المشهد اليمني الأول/
المراقب لمآلات الصراع في اليمن بعد سقوط الرئيس السابق علي عبد الله صالح الحليف القوي للإمارات والذي كان من المؤمل أن يخلط الأوراق و يدخل صنعاء بحرب قد تمتد إلى سنوات وتُمكن من سيطرة القوات الاماراتية وقوات التحالف على اليمن… لكن عملية حسم الأجهزة الأمنية مسنودة باللجان الشعبية في صنعاء لهذه الأحداث وبفترة قصيرة أربكت كل المخططات وألقت بظلالها على تداعيات كبيرة في التحول بمسار الأحداث الدراماتيكية التي كان يعول عليها تحالف العدوان بقيادة آل سعود . ولعل أبرز تداعيات سقوط ورقة صالح بما كان يعول عليه من بُعد قبلي وسياسي في مناطق سيطرة انصار الله في الشمال يمكن إيجازها في الآتي :
ضعف الدور الإماراتي كحليف قوي أمام الأمريكيين ، حيث أن الدور الإماراتي بدأ يأخذ الثقة عقب استيلاء قوات التحالف العربي على عدن بعد أشهر من إعلان ما يسمى بعاصفة الحزم ، إذ كان لانسحاب قوات الحرس الجمهوري – الموالية لنجل الرئيس السابق أحمد علي عبد الله صالح والمتواجد في الإمارات – من عدن الأثر البالغ في فتح ثغرة كبيرة للقوات المسنودة من الإمارات للسيطرة على الجنوب ابتداء من عدن وانسحاب الجيش واللجان الشعبية من معظم المحافطات الجنوبية. حسب ما يتناقله بعض السياسيين ان الرئيس السابق علي صالح وعد الإماراتيين بتسليمهم صنعاء كما سلمهم عدن شريطة إزاحة الإخوان المسلمين (حزب الاصلاح ) من أي تسوية سياسية، وما يؤكد هذه المقولة حجم الدعم المالي الإماراتي لشيوخ قبائل شماليين موالين لصالح كشفتها الأجهزة الأمنية عقب سقوط صالح .
لكن السقوط السريع لصالح في صنعاء كشف الحجم الحقيقي لقوته في الشمال من ناحية، وأظهر قوة أنصارالله الحوثيين غير المتوقعة في مناطق قبلية شديدة التعقيد ، كما أظهر الداعم الرئيسي له (الإمارات ) بأنها صورة مضخمة لا تتناسب مع حجمها الحقيقي في الصراع ،بالمقابل أظهر قوة تيار الإخوان المسلمين (حزب الاصلاح ) المدعوم سعودياً وهو ما دفع بالإماراتيين إلى عقد لقاء مع قادة حزب الإصلاح بوساطة بن سلمان الداعم لجماعة الاخوان في اليمن بعد سقوط صالح .هذا من ناحية حساب قوة الأدوات المحلية أو بالأحرى الجماعات المرتزقة المحلية التي تديرها كل من الدولتين .
الجانب الآخر يتمثل في المصالح المستقبلية للدولتين ؟
فاليمن بالنسبة لآل سعود عبارة عن عمق استراتيجي لمملكتهم ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسمح لأي دولة عربية أخرى أن يكون لها تواجد مضاه لها فيه ، وحسبنا أن نستذكر الصراع الذي دار بين عبد الناصر وآل سعود بخصوص اليمن في ستينات القرن الماضي … فمهما كانت العلاقة بين السعودية والإمارات في الوقت الراهن لكن الحسابات المستقبلية بوجود قوة منافسة لهم في اليمن لن تغيب عن ذهنهم ، فالسعودية لم تقبل بوجود نفوذ للإمارات في مأرب والجوف كمناطق محاذية لها واستطاعت إخراج الإماراتيين بشكل غير مباشر من هذه المناطق خصوصاً مارب بعد ضربة التوشكا التي تعرضت لها قواتها وقصرها على الإخوان الموالين لها، وهوما يفهم منه أيضاً رفض تواجد طارق عفاش المحسوب على الامارات في مارب .
