المشهد اليمني الأول/

إلى متى نبقى صامتين، وكم يجب أن يموت ويشرد من المدنيين، أطفال ونساء وشيوخ، حتى يبدأ المجتمع الدولي بالتحرك وبصوت واحد ويقول كفى، ويضع حدا لهذه المجازر والانتهاكات الخطيرة والجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، هذا التساؤل “الانساني”، هو لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية الكويت الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، طرحه أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، في الجلسة التي تناولت الوضع في سوريا.

يرتكب نظام الأسد مذبحة في الغوطة الشرقية، سيجرى تصويت في مجلس الأمن الدولي من أجل وقف الهجمات وإدخال المساعدات، يجب على المجتمع الدولي بأسره أن يقول سويا “كفى لهذه المذبحة”، هذا الكلام الذي يقطر انسانية وسلاماً هو للمتحدث باسم الرئيس التركي طيب إردوغان، إبراهيم كالين.

من غير المعقول ان روسيا تعطّل التصويت على وقف لاطلاق النار يسمح بادخال مساعدات انسانية في سوريا، كم عدد الاشخاص الذين سيموتون قبل ان يوافق مجلس الأمن على التصويت، لنقم بذلك الليلة، الشعب السوري لا يستطيع الانتظار، اما هذه العبارات التي تظهر مدى لوعة صاحبها على ما يجري في الغوطة الشرقية، فهي لممثلة ترامب في المنظمة الدولية نيكي هيلي.

سنكتفي بهذه العبارات والا سنجعل القارىء الكريم يذرف الدموع على ما يجري في الغوطة لو نقلنا عبارات المسؤولين السعوديين والقطريين والاماراتيين و”الاسرائيليين” و..، او بعض الشخصيات السياسية “الانسانية” في المنطقة والعالم، منها على سبيل المثال لا الحصر المدعو سمير جعجع المحكوم عليه بالاعدام والمفرج عنه بعفو رئاسي، وعندما لن يكون بمقدوره مواصلة قراءة مقالنا.

في البداية لابد من التاكيد على انه ليس هناك من انسان يمتلك مشاعر انسانية، حتى في حدودها الدنيا، ولا يعتصر قلبه الماً لما يجري في الغوطة الشرقية لدمشق، بل ان هذا الانسان ولكونه انسان، سيبقى الالم يعتصر قلبه وهو يرى نفس المشاهد في اي مكان في العالم، فالجغرافيا لا يمكن ان تشكل عائقا امام هذه المشاعر، فالقتل واراقة الدماء هي اشياء تأباها النفس الانسانية، فلا جغرافيا ولاحدود ولا قومية ولا دين ولا طائفية يمكن ان تفرق بين قتل وقتل وبين قاتل وقاتل.

انطلاقا من هذا المعنى الذي لا يختلف عليه شخصان، يقف المراقب المحايد لما يجري في منطقتنا مصدوما وفزعا من الحجم الهائل للنفاق الذي يثير الغثيان الذي اصاب الانسانية في احدى عينيها فاطفأتها، فخلال الايام القليلة الماضية تحولت الدول الراعية للارهاب العالمي و”الداعشي” و”القاعدي” و”التكفيري” بشكل عام، الى حماة ومدافعين عن “الطفولة المذبوحة” في الغوطة الشرقية التي وصفتها نيكي كيلي بانها جحيم، وجندت امبراطوريات اعلامية بترولية وغازية وامريكية واوربية كل امكانياتها في تحريك “المشاعر الانسانية” لدى الرأي العام العالمي، من اجل وقف اطلاق النار في سوريا لمدة 30 يوما، ونجح هذا “المعسكر الانساني” في فرض هذه الهدنة مساء السبت الماضي، في اطار مشروع القرار الذي تقدمت به الكويت والسويد الى مجلس الامن.

المعروف ان هدنة الثلاثين يوما هي هدنة بين الحكومة السورية وبين مجموعات مسلحة ارهابية تكفيرية تقاتل الى جانب القاعدة في الغوطة والى جانب داعش في باقي المناطق السورية الاخرى ضد القوات الحكومية، وهي هدنة لا نعتقد ان هناك حكومة في العالم تقبل ان تلتزم بها، بينما مجاميع ارهابية تهدد امن واستقرار وحياة اكثر من 5 ملايين من سكان العاصمة.

الغريب ان ممثلي الانسانية العوراء لم يذكروا، لم يشيروا في كلماتهم وتقاريرهم واعلامهم ولا حتى مرة واحدة الى الجرائم التي ترتكبها الجماعات التكفيرية التي تقاتل في خندق واحد من النصرة، النسخة السورية للقاعدة المصنفة ارهابيا في مختلف انحاء العالم بحق المدنيين في العاصمة دمشق، والتي اسفرت عن قتل وجرح الالاف من المدنيين على مدى السنوات الماضية.

الانسانية العوراء تسمح لتركيا التي تذرف اليوم دموع التماسيح على الغوطة، بارسال جيشها لغزو سوريا واحتلال ارضها وقتل شعبها بذريعة محاربة “الارهابيين” الذين لا وجود لهم الا في عقلية اردوغان المريضة، بينما لا تسمح هذه الانسانية العوراء للحكومة السورية ان تجتث عصابات التكفيريين في العاصمة السورية نفسها، بل وتقيم الدنيا ولا تقعدها وتهدد الحكومة السورية بالتدخل العسكري والحصار وتسليح الارهابيين الذين يتخذون من المدنيين رهائن ودروع بشرية.

كنا نتمنى على الكويت التي وقفت وراء القرار الاخير لوقف اطلاق النار في سوريا، ان تقف نفس الموقف من الجريمة الكبرى التي ترتكب ضد الانسانية في اليمن، وهي جريمة لا يمكن مقارنتها باي شكل من الاشكال ازاء ما يجري في الغوطة، فاذا كان ما يجري في الغوطة “جحيم” كما تقول كيلي، ترى ماذا يمكن ان نصف به ما يجري في اليمن، هل في الغوطة مجاعة، هل في الغوطة وباء، هل يشرب الناس في الغوطة المياه الاسنة، هل يموت في الغوطة طفل كل 10 دقائق، هل تهدد المجاعة في الغوطة 20 مليون انسان، هل مات في الغوطة عشرات الالاف من الابرياء اغلبهم من الاطفال والنساء وفقا لاحصائيات الامم المتحدة.

لادعياء الانسانية نقول، لماذا لا تتحدثون عن الدول التي تقتل الشعب اليمني منذ اكثر من 3 اعوام، لماذا لاتقولون لها كفي عن القتل واوقفي اطلاق النار، لماذا تسكتون كل صوت حر شريف يدعو الى وقف اطلاق النار في اليمن او في عفرين، لماذا لا تحركون ساكنا في الامم المتحدة ازاء ما يجري في اليمن او في عفرين، لماذا لا نشهد منكم هبة “انسانية” في مجلس الامن لوقف اطلاق النار في اليمن او في عفرين، الا تكشف تصرفاتكم وممارساتكم ومواقفكم عن انكم كذابون ومنافقون.

مدن وقرى ابيدت على بكرة ابيها في الدول التي تتباكى اليوم على الغوطة، لمجرد وجود بعض الاصوات المعارضة فيها، كما حصل في العوامية في السعودية، وكما حصل في جنوب شرق تركيا، بينما لا يحق للجيش السوري ان يطهر عاصمة بلاده من جماعات مسلحة شهد العالم قبل الحكومة السورية بارهابها واجرامها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا