المشهد اليمني الأول/
لا تزال المصالح السياسية والمغريات الاقتصادية تتحكم في سياسة الكثير من دول العالم، حيث تلهث العديد من الدول الغربية والأوروبية وراء المليارات الموجودة في خزائن الدول العربية، حتى وإن كانت هذه المليارات ستجعلها تفقد مبادئها، أو تنتهج سياسة ازدواجية المعايير، أو ستجعلها في صدارة الدول سيئة الصيت، ومن أبرز هذه الدول فرنسا والسويد، هاتان الدولتان اللتان خصهما تقرير منظمة العفو الدولية مؤخرًا، موجهًا لهما انتقادات لاذعة فيما يتعلق باستمرار توريد الأسلحة إلى دول تحالف العدوان على اليمن، وخاصة السعودية والإمارات، اللتين توجه إليهما تهم، تتعلق بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب اليمني.
انتقادات دولية وحقوقية جديدة
دعت منظمة العفو الدولية والمنصة الإعلامية الدولية فرنسا والسويد إلى وقف تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات، بسبب ارتكابهما جرائم حرب في اليمن، واعتبرت المنظمة، في تقرير لها نشرته الخميس الماضي، أن المدنيين يدفعون ثمنًا باهظًا؛ جراء الحرب في اليمن، مؤكدة أن الانتهاكات التي طالتهم ساهمت فيها أطراف النزاع المختلفة، وأشار تقرير المنظمة لهذا العام إلى أن أبرز جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تمر دون رد فعل قوي من المجتمع الدولي أو أي عقاب أو محاسبة لمرتكبيها.
من جانبها أكدت المسؤولة عن قسم النزاعات المسلحة في منظمة العفو الدولية، نينا والش، أنها “مأساة تتجاوز الوضع الحقوقي والإنساني، فهنالك الحصار الجوي والبحري الذي تفرضه السعودية، هنالك جرائم أخرى أيضًا من قبل مختلف أطراف النزاع، الضربات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة السعودية تخلف الكثير من الأضرار في صفوف المدنيين”، مضيفة: في اليمن اليوم نعيش وضعًا يحاصر فيه المدنيون، ويدفعون ثمنًا باهظًا. ودعت “نينا والش” فرنسا إلى وقف تصدير أسلحتها إلى كل من السعودية والإمارات، على خلفية ما وصفته بارتكاب الدولتين جرائم حرب في اليمن، مؤكدة أن فرنسا تستطيع لعب دور من خلال بيع الأسلحة، التي يتم استعمالها فيما بعد في اليمن، خاصة أن “المملكة السعودية تحتل المرتبة الثانية التي تصدر إليها فرنسا أسلحتها، والإمارات المرتبة السادسة”.
في ذات الإطار أشارت المسؤولة في المنظمة الدولية إلى أنه “حتى الآن أبحاثنا الميدانية أكدت استعمال أسلحة من صنع أمريكي وبريطاني وبرازيلي، ولكن هذا لا يمنع أن تستخدم الأسلحة الفرنسية في ارتكاب جرائم الحرب التي ترتكب في اليمن”، وأكدت أن “هذا يجب أن يكون كافيًا لكي توقف فرنسا بيع أسلحتها للسعودية والإمارات، وهذا ما ندعو إليه”.
بدورها دعت المنصة الإعلامية الدولية “أوبن ديموكراسي” فرنسا والسويد إلى وقف تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات؛ لاستمرار ارتكابهما جرائم في اليمن، وقالت المنصة إن السويد مستمرة في بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، رغم الجرائم الموثقة للتحالف السعودي في اليمن، وأشارت المنصة الإعلامية إلى أن البرلمان السويدي سيناقش سياسة الحكومة في تصدير الأسلحة في الـ28 من الشهر الجاري، وأضافت أن الجماعات السويدية المعارضة للتسلح تطالب بوقف تصدير الأسلحة السويدية لكل من السعودية والإمارات، وأوضحت المنصة الدولية أن السويد تعد واحدة من بين الدول الثلاثين الأكثر تصديرًا للسلاح، وأن السعودية والإمارات من أهم زبائنها، وقالت إن السويد لا تحقق في الطريقة التي تستعمل بها الأسلحة التي تصدرها، وهو ما يمكن أن يضعها في موقع المتواطئ في جرائم حرب.
