقوات المشتركة ( هو المنصب الذي يشغله فعليا وجاء فقط القرار الرسمي).
كما قضت الأوامر الملكية بترقية فياض الرويلي نائب رئيس الأركان (وهو قائد القوات الجوية الأسبق) ، وتعيينه رئيساً للأركان.
كذلك تمت ترقية مطلق الأزيمع (قائد المنطقة الشرقية ) وتعيينه نائبا لرئيس هيئة الأركان، وترقية جار الله العلويط ، وتعيينه قائداً لقوة الصواريخ الاستراتيجية وهو ما يعني تثبيته في المنصب الذي يشغله منذ أكثر من 10 سنوات.
كذلك تمت ترقية فهد المطير ، وتعيينه قائداً للقوات البرية، والمطير كان قائد المنطقة الشمالية واشتهر بالإشراف على مناورات رعد الشمال أكبر مناورات تشهدها الملكة جرت في فبراير ومارس/ آذار 2016.
كما تمت ترقية مزيد بن سليمان العمرو ، وتعيينه قائداً لقوات الدفاع الجوي، وترقية تركي بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود (قائد قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية)، وتعيينه قائداً للقوات الجوية ، وبذلك يخلف محمد العتيبي الذي تم “تكليفه” بهذ المنصب منذ يونيو/ حزيران 2015 خلفا للفريق ركن محمد الشعلان الذي توفى إثر أزمة قلبية.
حرب اليمن حاضرة في التغييرات
وبقراءة في تلك التغييرات نجد حرب اليمن حاضرة بشكل مباشر ( عبر تعيين الأمير فهد بن تركي قائد للقوات المشتركة)، وبشكل غير مباشر عبر إعفاء كل القيادات على مستوى رئاسة الأركان والقوات البرية والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوية.
وتلك التغييرات تعطي مؤشرا أن المملكة تود إعادة ترتيب أوراقها بالحرب التي تقودها لمساندة حكومة هادي في اليمن منذ 26 مارس/ آذار 2015، مع قرب دخول عامها الرابع، وخصوصا في ضوء تراجع النتائج، فبعد أقل عام من بدء الحرب، تحدثت السعودية عن سيطرة “الشرعية” (ميليشيات هادي) على ما بين 80 و85% من أراضي اليمن، ولكن الآن وبعد مرور 3 سنوات يتم الحديث عن نفس النسبة، فيما لا يزال التحالف عاجز عن هزيمة الحوثيين بشكل كامل والدخول الى العاصمة.
ويأتي تعيين فهد بن تركي كقائد للقوات المشتركة للتحالف- بموجب الأوامر الملكية- ومعروف إنه على صلة وثيقة بالحرب وظهر أكثر من مرة في الجبهات الأمامية للحرب، فيأتي في إطار توجه لتفريغه وتكريسه لتلك المهمة بعد إعفائه من منصبه كقائد القوات البرية ( المعين به قبل أقل من عام).
وكون حرب اليمن هي بالدرجة الأولى تتعلق بالقوات الجوية (الهجوم) وقوات الدفاع الجوي ( صد الهجمات وإسقاط الصواريخ)، فهنا يمكن فهم التغييرات في هذا الجانب بل إن رئيس الأركان الجديد هو قائد أسبق للقوات الجوية.
ومن هنا تأتي أهمية وجود إستراتيجية جديدة في الحرب ، وخصوصا إنه مع إطالة أمد الحرب بدأ التأييد الدولي يتآكل، والانتقادات الحقوقية الدولية تتزايد، وخصوصا في ظل عدم وجود أفق للحسم، وارتفاع فاتورة الضحايا من المدنيين ، إضافة إلى أن الإمارات ( ثاني أهم عضو في التحالف) بدأت تواجه اتهامات بالعمل على إضعاف سلطة الحكومة “الشرعية” في المناطق التي يفترض أنها خاضعة لها، وامتلاك أهداف خفية في اليمن.
