المشهد اليمني الأول/
خلصت ورقة بحثية أعدها مركز الإمارات للدراسات والإعلام، إلى أن الإمارات تنفق قرابة 1.3 مليار دولار شهرياً (على أقل تقدير) في اليمن، في العمليات البرية والجوية ضمن التحالف الذي تقوده السعودية، ما يصل إلى (16 مليار دولار) سنوياً. وقالت “وبالرغم من التكلفة الباهضة في المال تدفع الدولة جنودها إلى الحرب إلى جانب مرتزقة وعشرات الآلاف من اليمنيين، دون خطوط واضحة للحرب والسلم، إلى جانب بناء قواعد عسكرية دائمة في تلك البلاد، وهو ما انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في الإمارات والتي أدت إلى مجموعة من الإجراءات التي تتزايد كل يوم بحق الإماراتيين”.
وأكدت ان جوانب الإنفاق الذي تقوم به الامارات -الذي احتسبته الورقة- يخص الحرب وحدها دون التطرق لما يتم إنفاقه في الجانب الإنساني مع أن الإنفاق في الجانب الإنساني هو أحد مظاهر الحرب والرد على الانتقادات الدّولية بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية. وأوضحت الورقة البحثية ان الامارات، وبعد مرور ثلاث سنوات من الحرب، بنت قوتها ونفوذها على ميليشيات محلية إلى جانب قوة من النخبة المُدربة والفاعلة، إلى جانب بناء “مفاعيل” سياسية عديدة تتعارض والهدف الرئيس الممثل بدعم حكومة هادي ومواجهة النفوذ الإيراني. وعن القوة التابعة للإمارات في اليمن، ذكرت الورقة البحثية انها ثلاثة انواع الأول (الإماراتيون) ومعظمهم من الإمارات الشمالية، والثانية قوة من المجندين اليمنيين الذين يتلقون الأوامر من القوة الإماراتية، والثالثة هي قوة “المرتزقة” وهم من جنسيات عِدة تستخدمهم الإمارات في اليمن.
وكشفت عن تواجد 1500 جندي وضابط إماراتي في اليمن، والتي لها دور مباشر في القتال وتدريب وتوجيه الميليشيات المحلية، ولفتت إلى قيادة الإمارات بشكل مباشر خمسة ألوية على الأقل من قوات الأمن اليمنية خارج سلسلة القيادة والإشراف من قِبل الحكومة اليمنية. وقد سعت تكتيكات الدولة الإماراتية إلى تأمين مصالحها الخاصة في اليمن، والتي تركز أساسا على إرساء السيطرة كـ”حق إماراتي” على خليج عدن والبحر الأحمر.
وعن القوات اليمنية التابعة للإمارات، نقلت عن ضُباط إماراتيين قولهم إنهم دربوا أكثر من 35 ألف مقاتل، 14 ألف مقاتل في عدن ضمن ما يعرف بالحزام الأمني و11 ألف مقاتل ضمن قوة النخبة الحضرمية، فيما قوة النخبة الشبوانية والحزام الأمني في أبين يقدر عدد كل قوة ب3000 مقاتل، و2000 مقاتل ضمن قوة النخبة “المهرية”، و2000 من قوة النخبة السقطرية. وهذه القوات خارج أُطر سلسلة القيادة العسكرية اليمنية ومهمتها الأساسية هي “الحوثيين” لكنها مؤخراً ظهرت: أداة في يد الدولة لصالح الانفصاليين المطالبين بالانفصال، إلى جانب قِتال تنظيمي القاعدة والدولة. وهؤلاء تم تجنيدهم عبر شيوخ القبائل الموالين للدولة من نفس المحافظات التي يمثلونها.
وأشارت إلى وجود 1800 مقاتل من قوة حرس الرئاسة الإماراتية يعملون في اليمن وجلّ هؤلاء من المرتزقة وهم مقاتلون سابقون في بلدانهم “كولومبيا” “بنما” “سلفادور” و”شيلي” إضافة إلى “400” من القوات الإرتيرية (تأكدت من القوات الأريتيرية في اليمن على نفقة الإمارات لجنة خبراء الأمم المتحدة). وأضافت ” يقاتل المرتزقة لأجل المال حيث يتلقون رواتب تتراوح بين 2000 $ إلى 3000 $ شهريا، مقارنة مع ما يقرب من 400 $ في الشهر في كولومبيا أو أمريكا اللاتينية. وستتلقى تلك القوات التي تنشر في اليمن مبلغا إضافيا قدره 1000 دولار في الأسبوع، وفقا لما ذكره شخص مشارك في المشروع وضابط كبير سابق بالجيش الكولومبي”.
وأجرت الورقة البحثية عملية حسابية دقيقة للتكلفة، حيث تصل القوات التابعة للإمارات في اليمن أكثر من (38.000) مقاتل، موزعين على النحو الآتي: القوة الإماراتية وعددها (1500) جندي وضابط، القوة المحلية اليمنية التابعة للدولة وهي الأكثر عدداً بنحو (35) ألفاً، والمرتزقة ضمن قوة الحرس الرئاسي الإماراتي (1800) مقاتل.
إذا بلغ الإنفاق الإماراتي ما يعادل الإنفاق الأمريكي فإن حرباً شاملة مع عملية أمنية يقوم بها 30 ألف جندي سيكلفها في حدود 15 مليار دولار خلال العام.