في الجنوب يتمسك آل سعود بأن يكون مقر هادي في المملكة وتفرض عليه إقامة شبه جبرية في تنقله لأن البقاء تحت ما يسمى شرعية هادي تخولهم ورقة ضغط قوية في مواجهة أي مشاريع من الحلفاء الآخرين مستقبلا . الإمارات دخلت اليمن على سياسات ورقية فضفاضة ولديها مشروعها الخاص (مشروع الولايات) – وهو ما يتعارض مع مشروع السعودية بل ويشكل هاجسا لها – لكن سياسة الإمارات تفتقر إلى الواقعية التاريخية في فهم طبيعة التركيبة اليمنية . فالنفخ في تضخيم الدور الإماراتي وتواجدها في مناطق الجنوب وباب المندب هو فقاعة ستتلاشى بمجرد التلويح بمزعوم الشرعية من قبل السعودية خصوصاً مع الاستنزاف الكبير لأدوات الإمارات في الجنوب بالزج بشباب الحراك الجنوبي المحسوب على مايسمى “المجلس الانتقالي “ في جبهات الساحل الغربي وتعز وجيزان ونجران …
كل هذه الجبهات هي بالأساس تشتيت لفصيل الحراك الجنوبي الموالي للإمارات واستنزاف قوة هذا الفصيل يجعل من السهولة في ما بعد إلحاق الهزيمة به تماماً كما فعل آل سعود بالجيش المصري في الستينات فلم تدرك القيادة المصرية الفخ الذي نصب لها بارسال الجيش إلى اليمن إلا بعد النكسة التي تعرضت لها والتي شكلت ضربة قاضية لمشروع عبد الناصر كقوة عربية منافسة للسعودية . خلاصة القول أن تحالف السعودية والإمارات بالعدوان على اليمن يمكن تشبيهه “بالأخوة الأعداء “ فهما متفقتان على مواجهة أنصار الله (الحوثيين) والذين تزداد سلطتهم صلابة وتوسعا في المناطق الشمالية ويمارسون حرب النفس الطويل لإنهاك المملكة والإمارات اقتصاديا وهز الطمأنينة والاستقرارفيهما من خلال الضربات البالستية النوعية. كما إن الامارات والسعودية تغفلان لاعبا مهما قد يغير مجرى الأحداث وهو الفصيل الإخواني الموالي لقطر وتركيا والذي لا يستبعد بلحظة ما – مرهونة بتطور الأزمة مع قطر – أن يتحالف مع أنصار الله ضد الاحتلال الإماراتي السعودي وهو تيار عريض له حضوره في كل المحافظات.
كل هذه السيناريوهات السابقة تعتمد بشكل أساسي على مدى بقاء قوة أو ضعف المملكة ، لكن إطالة أمد الحرب من دون شك ستوهن من قوتها وهو ما تسعى اليه حتى دول داخلة ضمن تحالف العدوان . باعتقادي كل الأطراف الخليجية والتي تكاد النار أن تظهرمن تحت الرماد في ما بينها باتت بحاجة إلى التحالف مع أنصار الله أو بالحد الأدنى نسج خيوط عريضة معه بعد سقوط الرهان على ورقة الرئيس السابق علي صالح ولا أدل على ذلك من التغير في موقف تحالف العدوان من القبول بدخول المساعدات الانسانية والقبول بتغيير ولد الشيخ الذي لعب دور السمسار للتحالف لايقل في مهنيته عن الناطق باسم تحالف العدوان، ومن ثم الإعلان عن وصول وفد من أنصار الله إلى سلطنة عمان لاستئناف الحوار .
كل هذا يؤشر إلى أن مآلات الصراع في اليمن بعد مقتل صالح هي تثبيت أنصار الله كقوة واقعية في الشمال وبروز المصالح الفردية داخل دول التحالف وهو ماينذر بزيادة الصراع بين أدواتها المحلية في داخل مناطق سيطرتها ولايستبعد أن يمتد الصراع إلى داخل أنظمتها الأسرية. فالسعودية تتغاضى عن التواجد الاماراتي في اليمن كحالة ضرورة لمواجهة أنصار الله والإمارات تستفيد من إطالة أمد العدوان لترسيخ تواجدها في تعزيز التشكيلات الأمنية والعسكرية بمايسمى قوات النخب في المحافظات الجنوبية والرهان على زيادة ضعف “حليفتها السعودية” بينما قطر تراقب عن كثب … ؟
بقلم: د.حبيب الرميمة