المشهد اليمني الأول/
حاول موقع «ميدل إيست آي» التعريف بشخصية المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث. فأشار إلى أن الديبلوماسي البريطاني، والذي من المقرر أن يخلف الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ في نهاية الشهر الجاري يرث «إحباطات» راكمها أسلافه حيال الصراع الدائر في ذلك البلد، انعكست في المعارك المتواصلة بين «الحوثيين»، الذين يبدون «متشبثين بمواقعهم»، وقوات «التحالف»، بقيادة المملكة العربية السعودية، «التي لا تظهر علامات للتراجع»، في ظل تفشي الأمراض، والمجاعة.
وتابع «ميدل إيست آي» أن الأمم المتحدة، ومن خلال تعيين الديبلوماسي البريطاني «المخضرم» مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، تعكف على «تغيير التكتيكات المتبعة»، لا سيما وأن غريفيث يدرك أن فشل جولات المحادثات السابقة لم يكن بداعي خلاف أفرقاء الصراع على ملف المساعدات الإغاثية، من أغذية، وأدوية، ووقود، عبر طول خطوط المواجهة، في إشارة إلى الخلفيات السياسية للأزمة اليمنية. ومن بين التكتيكات التي اجترحها المبعوث الأممي العتيد في حل الأزمات الدولية، هي حرصه إلى استحضار قضية الفئات المدنية المعنية بالصراع، من النساء والأطفال وغيرهم إلى طاولة المفاوضات، أسوة بالجنرالات، وأمراء الحرب من الجانبين، وذلك من أجل الوقوف عند ما تعانيه تلك الفئات جراء القنابل، والرصاص.
وفي الإطار عينه، شدد غريفيث، وفي خلال إحدى الاجتماعات داخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك، على ضرورة فصل المحادثات حول وصول فرق الإغاثة إلى داخل اليمن، عن «المعضلات السياسية الكبرى» التي دفعت بـ «أنصار الله»، وجنرالات قوات «التحالف» إلى حمل السلاح، إنطلاقاً من قناعته بأن المفاوضات حول الوضع الإنساني، والوساطة السياسية لحل النزاع، هما «نوعان مختلفان» من المسارات التفاوضية. وقد جاء على لسان غريفيث أنه «يتعين أن يصار إلى إدارة المسارين من قبل شخصيات مختلفة، بحيث لا يجب أن يدمجا معاً».
وتعليقاً على تلك التصريحات، أشار الموقع إلى أن إصرار الديبلوماسي البريطاني على ترتيب الملف التفاوضي وفق الصيغة المقترحة أعلاه، سوف يصطدم حتماً بمعارضة المملكة العربية السعودية، التي تخوض حرباً ضد «الحوثيين»، تزامناً مع عرقلتها وصول المساعدات الإغاثية إلى اليمن، بحراً، وجواً.
ومع الإشارة إلى إدارة المملكة العربية السعودية لمهام إغاثية في اليمن، ذهب «ميدل إيست آي» إلى أن «تسييس ملف الإغاثة جعل الحروب الدائرة في كل من سوريا، واليمن ومناطق أخرى عصية على الحل، على نحو أشد».
وفي هذا السياق، أفادت الباحثة في منظمة «المركز العالمي لمسؤولية الحماية» الحقوقية، آنا سامولسكي، بأنه «من الصعب دوماً تجاهل هذه القضايا (تسييس الإغاثة)، خصوصاً عندما يكون أحد أطراف النزاع يدفع قدماً بأجندتها الإغاثية الخاصة، على غرار ما ينشده السعوديون في اليمن». وشددت سامولسكي على أنه «لا يجدر بالأمم المتحدة أن تعلن دعمها لذلك، لأنه لا يمكن لطرف في النزاع أن يكون إنسانياً، وكذلك لا يمكن أن يكون محايداً»، مشيرة إلى أن ملف تسييس الإغاثة سيشكل «تحدياً صعباً» لمهمة غريفيث.وألمحت سامولسكي إلى أن التصور العام حول مهمة غريفيث، ليس مثالياً، ومبشراً إلى حد بعيد، مضيفة أن صدور قرار أممي جديد «أقل تحيزاً» لصالح «التحالف»، من شأنه أن يمنح الديبلوماسي البريطاني «سجلاً نظيفاً، هو في أمس الحاجة إليه».