وأفادت ان كل هذه التكلفة في اليمن لم تتم الموافقة عليها من قِبل المجلس الوطني الاتحادي ولم تتم مشاورة المجلس الأعلى للاتحاد، وفي نفس الوقت لم تخلق صورة جيدة للإمارات في اليمن.
صورة الإمارات
يجري حديث لدى اليمنيين أن الإمارات تسعى إلى احتلال المحافظات الجنوبية، فيما تذهب تقديرات محللين ودبلوماسيين غربيين إلى أن اليمن سينقسم إلى أكثر من دولة بفعل الدور الإماراتي المتزايد ونفوذ الهيمنة المتصاعد والميليشيات المسلحة التي أسستها في البلاد، والتكوينات السياسية التي تم بناؤها لمواجهة الحكومة الشرعية. إن هذا كله ضد الإماراتيين وضد أي حكومة إماراتية قادمة.
لقد ذهبت الإمارات إلى حرب اليمن دون تقديرات، وكان من الأولى للدولة أن تبقى مثل السعودية التي رفضت حتى الآن الدفع بقوات برية لليمن بالرغم من أنها قائدة التحالف، والأمن القومي للسعودية يتأثر بشكل كبير بما يحدث في اليمن. وينتشر الجيش السعودي على حدود البلاد حيث يحاول الحوثيون اجتياح الحدود للسيطرة على بلدات سعودية، ومن الواضح أنهم باتوا الآن يخوضون معارك داخل الأراضي السعودية.
ويمكن القول ان مخاوف اليمنيين تتركز في سيطرة الإمارات على الموانئ اليمنية والنفط، وتدريب ونشر قوات عسكرية خارج إطار الجيش اليمني، وبناء قواعد عسكرية في اليمن والسيطرة على باب المندب، وفي جزيرة سقطرى في بحر العرب، بجانب انشاء سجون سرية وتعذيب المئات من المواطنين اليمنيين. كما تزداد مخاوف اليمنيين من ان التدخلات الإماراتية في اليمن ستؤدي إلى تآكل الشرعية اليمنية.
تأثير الحرب على الإماراتيين
خلال المُدة بين 2015 ونهاية عام 2017م كانت الامارات تعاني من اقتصاد هشّ، وتضاعف الجبايات على المواطنين والمقيمين للتخلص من عجز الموازنة الذي تفاقم في الدولة. ويبدو أن لحرب اليمن تأثيرا كبيرا إلى جانب رعاية حروب أخرى في مصر وليبيا وتونس؛ لكن اليمن هي أقسى تلك الحروب التي تحولت إلى ثقب أسود يلتهم اقتصاد الدولة بالتهامه المال العام ويمكن الإشارة إلى أن الدولة بدأت تعاني بالفعل من سوء تلك المؤشرات وأصبحت تزيد من فرض الضرائب والرسوم الحكومية على المواطنين والمقيمين.
ولأجل تغطية نفقات الحرب تقوم الإمارات بالآتي: تقوم الدولة باللجوء إلى الصندوق السيادي للدولة وهو ما حدث فعلاً حيث تشير التقارير الدولية إلى أن أصول الصندوق السيادي (جهاز أبوظبي للاستثمار) تراجعت من 502 مليار دولار عام 2014 إلى 475 مليار دولار مع نهاية العام 2015م ما يعني الحاجة إلى اللجوء لسحب ما يقرب من 27 مليار دولار لسد عجز الموازنة. وخفضت الإمارات حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية بنحو 200 مليون دولار إلى 66 مليار دولار، حتى نهاية يوليو 2017.
زيادة الرسوم والجبايات الحكومية على المقيمين والمواطنين في المشتقات النفطية ورسوم الكهرباء والمياه والمعاملات الحكومية والقوانين التي تُفَعل الضرائب والمدفوعات إلى جانب إيرادات جديدة كرسوم البلديات. وفي ذلك أعباء كبيرة على المواطن والمقيم ففي مرحلة معينة سيتوقف الاستثمار في الدولة من بينها الرسوم والضرائب التي كان عدم وجودها محفز للاستثمار في الإمارات، ما يعني مغادرة الوافدين مع ارتفاع التضخم وزيادة غلاء المعيشة وتعتبر الإمارات “أبوظبي ودبي تحديداً” من أكبر مناطق العالم التي تعاني من غلاء المعيشة.
واختتمت الورقة البحثية لمركز الإمارات للدراسات، تأكيدها ان الامارات في اليمن فقدت دورها الريادي في حل الأزمات بالحوار والتسامح، وتحول المشروع الإماراتي الذي لم يكن يوماً عدائياً إلى خلق الأعداء والخصوم بشكل دائم ليس في اليمن فقط بل وفي بقية دول المنطقة. واضافت “ستعاني الحكومات الإماراتية القادمة من سياسات كارثية، طالما وأن المجلس الوطني الاتحادي لا يقوم بدوره ولا يحقق في هذا الإنفاق في حرب دون مبرر حقيقي يتطلب كل هذا الإنفاق، ويضع تساؤلات حقيقية: “لماذا تهدر الدولة دم أبنائها خارج الحدود فيما اليمنيون سيقاتلون الحوثيين؟!” لماذا نبني دولة داخل الدولة في منطقة حساسة من العالم؟!، كيف نبني قواعد عسكرية خارج الحدود وما زلنا نعتمد على قواعد عسكرية أمريكية وأوروبية داخل البلاد؟! ما الحاجة لكل هذه السياسة من الحروب الطاحنة في المنطقة؟! كيف يمكن أن تتجنب حكومات المستقبل تداعيات الحروب الخارجية الحالية للدولة؟!”.