المشهد اليمني الأول/
ما هي الحالة الحقيقية لعلاقات (إسرائيل) مع المملكة العربية السعودية؟ وما هو كم الادعاءات المبالغة حول دفء العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن يدفع تجاه الترويج لذلك؟ وماذا لو كان العائق الحقيقي بين البلدين ليس مجرد القضية الفلسطينية، ولكن شيئا أكثر خطورة؟
ويعتبر التيار السائد في الإعلام – الآن – هو تغطية العلاقات بين السعودية و(إسرائيل). وفي الآونة الأخيرة، اقترح أن أحد العناصر الرئيسية أنّ المقاطعة العربية لـ(إسرائيل) في طريقها للنهاية، بعد أن ظهرت تقارير حول السماح بمرور الرحلات الجوية من وإلى (إسرائيل) – من قبل طيران الهند – فوق المجال الجوي السعودي، على الرغم من إنكار ذلك رسميا من قبل هيئة الطيران المدني في المملكة.
وقبل ذلك، كانت هناك قصة عن زيارة سرية مزعومة لـ (إسرائيل) من قبل ولي العهد السعودي. وفي كنيس في مدينة نيويورك، تم اجتماع عام بين الأمير «تركي بن فيصل آل سعود» – مدير المخابرات السعودية سابقا – و«إفرايم هاليفي» – مدير الموساد سابقا – بالإضافة إلى إجراء مقابلة حصرية مع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية «غادي آيزنكوت» لصالح صحيفة «إيلاف» السعودية المملوكة للقطاع الخاص.
فما الذي نعنيه من كل هذه القصص، ولماذا يتم نشرها الآن؟
وما يبدو أنه لا جدال فيه هو أن هناك فعلا دفء في العلاقات بين (إسرائيل) وبعض دول الخليج؛ فهناك علاقات تجارية، ويعبّر المدونون السعوديون عن إعجابهم بـ(إسرائيل)، وهو ما كان محظورا قبل ذلك.
ومع ذلك، فإن العديد من الشائعات الأكثر انتشارا في الصحافة هي – في أحسن الأحوال – توقعات دون أدلة، وهي بالتأكيد لا تعني أن (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية على وشك إقامة علاقات دبلوماسية.
وعلى السطح، لا تزال العقبة الرئيسية هي نفسها، ألا وهي النزاع الإسرائيلي غير المبرر مع الفلسطينيين.
وأوضح الأمير «تركي» – بما في ذلك ما كتبته نقلا عنه «هآرتس» عام 2014 – أن (إسرائيل) يجب أن تتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية بين (إسرائيل) والمملكة.
وقد تكرر هذا الموقف بشكل متكرر من قبل وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» – بما في ذلك مقابلة أجراها مع صحيفة فرنسية في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي – عندما قال إن فكرة وجود أي طريق آخر غير التطبيع مع (إسرائيل) «مجرد هراء».
وقد نشر الأمير «تركي» مقالا – بالعربية والإنجليزية – انتقد بشدة الرئيس «ترامب»؛ وذلك لاعترافه من جانب واحد بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل). وقد نشر الديوان الملكي السعودي بيانا فور الإعلان أدان فيه القرار. وقد صوتت السعودية لصالح القرارات التي تدين هذا الاعتراف في جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي، وفي الأمم المتحدة.
وكثيرا ما يقال إن (إسرائيل) والسعودية لهما مصلحة مشتركة في احتواء طموحات إيران للهيمنة في المنطقة، وأن الخوف من الهيمنة الإيرانية – إلى جانب وجود ولي العهد السعودي الجديد – يغذي العلاقات السعودية – الإسرائيلية.
وفي الواقع، تطوع رئيس أركان (إسرائيل) بالقول إن (إسرائيل) «مستعدة لتبادل الخبرات والمعلومات الاستخباراتية مع السعودية وغيرها من الدول العربية المعتدلة لمواجهة إيران».
ولكن سيكون من المفيد الإبقاء على بعض التشكك في بعض هذه القصص. وتقول وسائل إعلام سعودية إن نشر قصص حول «تعاون» الرياض مع (إسرائيل) يهدف لتقويض القضية الفلسطينية.
وقال الكاتب السعودي «عبد الرحمن الراشد» إنه «لا يوجد منطق سياسي في منع الطائرات المدنية في العالم من عبور المجال الجوي السعودي، باستثناء 3 دول، هي (إسرائيل) وقطر وإيران».
فما هو سر اهتمام (إسرائيل) بتعزيز هذا السرد؟ يبدو من الممكن جدا أن يكون لـ (إسرائيل) مصلحة أكبر من المملكة في إقامة علاقات وثيقة لاحتواء إيران، وتريد من ذلك المبالغة في مدى علاقتها بالرياض.
وتهدف هذه المبالغة إلى تعزيز الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» لحصول (إسرائيل) على اعتراف إقليمي قبل إجراء أي مفاوضات مع الفلسطينيين. وكما قال أحد المعلقين الإسرائيليين، كان نتنياهو يأمل في «تقارب (إسرائيل) الوليدة مع بعض الدول العربية السنية، ما قد يؤدي – في النهاية – إلى ضغط تلك الدول على الفلسطينيين لإبرام التنازلات المطلوبة للتوصل إلى اتفاق سلام».
ومع ذلك، فإن المصلحة المشتركة في احتواء إيران، والقضية الفلسطينية، لا تروي القصة الكاملة لعلاقة الشد والجذب بين المملكة و(إسرائيل).
العقبة الحقيقية
والعقبة الحقيقية بين البلدين ليست مجرد القضية الفلسطينية. بل العامل الأكبر في تلك العلاقة – وهو ما لا يذكر كثيرا – هو السعي السعودي نحو امتلاك الطاقة النووية.
