المشهد اليمني الأول/ تقرير – معتز أشرف
في مهمة مستحيلة انطلقت جولة جديدة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى بعد أقل من شهر على جولة أخرى لمسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، تبادلت فيها الأسماء وبعض البلدان، ولكن يبدو أن الهدف واحد، فبعد سقوط نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في جولة يناير جاء في فبراير وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون حاملا حقيبته الدبلوماسية إلى 5 دول ليس من بينها دولة الاحتلال الصهيوني كما فعل رفيقه بنس وهي الأردن وتركيا ولبنان ومصر والكويت، وهو ما طرح أسئلة كثيرة عن جدوى الجولة، لا إجابة لها سوى بمظاهر تكشف مجددا فشل مندوبي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة بعد قراره المشبوه بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
حرب الاستقبال
ووصل تيلرسون إلى مصر مع أجواء الحرب التي دشنها الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي، بحملة شاملة لمكافحة الإرهاب في سيناء، لم تسفر حتى الآن عن تطور رهيب بحسب ما كان ينشد السيسي ويعد، وبدت وكأنها عملية عسكرية لاستكمال ديكور الزيارة الأمريكية، خاصة أنها جاءت لمناقشة أبعاد الحرب علي الإرهاب والتطورات الحالية بحسب المعلن، إلا أن الحديث ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث صفقة القرن وطرحها علي جدول الأعمال مرة أخرى ودور مصر فيها.
وتحدث مراسل القاهرة في شبكة سكاي نيوز عربية عن الزيارة بأنها “زيارة المهام الصعبة “، ونقل عن مصادر أمريكية وصفت مباحثات وزير الخارجية الأمريكي مع الرئيس المصري المنتهية ولايته بأنها ستكون صعبة في ظل تباين المواقف بين القاهرة وواشنطن في العديد من القضايا، أبرزها ملف القدس وعملية السلام والحرب على الإرهاب.
ومن مصر أطلق تيلرسون حديثا مرتبطا بصفقة القرن حيث قال: “إدارة ترامب لا تزال ملتزمة بالتوصل إلى اتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين” مع تأكيده الالتزام الأمريكي مع مصر لمكافحة الإرهاب فيما لم يفوت الفرصة على نفسه وتحدث عن ما يحدث في الانتخابات الرئاسية حيث أكد ضرورة وجود انتخابات نزيهة بقوله: ” ندعم انتخابات شفافة ولها مصداقية في مصر“، كما بحث تيلرسون ملف حقوق الإنسان في مصر.
رد الجميل
ومن المقرر أن تكون الأردن محطة مهمة من محطات الوزير الأمريكي، بهدف توسيع التعاون في مجالات الاقتصاد والدفاع والأمن خلال السنوات القادمة، حسبما قالت الأبواق الرسمية للجانبين مع بحث العمل المشترك بشأن سوريا، وتدمير جماعة داعش الإرهابية، فضلا عن التعاون في تحقيق السلام في الشرق الأوسط وتقديم مساعدة مالية إلى الأردن الذي يعاني من أزمة غلاء وأعباء اللاجئين السوريين، إلا أن التصريحات الأخيرة للملك عبد الله الثاني التي تماهي فيها مع الجانب الأمريكي بعد رفض قراره بنقل العاصمة إلى القدس، مثلت تمهيدا للزيارة التي قد توصف برد الجميل، حيث كانت واضحة الخطاب حيث قال العاهل الأردني في إشارة لا تخفى عن مراقب إلى ما يدور عن صفقة القرن: “لا يمكن أن تكون لدينا عملية سلام أو حل سلمي بدون دور الولايات المتحدة” فيما قالت “الخارجية الأمريكية” إن زيارة تيلرسون تأتي في أعقاب زيارة وصفتها بأنها “ناجحة جداً، أجراها نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس قبل بضعة أسابيع للمملكة، واعتبرت أنها تمثل فعلاً إشارة على القوة الطويلة والدائمة للشراكة الأمريكية الأردنية”