بدوره، عبّر كارن روس، وهو ديبلوماسي بريطاني سابق، عن «المخاوف نفسها»، شارحاً أن مهمة المبعوث الأممي الجديد الخاص باليمن، ستصادف عراقيل تتصل بـ«النقص المروع للمرجعيات الأممية» في شأن الأزمة اليمنية، وذلك بالنظر إلى «التورط المخجل» لأعضاء مجلس الأمن الدائمين في استمرار الأزمة، وإطالة أمدها.
وأردف «ميدل إيست آي» أنه، وبرغم «الترسانة الديبلوماسية» التي يستحوذ عليها غريفيث، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«المعهد الأوروبي للسلام» في بروكسيل، فإن ثمة «عائقاً كبيراً» قد يعترض طريق مهمته في اليمن، ويتمثل في صلاته بطاقم وزارة الخارجية البريطانية، المسؤول عن تزويد الرياض بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية في حربها ضد «الحوثيين»، ما «قد يقلل من مصداقيته». كذلك، يمكن القول إن الديبلوماسي البريطاني، والذي يملك خبرة في إدارة وحل النزاعات الدولية، «يعمل بشكل أفضل خلف الأبواب الموصدة»، إلا أنه يبادر أحياناً إلى الكشف عن بعض «مكنونات أسلوبه التفاوضي». ففي أغسطس من العام 2016، وفي خلال فترة عمله في سوريا، كتب في موقع قناة «الجزيرة»، الناطقة بالإنكليزية، يقول: «إن عمليات السلام ليست مسارات ذات بنى، وتصاميم نموذجية. يتعين على الوسطاء أن يغتنموا الفرص حال توفرها. كما أن هناك تكتيكاً آخر يشمل إعطاء صوت للمدنيين، الذين يعانون، بشكل يدفع قادة الطرفين إلى التفكير مرتين (حيال أفعالهم ضد هؤلاء المدنيين). إن حكم منطقة معينة يترتب عليه مسؤوليات، فيما لا يعد الركون إلى الحس الوطني السليم ملاذاً أخيراً، بقدر ما يعد وسيلة قوية و ناجعة».
هذا، ونقل «ميدل إيست آي»، عن شتاين ليمان لارسن، وهو أحد الزملاء المساعدين لغريفيث، قوله، إن الأفكار الواردة أعلاه «قد تم وضعها موضع التنفيذ في ملف اليمن، حيث سبق لفريقه، وبدعم من الإتحاد الأوروبي، بإبراز أصوات المدنيين اليمنيين، لا سيما منظمة (نساء جنوبيات من أجل السلام)»، لافتاً إلى أن عملهم في تلك الفترة انصب على «نسج روابط بين تلك الهيئات والمنظمات، وبين الأطر الحكومية والمؤسساتية الرسمية»، إلى جانب العمل على «توسيع نطاق مشاركة الجهات المعنية». وأعرب ليمان، في حديث إلى «ميدل إيست آي»، عن ثقته بنجاح غريفيث في «تطوير استراتيجيات عمل مشابهة، ومثيرة للاهتمام»، وفي «معالجة القضايا من زوايا مختلفة» في عمله الجديد، كالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، معتبراً أن غريفيث سيكون ديبلوماسياً أممياً «لا يمكن استبداله». كذلك، أورد الموقع إشادة المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان لوجاريك، بغريفيث بالنظر إلى “خبرته الواسعة في المفاوضات، وحل النزاعات، ومهام الوساطة والشؤون الإنسانية”.
وفي محاولة لاستعراض أبرز المناصب التي تولاها غريفيث، تحدث تقرير “ميدل إيست آي” عن تولي الديبلوماسي البريطاني “مناصب عليا في العمل الإغاثي” في الأمم المتحدة، في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب توليه إدارة “مركز الحوار الإنساني” في جنيف بين عامي 1999 و2010. ومع الإشارة إلى المناصب التي تقلدها غريفيث في وزارة الخارجية البريطانية، إضافة إلى عدم اجادته التحدث باللغة العربية، لفت التقرير إلى أن “الحوثيين سيتعاملون بحذر” مع المبعوث الأممي الجديد الخاص باليمن، لا سيما وأن بلاده “توفر الأسلحة ، والغطاء الديبلوماسي” للرياض في الأمم المتحدة.