المشهد اليمني الأول/
تحت عنوان «مخاطر تجاهل (الوضع) في اليمن»، إنتقدت مجلة «ناشونال انترست» مقاربة الإدارة الأمريكية لحرب اليمن، داعية واشنطن إلى «الإقلاع عن التزام الصمت المطبق تجاه معظم أخطاء المملكة العربية السعودية» في ذلك البلد، والعمل على «استخدام تأثيرها الملحوظ لدى السعوديين من أجل إقناعهم باتخاذ الاحتياطات اللازمة»، بما يساعد على تخفيف حصيلة الضحايا المدنيين، ومنع تفاقم الأزمة اليمنية.
ولفتت المجلة الأمريكية، إلى وجود مصلحة أمريكية – سعودية مشتركة في «منع الحوثيين من تحقيق الانتصار في اليمن»، وفي «إرساء السلام في اليمن تحت قيادة هادي»، مشيرة إلى تصاعد وتيرة الدعم الأمريكية لـ «التحالف»، الذي تتزعمه الرياض هناك، في خلال عهد إدارة ترامب، حيث وافقت الأخيرة على عقد صفقة أسلحة مع المملكة العربية السعودية بقيمة 110 مليار دولار، فضلاً عن تكثيف تعاونها اللوجستي مع سلاح الجو السعودي، بغية «تعزيز غاراته (الجوية) ضد الحوثيين».
ومع ذلك، توقفت «ناشونال إنترست» عند «الأضرار الجانبية» التي لحقت باليمن، على وقع غارات «التحالف»، معتبرة إياها «سبباً جدياً للقلق» حيال الأوضاع في ذلك البلد، لا سيما وأنها تسببت في معاناة سبعة ملايين يمني من المجاعة، ومقتل العديد من الضحايا المدنيين.
كذلك، «ثمة دلائل متزايدة تفيد بأن المملكة العربية السعودية، تعمدت استهداف البنية التحتية بهدف خلق أزمة انعدام الأمن الغذائي داخل المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين»، من ضمنها أسواق تجارية، ومنشآت تخزين الأغذية، ومزارع، فضلاً عن تدمير أكثر من مئتي قارب صيد خلال الحملة الجوية التي يقودها «التحالف» منذ مارس من العام 2015. وأردفت المجلة أن «الإستراتيجية السعودية الرامية إلى تجويع الحوثيين من أجل إخضاعهم، تركت اليمن في أوساط البلدان التي تعاني من حالة انعدام الأمن الغذائي» على صعيد العالم، دون وجود مؤشرات في شأن اقتراب الصراع اليمني من نهايته.
وأكملت «ناشونال انترست» بالإشارة إلى أن «التداعيات السلبية» لأداء المملكة العربية السعودية في اليمن، «تتجاوز الهواجس الإنسانية الملحوظة»، وتتصل بأبعاد أمنية لا تقل أهمية. فتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب، عزز من نفوذه بشكل كبير على مدى سنوات الحرب الأهلية»، إثر «تركيز المملكة معظم جهودها العسكرية في مهاجمة الحوثيين، وذلك على حساب استهداف التنظيم الإرهابي». كذلك، أرجعت المجلة تنامي نفوذ الجماعة المتطرفة إلى «عمليات نقل الأسلحة من قبل السعوديين لصالح عدد من الميليشيات السنية التابعة لتنظيم القاعدة داخل اليمن، ما نجم عنه، بطبيعة الحال، وقوع العديد من تلك الأسلحة في أيدي عناصر الجماعة».
وشددت «ناشونال انترست» على أن «التكتيكات العدوانية» المتبعة من قبل الجيش السعودي، «دفعت بالعديد من اليمنيين إلى تصوير السعوديين، كقوة إستعمارية مزعزعة للاستقرار داخل بلدهم»، وأدت إلى «تعزيز قدرة تنظيم القاعدة على التجنيد في كافة أرجاء الجزيرة العربية». وحذرت المجلة من أنه «كلما طال أمد الصراع، كلما ازداد الضرر اللاحق بالمدنيين من قبل السعوديين، وكلما كان خطر إنبعاث تنظيم القاعدة من جديد، وتوسيع قاعدة تواجده في الجزيرة العربية أكبر».
ولفتت «ناشونال انترست»، إلى أن التدخل السعودي في اليمن، لم ينجح في إحداث «زخم إيجابي» يذكر على صعيد إنهاء الصراع الدائر هناك. فاليمن، وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات تقريباً على بدء الحرب، «بات أشد انقساماً في الوقت الحالي، مما كان عليه حين دخل التحالف على خط الصراع» بين الأفرقاء اليمنيين، كما بدا من مشهد الإشتباكات الأخيرة في مدينة عدن. كذلك، ومع توجه المجتمع الدولي لدعم محادثات سلام مرتقبة بين هؤلاء الأفرقاء داخل عمان، «لا يظهر الحوثيون أي علامات على أنهم قريبون من الهزيمة»، مع احتفاظهم بقوتهم (على طاولة المفاوضات)، كما كان عليه الحال إبان جولات المفاوضات السابقة، في حين تبدو الحملة العسكرية التي تتولاها حكومة هادي لاستعادة صنعاء، «تراوح مكانها إلى حد كبير».
هذا، وشددت «ناشونال انترست» على أنه «يتعين على الولايات المتحدة أن تباشر بممارسة الضغوط على الحكومة السعودية، سواء في السر، أو في العلن»، وذلك بغية «حثها على تغيير تكتيكاتها في اليمن»، و«تلافي وقوع ذلك البلد في مزيد من الفوضى»، مستبعدة قيام الرياض بوقف حملتها الجوية هناك، مع ترجيح استجابتها للضغوط الدولية في ما يخص تخفيف إجراءات الحصار المفروض على جارها الجنوبي، لا سيما الأمريكية منها. وذهبت المجلة إلى أن ربط واشنطن دعمها للرياض، مقابل تغيير الأخيرة لتكتيكاتها بشكل يساعد على تقليص حجم الخسائر في صفوف المدنيين، «من شأنه أن يعطي المملكة العربية السعودية دافعاً كبيراً من أجل تغيير سلوكياتها»، لأن استكمال الرياض حملتها الجوية في اليمن، بغياب الدعم الأمريكي، سوف يكون «أكثر صعوبة».
وتابعت «ناشونال انترست»، أن «التوترات الأخيرة» بين السعودية والإمارات، بخاصة تلك المتعلقة بتفاوت تصوراتهم لحل الأزمة اليمنية، «تمثل فرصة مثالية» للإدارة الأمريكية من أجل دفع السعوديين لتغيير تكتيكاتهم، مشيرة إلى أنه «بات من الواضح على نحو متزايد، أن الأعضاء البارزين في التحالف لديهم القليل من القواسم المشتركة في شأن اليمن، بعيداً عن نظرتهم العدائية المشتركة إزاء الحوثيين، والخوف من التأثير الإيراني». وبحسب المجلة، فإن «الظروف (الإقليمية) الحالية تركت المملكة العربية السعودية أكثر إحباطاً من أي وقت مضى، في ما يخص مساعيها نحو حلفاء ثابتين في الصراع (اليمني)، على نحو أجبرها على إعادة النظر في استراتيجيتها الشاملة في اليمن».
ختاماً، وفي سياق تحذيرها من مغبة استمرار واشنطن في تجاهل الوضع في اليمن، أكدت المجلة أنه حان الوقت كي تبادر إدارة ترامب إلى استخدام «نفوذها الواسع» لدى السعوديين، قبل أن تتدهور الأوضاع في ذلك البلد نحو مزيد من الفوضى، وانعدام الاستقرار.