المشهد اليمني الأول/
رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن صادرات الولايات المتحدة من النفط الصخري، قد أغرقت الأسواق العالمية بالخام، ما سمح لها بتقليص وارداتها من نفط دول «أوبك»، من جهة، والبدء بتصدير النفط نحو أسواق، لطالما هيمنت عليها المملكة العربية السعودية، من جهة أخرى، مشددة على أن «أوبك» لم تعد تسيطر وحدها على أسعار الخام في السوق الدولية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن المملكة العربية السعودية، التي ظلت لفترة طويلة «القوة المهيمنة» في سوق النفط، بصورة مكنتها من جعل العالم «تحت رحمة طموحاتها ومصالحها» المختلفة، «يتوجب عليها اليوم، العمل على تحديث استراتيجيتها» في ضوء تراخي قبضتها في سوق الطاقة العالمي، ومن أجل التعامل مع مستجدات «اللعبة الجديدة» في تلك السوق. «فالطبيعة المتغيرة لصناعة الطاقة، على وقع (الطفرة الإنتاجية) في حقول النفط الصخري الأمريكية، واستمرار انخفاض أسعار الخام، وصعود أسهم الغاز الطبيعي في هذه الصناعة، حوّل المعادية الجيو-سياسية» على هذا الصعيد.
وتابعت «نيويورك تايمز»، وتحت عنوان: «انخفاض أسعار النفط يدفع السعوديين لتوسيع دائرة صداقاتهم»، أن المملكة العربية السعودية التي ما زالت من كبار منتجي النفط، معنية بالتعويض عن «نفوذها المفقود» في سوق النفط، مضيفة أن القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، تتحين الفرص من أجل «كسب مزايا مالية» من التوجهات الاقتصادية والسياسية الجديدة للرياض. ففي حين تسعى موسكو، التي تئن تحت وطأة العقوبات الغربية، إلى «الانفتاح» على المملكة، بهدف التوصل إلى اتفاقات ثنائية في مجال الطاقة، رغم خلافاتهما حول الوضع في سوريا، تعمل بكين على ضمان «تدفق مستقر» للنفط، والاستثمارات السعودية في قطاع التكرير والصناعات البتروكيماوية «المتنامية» داخل الصين. كذلك، تأمل واشنطن بدورها، في الحفاظ على الرياض كـ«حصن استراتيجي ضد إيران»، بما يبقيها بعيداً عن كل من روسيا والصين.
وفي الإطار عينه، أكملت «نيويورك تايمز» أن «رغبات القوى الكبرى الثلاث» بتعزيز العلاقات مع الرياض «تتلاءم مع الاستراتيجية السعودية الهادفة إلى إيجاد شركاء استثماريين جدد»، وذلك كـ«جزء من خطة أوسع لتنويع اقتصادها، الذي يعتمد على النفط»، و«تقليص العجز الكبير في الموازنة»، إلى جانب «ضمان مستقبل دولة الرفاه في المملكة والنظام الملكي القائم فيها»، موضحة أن «حجز الزاوية”»في تلك الاستراتيجية يتمثل في مشروع الطرح العام الأولي لنسبة من أسهم شركة «أرامكو» الحكومية، بقيمة تقدر بمئات مليارات الدولارات. ومع أن «النجاح النهائي» للمشروع المقرر في العام الجاري، ولسائر خطط الإصلاح الاقتصادي في المملكة «لا يزال موضع تساؤل»، في ظل تفاوت المؤشرات في هذا الشأن، فإن «المستثمرين الأمريكيين والصينيين والروس يشبكون أياديهم في رقصة شديدة التعقيد، حول مشروع الطرح العام الأولي لأرامكو».
