المشهد اليمني الأول/ تقرير – عبدالله الأيوبي
منذ اليوم الأول لشروع الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العديد من الدول وفي مقدمتهم المملكة المتحدة، في فرض حصار خانق على العراق والإصرار على استمراره حتى بعد إنجاز عملية تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي وإفراغ العراق من أي صنف من أصناف أسلحة الدمار الشامل ووسائل تصنيعها ونقلها (شماعة الجريمة والغزو)، وصولا إلى شهر مارس من عام 2003 حين نفذت الولايات المتحدة الأمريكية جريمة غزو العراق خارج نطاق الشرعية الدولية ورغم المعارضة الأممية الواسعة لهذه الجريمة حتى من حلفائها الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا، فإن الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الأمريكية تجاه هذا البلد العربي هو إعادته عشرات السنين إلى الوراء وتدمير كل مقومات النهضة التعليمية والصحية والعلمية التي بناها على مدى عدة عقود وهذا ما تحقق بالفعل حيث نجد العراق يرفل إلى يومنا هذا بالكم الهائل من الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية والاجتماعية، بل والدينية كذلك.
معرفة الهدف الأمريكي من وراء محاصرة العراق وإنهاكه على مدى أكثر من ثلاثة عشر عاما من الحصار الخانق المتواصل وشل قدرة الدولة العراقية على إدارة شؤون مواطنيها وبسط سيطرتها على حدودها الجغرافية السيادية، لا يحتاج لاجتهاد خبراء في علم السياسة والاقتصاد والاجتماع، وغير ذلك من الميادين والحقول، فالنتائج التي أسفرت عنها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العراق تؤكد ذلك، ومن هنا لم يكن غريبا ولا مفاجئا تنصل الولايات المتحدة من المساهمة في تمويل مشاريع إعادة إعمار العراق وهي المهمة التي من أجلها استضافت دولة الكويت هذا الأسبوع مؤتمرا مخصصا لإعادة إعمار بلاد الرافدين.
من دون أدنى درجة من الخجل يجاهر عدد من المسؤولين الأمريكان برفض مشاركة بلادهم في تمويل إعادة الإعمار في العراق، وهي الدولة المسؤولة بالدرجة الأولى عن تحمل تكاليف هذه العملية كونها الدولة التي شرعت في تدمير العراق من خلال عملية الغزو التي نفذتها في شهر مارس من عام 2003 وأدخلت من خلالها العراق في دوامة تدمير شاملة أتت على جميع مقومات الحياة في هذا البلد، بل وأدت إلى تجزئة العراق عرقيا ودينيا ومذهبيا، حيث عانى العراق خلال السنوات التي تلت الغزو حتى يومنا هذا من حالة عدم استقرار أمني واقتصادي واجتماعي وكان على شفا الانزلاق في حرب أهلية طاحنة بسبب انتشار الإرهاب في كافة ارجاء ربوعه والذي ما كان ليحدث لو لم تنفذ أمريكا جريمة غزوها وتدمر أجهزة الدولة العراقية وفي مقدمتها الجيش وقوى الأمن.
فأمريكا ليست فقط تتحمل العبء الأكبر من مسؤولية إعادة إعمار العراق ودفع تكاليف هذا المشروع، وإنما هي المسؤول الأول عن ذلك لأنها هي من قاد عملية التدمير وخرقت جميع المواثيق والقوانين الدولية وفي مقدمتها تحريم انتهاك السيادة الوطنية للدول، فمهما تذرعت أمريكا وقدمت من الحجج لتبرير جريمة غزوها، وفي مقدمتها استهداف ما اسمته بأسلحة الدمار الشامل العراقية، فإنها أخفقت في تقديم دليل واحد يبرر هذه الجريمة، بما في ذلك «الدليل» الذي رفعه وزير الخارجية آنذاك كولن باول أمام اجتماع مجلس الأمن الدولي قبل الشروع في عملية الغزو.
نعم، هناك دول أخرى تتحمل المسؤولية الأخلاقية فيما يتعلق بإعادة إعمار العراق بسبب مشاركتها في جريمة غزوه، ولكن هذه الدول كلها ما كانت لتقدم على هذه المشاركة لو لم يكن هناك ضغط أمريكي كبير عليه لإضفاء الطابع الجماعي على العملية العسكرية وعدم إظهار أمريكا وحيدة في تنفيذ جريمة الغزو، لكن هذه المشاركة من جانب عديد من الدول لا تشفع لأمريكا ولا تعفيها من تحمل المسؤولية المادية، وقبلها الأخلاقية، لمساعدة العراق على تضميد الجروح الغائرة التي أحدثتها تلك الجريمة النكراء، وهي جروح تحتاج إلى عقود كثيرة لمداواتها وتطبيبها، فالخسائر الكبيرة التي لا تعوض لا تكمن فقط في ضخ الأموال وإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرت، وإنما في إعادة ترميم النسيج الاجتماعي العراقي الذي أصيب بتهتكات شديدة وخطيرة جدا.
ومثلما ساهمت أمريكا بالقسط الأكبر من القوات والقدرات في إنجاز جريمة الغزو، وبالقدر الذي مارسته من ضغوط على حلفائها وأصدقائها لدفعهم للمشاركة، وفق إمكانيتهم وقدراتهم في ذلك، فإن واشنطن تستطيع أن تقوم بالدور نفسه فيما يتعلق بإطلاق عملية إعادة إعمار العراق، فهي التي يجب أن تقود هذه العملية وأن تتصدر قائمة الدول التي تشارك في إعادة الإعمار وتموله، فما تصرفه أمريكا على حروب تدمير الدول ومستقبل الشعوب، كفيل ليس بإعادة إعمار العراق فقط، وإنما حل المشاكل المعيشية والاقتصادية للعديد من الدول والشعوب الفقيرة، وبعضها، بالمناسبة، لم يسلم من مشاريع التخريب والتدمير الأمريكية، كما يحصل الآن في سوريا وليبيا وغيرها من الدول الآسيوية والأمريكية.
فليس هناك أي مبرر أخلاقي يعطي الولايات المتحدة الأمريكية العذر في عدم المساهمة، والكبيرة أيضا، في عملية إعادة إعمار العراق، ناهيك عن وجود أساس قانوني يلزم الحكومة الأمريكية بتحمل مسؤولية ما آلت إليه أعمالها غير الشرعية وغير القانونية، فالعراق لم يعتد على الولايات المتحدة، والإدارة الأمريكية التي نفذت جريمة الغزو لم تحصل على قرار من مجلس الأمن الدولي يجيز هذه العملية لأنها فشلت في إثبات وجود أي تهديد عراقي للسلم العالمي في ذلك الوقت، وبالتالي فإن جميع أركان الجريمة مكتملة بحق الفعل الأمريكي ومن هنا لا مجال للحديث عن أخلاقية ومشروعية أي تهرب أمريكي عن تحمل الجزء الأكبر من مسؤولية إعادة إعمار العراق.
https://youtu.be/Ftzvs7m4jXY