صعوبة بالغة
المحطة الأصعب في جولة تيلرسون هي تركيا، التي استبقت الزيارة بتصريحات من العيار الثقيل، فعقب تصريحات الرئيس التركي المحذرة من مراجعة أنقرة للعلاقة مع أمريكا، خرج متحدث الحكومة التركية بقذيفة ثقيلة أذهبت فيما اتزان الرفيق الأمريكي، حيث تساءل نائب رئيس الوزراء التركي بكر بوزداج، منتقدًا دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد في سوريا، عن موقف الإدارة الأمريكية لو أن تركيا دعمت وسلّحت ودرّبت تنظيمًا إرهابيًا يحاول تقسيم أمريكا وإنشاء دولة فيها، مؤكدا أن بلاده لن تسمح بإنشاء دولة إرهاب قرب حدوده، وأن عملية “غصن الزيتون” المستمرة في منطقة عفرين السورية، تهدف إلى منع هذا الأمر وإحباط المؤامرات العالمية فيما اعترف ممثل وزارة الخارجية بوجود “مخاوف مشروعة لأنقرة”، لكنه عاد وقال ” “هناك ستكون مناقشة صعبة للغاية؛ لأن تركيا لديها موقف معقد بشأن هذه المسألة”.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، حذر تيلرسون في منتصف يناير الماضي من خطورة “القوة الأمنية الحدودية” التي تخطط واشنطن لتشكيلها شمالي سوريا بالتعاون مع “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يستخدمها تنظيم “ب ي د / بي كا كا” واجهة لأنشطته الإرهابية، مضيفا أن “تشكيل قوة كهذه، أمر من شأنه إلحاق الضرر بالعلاقات التركية الأمريكية بشكل لا رجعة فيه” وهو ما صرح به أردوغان بصراحة قبل أيام.
نقطة ساخنة
لبنان ستكون محطة قد لا تكون سلسلة وخالية من التعقيد بحسب المراقبين، حيث من المقرر مناقشة مكافحة الإرهاب، ودعم هياكل السلطة الوطنية اللبنانية، ولكن أحد المواضيع الرئيسية للمناقشات سيكون حزب الله، فيما ذهب المراقبون اللبنانيون إلى وجود خلاف على الأولويات بين الجانبين اللبناني والأمريكي , فبينما يُتوقع أن يُطرح لبنان ملف التوتر الحدودي الناشئ جنوباً مع الوزير الأمريكي، فإن مساعد الأخير ديفيد ساترفيلد يثير دور «حزب الله» في هذا التوتر، حيث مهد تيلرسون لمحطته اللبنانية بزيارة استطلاعية استكشافية لمساعده ديفيد ساترفيلد المكلف بتأديةَ دور الوسيط الأمريكي بين لبنان وإسرائيل في نقطتين ساخنتين: الوضع على الحدود الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة والبلوك النفطي رقم 9، ويعد ساترفيلد من أبرز العاملين على خط تحديد الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل منذ سنوات، ولكنه عاد بمهمة محددة فيها الجزرة والعصا بحسب مراقبين ” جزرةُ خفض التوتر بين لبنان والكيان المحتل بعدما قرر لبنان التصدي للعدوان الإسرائيلي على البلوك 9 وبناء الجدار الفاصل , وعصا الضغط الأمريكي على حزب الله عبر عقوبات تهدف إلى تجفيف مصادر تمويله في الخارج.
وفي المقابل من المقرر أن تكون الكويت محطة ذات دلالة خاصة لدي تيلرسون في جولته، حيث يناقش مباشرة مع القادة الكويتيين، القضايا الثنائية والإقليمية، ولا سيما تسوية الخلاف بين قطر ورباعي دول الحصار، كما سيبحث معهم الصفقة الأخيرة بشأن اقتناء الكويت مقاتلات أمريكية من طراز “F-18A” بمبلغ 5 مليارات دولار، مع حضور مؤتمرين دوليين، أحدهما اجتماع ممثلي الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش والثاني لإعادة إعمار العراق.
