عندما يَصِفْ نتنياهو “صَفقة الغاز” مع مِصر بأنّها يَوْمْ “عيد” و”تاريخي” فهذا يَعني أن التَّطبيع الاقتصادي حَقَّقَ اخْتراقًا غير مَسبوق
985
المشهد اليمني الأول/ رأي اليوم
من شاهَد علامات البَشاشة والفَرحْ المُرتَسِمة على وَجه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو يُعْلِن أنباء التوصّل إلى اتّفاقٍ بتَصدير بِلاده 64 مِليار مِتر مُكعّب من الغاز الطّبيعي إلى مِصر لمُدَّة عشر سنوات، وبِقيمة تَصِل إلى 15 مليار دولار، يُدْرِك جيّدًا أهميّة هذه الصّفقة بالنِّسبة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومَع الدَّولة العربيّة الأكبر والأكثر أهميّة استراتيجيّة.
نتنياهو كان مُحِقًّا عندما وَصفها بأنّها لحظة تاريخيّة، ويوم عيد بالنِّسبة إلى إسرائيل، لأنّها تَعني تَدفّق المِليارات إلى الخَزينة الإسرائيليّة وسيَتم إنفاقها على الصحّة والتعليم، وخَلْق الوَظائف وتَحسين الظُّروف المعيشيّة للمُواطن الإسرائيلي.
هذهِ صفقةٌ سياسيّةٌ أكثر مِنها اقتصاديّة، وتُشكِّل قَفزة في تَطبيع العلاقات بين البَلدين، وقد تُصبِح جِسرًا لتَسويق الغاز الإسرائيلي، أو الفِلسطيني المَسروق بالأحرى، إلى العَديد من الدول العربيّة عبر البوابة المِصريّة، فنحن لا نَعرِف إلا النذر اليسير من تفاصيلِها غير المُعْلَنة.
مِنطقة الدلتا المِصريّة تَسبح على مُحيط من الغاز الطبيعي، وشركة “ايني” الإيطاليّة التي اكْتشفت حقل الغاز (ظَهر في البحر المتوسط عام 2015)، أكّدت أن إنتاجه سيَصل إلى مِليار مِتر مُكعّب في شهر حزيران (يونيو) المُقبل، ممّا يعني أن مِصر تستطيع الاعتماد على موارِدها من الغاز، وحتى إذا واجهت نَقصًا، فإنّها تستطيع الحُصول على احتياجاتِها من دُول غير إسرائيل مثل قبرص والجزائر وإيران وليبيا، طالما أن المُتحدّثين الرسميين المِصريين يُصرّون على الطَّابَع الاقتصادي لهذهِ الصّفقة، ومن المُؤكّد أن دُولاً عربيّة وإسلاميّة ستُقدّم عُروضًا أرخص لمِصر.
السيد عبد الصمد العوضي، الخبير العربي والدولي المُتخصّص في شُؤون النفط والغاز، أكّد لـ”رأي اليوم” “أن الجانِب الأهم في هذهِ الصَّفقة أن مِصر ستُساعِد إسرائيل على التخلّص من فائِض الغاز الطبيعي لديها لأنّها تُواجِه صُعوباتٍ سياسيّة واقتصاديّة في تَصديره إلى أوروبا”.
وأكّد السيد العوضي الذي مثّل بِلاده، الكويت، لأكثر من عشر سنوات في مُنظّمة “أوبك”، “أي أنبوب غاز إسرائيلي إلى أوروبا سيَحتاج بناؤه إلى ثماني سنوات، وسيَبْلُغ طُوله 2200 كيلومتر، وسَيُكلّف حواليّ 7 مليارات دولار، بالمُقارنة مع نِصف مِليار دولار تَكلفة خَط الأنابيب إلى مِصر”.
وكشف السيد العوضي “أن مِصر بنت وحدات لتسييل الغاز الإسرائيلي بالتَّعاقد مع شركة “شل”، وكان الهَدف من بنائِها هو تَصدير الغاز المِصري إلى أوروبا، ولكن الإنتاج المِصري من الغاز تراجع في السَّنوات السِّت الماضية، وهذهِ الوَحدات مُكلِفة جدًّا، ومن غَير المُستبعد أن يتم تشغيلها لتَسييل الغاز الإسرائيلي، وإعادة تَصديره على أنّه غاز مِصري إلى دُولٍ عَربيّة، مِثل المملكة العربيّة السعوديّة التي تُعاني من نَقص الغاز”.
رَدْ الفِعل المِصري الرسمي الوحيد الذي صَدر تُجاه هذهِ الصَّفقة جاء على لِسان مُتحدّث باسم وزارة البترول، وتَلخَّص في بِضع كلمات “لا نُعلّق على صفقات يَعْقِدها القِطاع الخاص”، حتى لكأنّه يُمثِّل وزارة البترول في دولة مِثل النرويج أو السويد.
شركة “دولفنوز” المِصريّة التي وَقّعت هذا العَقد مع نَظيرتها الإسرائيليّة، “ديليك” لا يُمكِن أن تُقدِم على هذهِ الخُطوة إلا بِضُوءٍ أخضر من السُّلطات المِصريّة، وعلى أعلى المُستويات فيها.
لم نَكُن نَتصوّر أن نعيش يومًا تَستورِد فيه دُول مُواجهة مِثل مِصر والأُردن الغاز الطبيعي العَربي الإسلامي المَسروق من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتَضخْ مِليارات الدولارات في الخَزينة الإسرائيليّة، يُمكِن إنفاقها في مجال التَّسليح تمهيدًا لشَنْ حُروب ضِد دُولٍ عَربيّة وإسلاميّة، إنّه زَمنٌ رَديءٌ بِكُل المَقاييس.