المصالح والمغريات الاقتصادية تتحكم
تقرير منظمة العفو الدولية والمنصة الإعلامية الدولية “أوبن ديموكراسي” لم يكن الأول الذي يوجه انتقادات لاذعة للدول الأوروبية والغربية، التي تقوم بتصدير الأسلحة إلى دول العدوان السعودي على اليمن، وعلى رأسها السعودية والإمارات، فعلى مدار ما يقرب من ثلاث سنوات من التدخل السعودي الإماراتي هناك خرجت عشرات التقارير من منظمات حقوقية وإنسانية دولية، والتي تؤكد ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في اليمن، وتعمد دول العدوان تدمير البنية التحتية للدولة، وكان آخرها التقرير الذي أصدرته صحيفة “تومنياج” الفرنسية قبل أيام، حيث وصف قصف التحالف السعودي الإماراتي في اليمن بجرائم الحرب، مؤكدًا أن الرياض وأبوظبي متهمتان بارتكاب جرائم حرب، وأن حرب اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تركت 18 مليون يمني بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وقالت الصحيفة إن السعودية تسلمت من فرنسا معدات عسكرية في 2016، قيمتها أكثر من مليار يورو مستخدمة في الحرب، ما يعني أن فرنسا متورطة في هذه الجرائم، مشيرة إلى أن ألمانيا وبلجيكا وكندا وهولندا قررت عدم تسليح أطراف النزاع في اليمن، وهو ما يجب أن تحذو فرنسا حذوه.
وعلى الرغم من تكرر الانتقادات الدولية والحقوقية وتصاعد وتيرتها، إلا أن العديد من الدول الأوروبية والغربية مُصرة على استمرار تصدير الأسلحة وعقد الصفقات العسكرية مع دول العدوان السعودي على اليمن، وعلى رأس تلك الدول فرنسا وبريطانيا والسويد، وذلك في خطوة مخالفة لقرار البرلمان الأوروبي، في 30 نوفمبر الماضي، والذي يوصي بفرض الحظر على بيع الأسلحة للسعودية، التي يتهمها الاتحاد الأوروبي بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، وقد صوّت لصالح هذا القرار حينها 539 نائبًا، بينما صوّت 13 نائبًا ضده، وامتنع 81 عن التصويت من نواب البرلمان البالغ عددهم 633، لكن هذا القرار لم تلتزم به سوى ألمانيا وبلجيكا وكندا وهولندا.
السعودية تقلل من أهمية السلاح الألماني
القرار الذي اتخذته الحكومة الألمانية قبل نحو شهرين، والخاص بوقف تصدير أسلحة إلى دول العدوان السعودي على اليمن، والذي تم بعد مفاوضات بين التحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة “أنجيلا ميركل”، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، أثار غضب السعودية، وألقى بظلاله على العلاقات الدبلوماسية بينهما بشكل غير مسبوق، ولا يزال هذا الغضب يظهر في تصريحات المسؤولين السعوديين حتى الآن، حيث أعرب وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أمس الجمعة، عن استياء بلاده إزاء وقف صادرات الأسلحة الألمانية للدول المشاركة في حرب اليمن، ووصف وزير الخارجية السعودي قرار الحكومة الألمانية بـ”الغريب”، موضحًا في المقابل أن بلاده غير معتمدة على الأسلحة الألمانية، على الرغم من أن التقارير الدولية أظهرت أن السعودية حلت في المرتبة السادسة بصادرات الأسلحة الألمانية لعام 2017، حيث صدرت برلين أسلحة للمملكة بقيمة 255 مليون يورو.
تقرير – هدير محمود