وشرحت «نيويورك تايمز» أن الهدف «البعيد الأمد» للرياض، على صعيد الطاقة، يتمثل في استيراد الغاز الطبيعي بهدف توليد الطاقة الكهربائية، ليكون بديلاً عن النفط، ما يساعد على «توفير المزيد من الخام لأغراض التصدير»، بالتزامن مع المساعي التي تبذلها المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن بغية «توسيع استثماراتها في قطاع تكرير النفط، والصناعات البتروكيماوية في آسيا والولايات المتحدة، من أجل ضمان أسواق» لصادراتها من الخام، والمشتقات النفطية الأخرى. وفي هذا الإطار، أفاد المحلل السابق في شؤون الشرق الأوسط لدى «وكالة الاستخبارات المركزية» الأمريكية، بروس ريدل، بأن «انخفاض أسعار النفط جعل نمط الحياة في المملكة العربية السعودية، غير قابل للاستمرار، على نحو دفعهم (السعوديين) للتطلع نحو إيجاد بدائل»، مشدداً على أن السعوديين مستعدون لـ«الانفتاح بحماسة على أي شريك (دولي)» يوفر لهم المساعدة في معالجة هذه المعضلة. ومع الإشارة إلى زيارة العاهل السعودي للعاصمة الروسية في خريف العام 2016، كمؤشر على تنامي العلاقات الروسية السعودية، توقفت الصحيفة عند العلاقات المتنامية بين شركات النفط السعودية ونظيراتها الصينية في الأعوام الأخيرة، مع شراء شركة «أرامكو» 25 من أسهم إحدى مصافي النفط العائدة لشركة «سينوبك» الحكومية الصينية، وتوقيع بكين والرياض في الصيف الفائت اتفاقية لإنشاء صندوق استثماري بقيمة 20 مليار دولار، موضحة أن ذلك من شأنه أن «يعزز جهود شركة أرامكو لتصبح قوة عالمية في مجال تكرير النفط»، و«يزيد من قيمة الطرح العام الأولي للشركة».
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى أن حلول وزير النفط السعودي خالد الفالح، في ضيافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدى افتتاح إحدى مشروعات الطاقة العملاقة في روسيا، يعد تجلياً لـ«اللعبة الجيو-سياسية المتغيرة» في سوق النفط، موضحة رغبة الجانب السعودي بتنسيق حصص تخفيض إنتاج النفط مع الجانب الروسي من أجل تحسين أسعار النفط. «فبالنسبة لبوتين، عدت المناسبة احتضاناً جرئياً (من قبل موسكو) لأحد حلفاء الولايات المتحدة، في ظل تحركات (الرئيس الروسي) لتوسيع أصول وعائدات بلاده من الطاقة، رغم العقوبات الحالية». أما بالنسبة للوزير السعودي، فقد مثّل الحدث «فرصة» من أجل مناقشة صفقات الغاز المستقبلية، و«جذب الاستثمارات في أرامكو»، فضلاً عن «تنسيق الجهود لرفع أسعار النفط العالمية».
ومع الإشارة إلى تنافس بورصات عالمية، مثل لندن وهونغ كونغ ونيويورك، من أجل الفوز بالإدراج الدولي للاكتتاب العام الأولي لأسهم «أرامكو»، أوضحت الصحيفة الأمريكية أن المستثمرين الدوليين «يريدون الحصول على حصتهم من الطرح العام الأولي، أياً تكن وجهته»، مضيفة أن عملية الاكتتاب في أسهم «أرامكو» منحت السعودية «نفوذاً أكبر»، بالتزامن مع فقدان منظمة «أوبك» لـ«الجزء الأكبر من نفوذها» العالمي.
وفي هذا السياق، أفاد بيل ريتشاردسون، وهو وزير أمريكي سابق للطاقة، والسفير لدى الأمم المتحدة، أن «السعوديين يعملون على تعويض نفوذهم المفقود داخل أوبك، وأنهم يظهرون براغماتية جيو-سياسية صافية سواء في مجال الطاقة، أو السياسة الخارجية». وأضاف ريتشاردسون، في حديث إلى «نيويورك تايمز» أن السعوديين لا يسعون خلف تعويض نفوذهم المتضائل فحسب، بل يجهدون من أجل تعزيز رصيدهم في السياسة العالمية.