المشهد اليمني الأول/ الوقت
خلال العقود الماضية لم يصدر أبداً عن العلماء المسلمين أي تأييد أو دعم للكيان الصهيوني ولكننا اليوم وللأسف نرى بأن تلك المواقف قد تغيرت، فلقد اعرب الشيخ “محمد العيسي” الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يوم السبت 7 فبراير/شباط الماضي في تصريحات مفاجئة له، قائلا: “إن محرقة “الهولوكوست” التي قام بها النازيين قد هزت البشرية جمعاء وخلفت الكثير من الكوارث التي لا يمكن لشخص عاقل ومنصف ومحب للسلام أن ينكرها “.
وأكد الشيخ “محمد بن عبد الكريم العيسي” الأمين العام للرابطة إن رأيه هذا لا يعبر إلا عن الجانب الإنساني البحت المرتبط بحياة الأبرياء الذين قتلوا في تلك المحرقة وذلك لأن الإسلام هو الحامي الوحيد للأبرياء ومن يقتل روحاً بريئة فكأنما قتل الناس جميعا. ورابطة العالم الإسلامي، ما هي إلا منظمة غير حكومية لعلماء المسلمين تأسست قبل 50 عام وتتخذ من مكة المكرمة مقراً لها وتعتبر الحكومة السعودية أكبر ممول لها وتلعب هذه الرابطة دوراً أساسياً في نشر المذهب السلفي في العالم. وهنا يمكن القول بأن هذا الموقف هو أوضح موقف لمسؤول سعودي داعم لـ”الهولوكوست” وتجدر الإشارة هنا أن سفير المملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة “عادل الجبير” أعلن في عام 2005 أن السعودية تعتبر “الهولوكوست” حدث تاريخي ولا يمكن إنكاره.
الأدلة الدامغة على دعم السعودية للـ”هولوكوست” في وقتنا الحاضر
في وقتنا الحالي، اعلن ولي عهد السعودية “محمد بن سلمان” عن رؤيته 2030 وقام باتخاذ سلسلة من الإجراءات التصحيحية داخل السعودية وركز اهتمامه على السيطرة على المؤسسات الدينية الوهابية داخل البلاد وقد أدى هذا الأمر إلى امتثال تلك المؤسسات الدينية السعودية لأوامره والقيام بما يأمر به وفي ظل الظروف الراهنة، يسعى بن سلمان إلى إجراء بعض الإصلاحات التي طالب بها “ترامب” في السعودية لحماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
في الواقع وفي ظل الأوضاع الحالية كان لوجود وبقاء “دونالد ترامب” في السلطة تأثير كبير على الساحة السياسية في الداخل السعودي ولذلك فإننا نرى بأن محمد بن سلمان يسعى جاهداً للحصول على دعم “ترامب” الكامل وهنا يمكن القول بأن أفضل أداة يمكن لـ”بن سلمان” الاستعانة بها لتحقيق أمانيه تلك، هي التقرب من إسرائيل. إن دعم “بن سلمان” السري لقرارات “ترامب” فيما يخص مدينة القدس المحتلة يمثل دعم السعودية الكامل لمخططات الولايات المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبالتالي، فإن رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة والتي يبدو أنها تعيش تحت ضغوطات “بن سلمان”، تدافع للمرة الأولى عن “الهولوكوست”. ووفقا لما ذكره مؤيدو محرقة “الهولوكوست”، فلقد قُتل ستة ملايين يهودي خلال الحرب العالمية الثانية على ايدي النازيين وتم إعدامهم في غرف الغاز وبعضهم اُحرق في محارق كبيرة داخل معسكرات الأعمال الإجبارية.
لقد كانت هذه الحجة هي إحدى أهم المبررات الأخلاقية والسياسية التي استخدمتها الصهيونية لمواصلة احتلال الأراضي الفلسطينية خلال العقود التي أعقبت ظهور هذا الكيان الغاصب. لذلك، فإن الاعتراف بهذه الحادثة المزعومة من قبل علماء العالم الإسلامي، سيؤدي إلى إضعاف وجهات النظر المعادية للصهيونية بين علماء المسلمين وذلك من أجل خفض تكاليف تطبيع العلاقات بين الحكومات العربية والإسرائيلية وإيصالها إلى أدنى حد ممكن.
الهولوكوست العربي
في حين أعربت السعودية ارض الوحي والنبوة عن قلقها إزاء محرقة “الهولوكوست” وقتل 6 ملايين يهودي في ألمانيا النازية، إلا أنها للأسف قامت خلال السنوات الثلاث الماضية بمحرقة “هولوكوست” جديدة في اليمن وقتلت 15 ألف شخص يمني وقامت بجرائم وحشية واستخدمت كافة الأسلحة المحرمة دولياً مما تسبب في إبادة جماعية لسكان هذا البلد المظلوم.
وحول هذا الموضوع يقول بعض الخبراء إن الأعمال العسكرية التي تقوم بها السعودية في اليمن تعتبر مثالاً حقيقياً على الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، لقد كان هناك “هولوكوست” حقيقي في فلسطين خلال العقود القليلة الماضية ولقد عانى شعب غزة الكثير من اضطهادات الكيان الإسرائيلي لأكثر من 10 سنوات. ومن جهة أخرى يمكن القول بأن الجرائم الوحشية التي قام بها الكيان الإسرائيلي في “صبرا” و”شاتيلا” و”غانا” و … هي أيضا جرائم فظيعة لا تقل في وحشيتها عن محرقة “الهولوكوست” المزعومة. ولكن للأسف الشديد لم تقم السعودية بإدانة هذه “الهولوكوست” العربية التي قام بها الكيان الإسرائيلي في بعض البلدان العربية، بل على العكس من ذلك قامت بشكل واضح بدعم إسرائيل ومن الأمثلة على ذلك اقتراح “بن سلمان” الذي قام بإرساله إلى رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” والذي دعا فيه للتخلي عن القدس كعاصمة لفلسطين واختيار مدينة “أبو ديس” عاصمة جديدة لفلسطين.
إن السياسات التي ينتهجها “بن سلمان” في وقتنا الحالي تستند إلى التقارب السعودي الإسرائيلي وأي قرار أو إجراء تتخذه الحكومة السعودية، يجب أن يُؤخذ في الاعتبار أن المتغيرات الأمريكية والإسرائيلية وإعلان السعودية عن تأييدها وتعاطفها مع محرقة “الهولوكوست” ما هو إلا خطوة في اتجاه كسب الدعم الأمريكي والإسرائيلي لتسهيل وصول “بن سلمان” إلى كرسي الحكم في السعودية.