المشهد اليمني الأول/
شهر يفصلنا عن دخول العدوان السعودي على اليمن عامه الرابع، وبين سنوات العدوان دماء مدنيين أبرياء وتدمير وأسوأ كارثة إنسانية ينطبق عليها اسم «كارثة العصر»، التي حلت بالشعب اليمني نتيجة مغامرة سعودية رعناء، فشلت وفشل معها المتآمرون والداعمون لخطوات العدوان من جهة، ومن جهة أخرى حددت الأدوار بدقة فلم تعد هناك أحجية يجب البحث عن حلها وفك رموزها، فالمسرح اليمني كشف القصة الحقيقية في البحث عن السيطرة والنفوذ وعرى أيضاً مزاعم الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان.
أحد الأدوار التي كشفت بدقة في اليمن الدور البريطاني الداعم الأكبر للعدوان إلى جانب الأمريكي والضالع في كل ما حلّ باليمن من الألف إلى الياء من خلال مواصلة إمداد العدوان بالأسلحة عبر مزيد من الصفقات، وعلى ما يبدو فإن اليد البريطانية توغل أكثر في الدم اليمني وتتعامى عن حقيقة العدوان وجرائمه، كان ذلك واضحاً في النكتة السمجة التي أقدمت عليها بريطانيا بمقترح تقدمت به إلى مجلس الأمن لإصدار بيان «يشيد» بتعهد السعودية والإمارات بتقديم نحو مليار دولار لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في اليمن، كما يذهب المقترح إلى حدّ تجهيل هوية من يفرض الحصار على اليمن.
تعنت بريطاني واضح وانحياز فاضح لأسوأ منتهكي حقوق الإنسان- السعودية والإمارات- إذ لم تقل لنا بريطانيا كيف يمكن لمن دمّر الاقتصاد اليمني وأهلك شعبه أن يعود وينقذه؟، وكيف لمن صنع وأنتج الأزمة عن سابق تصميم أن يخفف من وطأتها؟، وكيف لمن يدخل في قائمة الاقتصادات الأكثر بؤساً لهذا العام أن يسهم بذاك المبلغ؟, فلا تعدو المحاولة البريطانية سوى أنها ضحك على اللحى، فالقاصي والداني يدرك من يفرض الحصار على الشعب اليمني، ويدرك أن قوى العدوان سبب الأزمة الإنسانية.
إذاً كيف يفهم المقترح البريطاني؟ يفهم كونه، أولاً: سعياً بريطانياً لتلميع صورة النظام السعودي والتستر عليه أمام الشعب البريطاني تمهيداً لتقبله زيارة ولي العهد محمد بن سلمان للمملكة المتحدة المقررة الشهر القادم والتي تأجلت سابقاً بسبب مطالب بمنع الزيارة ترافقت مع تظاهرات رافضة لها، ثانياً: سعياً بريطانياً لتسجيل موقف لها يبدو ظاهرياً أنه لحلحلة الوضع في اليمن، لكنه يحمل بين طياته تأييداً واضحاً للرياض في عدوانها على اليمن ومواصلته، ويمكن أن نستشف ذلك بتعيين مبعوث بريطاني جديد لليمن لن تكون مهمته سوى تنفيذ الأوامر البريطانية ومن ورائها السعودية، أما البحث عن حل سياسي للأزمة اليمنية أو إنهاء العدوان فهو ليس في الجدول البريطاني ما دامت هناك قدرة ومجال لاستنزاف قوى العدوان، وإلا كان الأجدى أن يكون المقترح لبحث خطوات لإيقاف العدوان، بدلاً من القفز فوق الحقائق والإتيان بمقترحات منمقة لن يكون لها وجود حقيقي، فاللعبة والتواطؤ البريطاني مكشوفان.
الهزيمة السعودية في اليمن مُرّة وحقيقة يصعب اعتراف العدوان بوقوعها، ورغم الدعم الغربي الأمريكي للعدوان، لكن على الأرض في الميدان مرتزقة العدوان تقف وحدها تتلقى الهزائم، والنظام السعودي يتهرب من الاعتراف بما يجري ويتعامى عنه بتحويل الاتجاه والبوصلة دائماً إلى ما يسمى «الخطر الإيراني» وهو ما كان من وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير في مؤتمر ميونيخ للأمن حين «راح يكيل الاتهامات الباطلة والوقحة ضد إيران بارتكاب الكثير من الأعمال الإرهابية في العالم»، متستراً على حقيقة المنشأ السعودي للإرهاب، والعدوان السعودي على اليمن أحد أوجه ذاك الإرهاب.
مناورة بريطانية جديدة ومراوحة في المكان، بينما وُحُول اليمن تبتلع مرتزقة العدوان، وحفاته يسجلون الانتصارات ويغيّرون المعادلات ويسطرون البطولات مذكرين بأن أرضهم كانت وستبقى مقبرة للغزاة.
هبا علي أحمد – تشرين