أما على صعيد أحد أهم أهداف الحرب وهو وقف التهديد الذي يشكله الحوثيون على حدود المملكة، فصواريخ الحوثيين تجاوزت الحدود ووصلت العاصمة، فقد أطلق الحوثيون في ديسمبر/كانون الاول الماضي صاروخا باليسيتا على قصر اليمامة (الملكي) وذلك بعد شهر من استهداف مطار الرياض، ورغم إن التحالف العربي أعلن إسقاط الصاروخين، إلى أن وصولهم الرياض في حد ذاته رسالة خطيرة.
تطوير وزارة الدفاع
الأوامر الملكية تضمنت بشكل صريح أمرا “بالموافقة على وثيقة تطوير وزارة الدفاع المشتملة على رؤية واستراتيجية برنامج تطوير الوزارة ، والنموذج التشغيلي المستهدف للتطوير ، والهيكل التنظيمي والحوكمة ومتطلبات الموارد البشرية التي أعدت على ضوء استراتيجية الدفاع الوطني “.
كما إن الأمر الملكي الصادر به التغييرات جاء به إشارة صريحة إن تلك التغييرات تأتي بعد ” بالموافقة على وثيقة تطوير وزارة الدفاع “، وهو ما يعني أن الرواية الرسمية- وهذا صحيح- تقول أن تلك التغييرات تأتي في إطار تطوير الوزارة .
كما إن بن سلمان قال قي تصريح نقلته قناة العربية اليوم الأربعاء إن “تغييرات وزارة الدفاع (تمت) للحصول على نتائج أفضل للإنفاق”.
وبحسب تصريح سابق للأمير السعودي، تنفق السعودية بالمتوسط نحو 70 مليار دولار سنوياً على استيراد السلاح، وبين أنها تعد ” ثالث أكبر بلد في العالم ينفق على التسليح العسكري”
وتستهدف رؤية السعودية 2030 توطين 50 بالمئة من واردات السعودية من الأسلحة.
وقد تضمن الأوامر الملكية، أمرا بتعيين خالد بياري (الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات السعودية) مساعداً لوزير الدفاع للشؤون التنفيذية، وفيما يبدو أن الوزارة تحاول الاستفادة من “بياري” المتمرس في مجال الاتصالات والتقنية التي ستلعب دورا مهما في تطوير الوزارة.
وكان لافتا تركيز وسائل الإعلام السعودية على أن برنامج تطوير الوزارة سبق أن أوكله الملك السابق عبد الله بن عبدالعزيز إلى بن سلمان بهدف ” إعادة ترتيب وزارة الدفاع التي استعصت على الإصلاح لأعوام طويلة”.
وتتصمن خطة برنامج تطوير وزارة الدفاع المعدة على ضوء استراتيجية الدفاع الوطني، التركيز على أهمية الهيكلة التنظيمية الجديدة وما ستسفر عنه من حوكمة فعالة.
إضافة إلى التأكيد على أهدافها الرئيسية الخمسة، من “تحقيقها للتفوق والتميز العملياتي المشترك”، و”تطوير الأداء التنظيمي لوزارة الدفاع”، و”تطوير الأداء الفردي ورفع المعنويات”، و”تحسين كفاءة الإنفاق ودعم توطين التصنيع العسكري”، و”تحديث منظومة الأسلحة”.
تعزيز السيطرة على مفاصل الدولة
كما هو واضح من تلك التغييرات فإن معظم تلك القيادات بما فيهم رئيس الأركان وقائد قوات الدفاع الجوي تم تعيينهم من قبل الملك السعودي السابق عبدالله.
ومنذ تولي الملك سلمان الحكم يناير 2015، بدأ عملية إحلال وتجديد تزايدت بعد تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد يونيو/ حزيران الماضي، لتعزيز السيطرة على مفاصل الدولة.
وشملت علمت الإحلال والتجديد كل شئ، إلا أنه المرة الأولى التي تتعرض للجيش بشكل واسع، حيث سبق أن تم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإنهاء خدمة عبد الله السلطان قائد القوات البحرية ، وتعيين فهد الغفيلي بدلا منه، كما تم إعفاء الأمير متعب بن عبدالله من وزارة الحرس الوطني، وتعيين الأمير خالد بن عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن بدلا منه.
المصدر: الاناضول