فشل بنس
وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الفاشلة، والتي شهدت سقوطا ذريعا، في ختام جولة شرق أوسطية في المنطقة، لتسويق ما يعرف بـ”صفقة القرن”، شملت مصر والأردن والكيان الصهيوني، وسط رفض فلسطيني وعربي وإسلامي، لأسباب عديدة منها الاحتفاء الصهيوني الواسع الذي أجهض الزيارة وحسم فشلها المبكر، حيث وصفت خطاباته في الكنيست بالتاريخية والأكثر ودية تجاه دولة الاحتلال الصهيوني، وأحرجت قيادات مصر والأردن، كما وصفه نتنياهو في استقباله بـ”الصديق العزيز” وهو ما أجهض ضمن أسباب أخرى أي نتيجة إيجابية لزيارة بنس وهو ما راجعه وزير الخارجية الأمريكية هذه المرة ولم يضع الكيان الصهيوني علي جدول أعماله، فيما ردت الخارجية الأمريكية علي ذلك بإجابات غامضة، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بجدول زمني فقط وأن الاتصالات مستمرة.
خفي حنين
خفي حنين، تعبير رائج عن الإخفاق، وهو أنسب بحسب المراقبين، لهذه الجولة الجديدة، خاصة أن جدول أعمال الجولة يناقش ” مواضيع شائكة ومعقدّة وخلافية” تجعل مهمة وزير الخارجية الأمريكي “مهمة مستحيلة “، فقد ذهب محللون محسوبون علي جبهة “ايران – روسيا ” أن زيارة تيلرسون قد تَكون الأهم، وربّما الأخطر للمِنطقة، ليس على صَعيد احتمالات فَشلها شِبه المُؤكّدة، وإنّما لتَكريسها عُزلة أمريكا، وفُقدان مُعظم حُلفائها، إن لم يكن كُلهم، والاستثناء الوَحيد هو الحَليف الإسرائيلي، مؤكدين أن لقاءه مع أردوغان في أنقرة قد يَنتهي بِطَلاقٍ بائِن وأن وساطَتُه بين لبنان وإسرائيل حول آبار النِّفط والغاز قد تَصطَدِم بِعِنادٍ لُبنانيٍّ مَشروع”، حيث قالت صحيفة الرأي اليوم المحسوبة علي هذا الاتجاه أن نُفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يصل إلى أدنى مُستوياتِه هذهِ الأيّام، في ظِل صُعود النُّفوذ الروسي، وتَزايُد قوّة الحلف الإيراني ولعلَّ المِصيدة التي نَصبتها إيران وبِضُوءٍ أخضر روسيّ وتنفيذ سوريّ مُحكم لإسرائيل وسلاحها الجويّ، وبِما أدّى إلى إسقاط طائرة “إف 16” هو أحد الأدلّة الأبْرز في هذا الصَّد، مؤكدة أن أمريكا تَحصُد “الثِّمار المُرّة” لما بَذرته من مُؤامرات لتَفتيت مِنطقة الشرق الأوسط، وقتل عمليّة السلام بانحيازِها الكامِل لوِجهة النَّظر الإسرائيليّة، وإخراج القُدس المُحتلّة من مائِدة المُفاوضات، وتَكريسها عاصِمةٍ أبديّة لدَولة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي المقابل ترى مصادر سياسية على تواصل مع مراكز أوروبية للأبحاث تختلف في قراءتها عن محور “حزب الله – ايران ” أن التوتر الأمريكي الروسي بلغ أشده في المرحلة الأخيرة، ليس حول سبل الحل السوري، وإنما لرغبة روسيا وحدها في إيجاد حل قبل الغرق في المستنقع السوري، وعدم تجاوب الإدارة الأمريكية معها، ومد واشنطن المعارضة السورية بصواريخ جوية أسقطت طائرة روسية قبل أيام. واعتبرت المصادر أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية أمس جاء ردا على إسقاط الروسية، في رسالة واضحة مفادها أن عدم الإسراع في توفير الحلول والاتفاق عليها، سيعرضان أمن إسرائيل للخطر، وهو ما يعني الإدارة الأمريكية مباشرة.
https://youtu.be/X-HjmGq9VP8