وتقاتل (إسرائيل) – حاليا – في معركة سياسية في واشنطن لمنع الولايات المتحدة من السماح للرياض بتطوير برنامجها الخاص بالطاقة النووية، الذي يسمح لها بتخصيب اليورانيوم الذى يمكن استخدامه لتطوير قنبلة.
ولدى (إسرائيل) سبب وجيه للقلق. ووفقا للتقارير، قد تكون إدارة «ترامب» على استعداد لخفض بعض الضمانات التي تمنع الشركات الأمريكية من تبادل التكنولوجيا النووية الحساسة مع السعودية خوفا من استخدامها في تطوير الأسلحة. وقد لا تصر هذه الإدارة على نفس الاحتياطات التي فعّلها «أوباما» في اتفاقه للتعاون النووي مع أبوظبي، والذي أسقط حقها في تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم.
ولا تتخلى المملكة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة عن مطالباتها بإثراء اليورانيوم (مرحلة أقل من التخصيب) في إطار برنامجها النووي المدني المخطط له، وذلك باستخدام الأسس المنطقية لظروف خطة العمل الشاملة المشتركة التي سمحت فيها لإيران بإثراء اليورانيوم. وقد أوضح الأمير «تركي» – أكثر من مرة – أنه في حالة حصول إيران على أسلحة نووية، فإن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى سوف تنظر في جميع الخيارات المتاحة لمواجهة التهديد المحتمل، بما في ذلك حيازة الأسلحة النووية.
ويعد العائق الوحيد أمام المملكة هو الكونغرس الأمريكي، لأن هذا هو المكان الذي يوجد فيه لـ (إسرائيل) أصدقاء مؤثرين. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإدارة «ترامب»، يمكن للكونغرس إما أن يعرقل الصفقة أو يضيف بنودا تمنع الولايات المتحدة من بيع التكنولوجيا اللازمة لتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم إلى السعودية.
ومن الممكن جدا أن ترسل (إسرائيل) – من خلال حملتها الإعلامية – إشارة إلى الرياض بأنها تفهم رغبة المملكة في الردع النووي فيما يتعلق بإيران، ولكن هناك ثمن قد يُدفع لـ (إسرائيل) لتخفيض مستوى أعمالها المباشرة وغير المباشرة المعارضة في الكونغرس ضد قدرة نووية سعودية مستقلة.
القدس مقابل النووي
وما يبدو أن (إسرائيل) تود أن تقوله للمملكة – من خلال مجموعة متنوعة من بالونات الاختبار – هو أنه إذا كانت الرياض تريد مساعدة (إسرائيل) في الحصول على الدعم من الكونغرس، فإن (إسرائيل) تريد شيئا في المقابل، ألا وهو القدس، وحقوق الطيران للطائرات الإسرائيلية فوق السعودية، والتعاون العسكري المباشر، وتبادل الاستخبارات، والصفقات التجارية المربحة للشركات الإسرائيلية في المملكة، وما إلى ذلك.
ومن المؤكد أنّ نشر قصص عن علاقة (إسرائيل) الوثيقة مع المملكة، والتي تضخمت بعد ذلك عبر تكتلات وسائل الإعلام في قطر وإيران، هي إحدى الطرق لضمان تلقي الرسائل بصوت عال وواضح.
ومن المرجح أن تكون السعودية قد توقعت أن الكونغرس يمكن أن يشكل أمامهم المتاعب كما فعل من قبل.
لكن هذه المرة قد تكون الأمور مختلفة، وهذه التغييرات قد تمس استراتيجية (إسرائيل).
وقد يساعد الاتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة على دعم الصناعة النووية الأمريكية المريضة، وقد يكون له فوائد أوسع للشركات الأمريكية. وعلاوة على ذلك، لا تملك الولايات المتحدة احتكار التكنولوجيا النووية.
وقد زار ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» موسكو بالفعل، ووقع اتفاقيات مع روسيا لبناء 16 مفاعلا نوويا بحلول عام 2030. ولدى المملكة – بالفعل – تفاهمات تتعلق بالطاقة النووية مع الصين وفرنسا وباكستان وكوريا الجنوبية والأرجنتين. وقد اقترح أحد الخبراء احتمال مساعدة باكستان للمملكة، من خلال تزويد الرياض بالمعدات الحساسة والمواد والخبرات التي من شأنها أن تساعد الرياض على الإثراء أو المعالجة.
كما تقوم الرياض بتوسيع البحوث في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وتعمل على تطوير كادر من العلماء النوويين. وتعدّ المملكة موطنا لرواسب اليورانيوم الكبيرة، التي يمكن استخراجها بوجود التكنولوجيا المناسبة.
ومن الواضح أن الرياض تفضل العمل مع واشنطن ودعمها في تطوير برنامجها للطاقة النووية ضمن قواعد معاهدة عدم الانتشار العالمية، بدلا من تطوير البرنامج سرا بمساعدة دول أخرى. وتشعر (إسرائيل) بهذا، وسوف تكون على استعداد لمساعدة الرياض، ولكنها ستضع في المقابل لذلك سعرا مرتفعا.
وسوف تفضل (إسرائيل) تحالفا سريا مع السعودية لاحتواء إيران، على سماح الولايات المتحدة للرياض بتطوير رادع نووي مستقل. ولكن (إسرائيل) تعمل على الاستعداد لكلا الاحتمالين.
ولكن إذا انفجرت الأمور بين إيران و«ترامب»، واكتسبت طهران القدرة على تطوير سلاح نووي، فلا ينبغي لأحد أن يقلل من عزم الرياض على الدفاع عن نفسها.