المشهد اليمني الأول/
بعد مرور ثلاث سنوات على صعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة العرش السعودي، قال الكاتب الأمريكي بروس ريدل، إن العاهل السعودي ونجله يواصلان إتباع سياسة هي «الأكثر طائفية» و«عدائية» تجاه إيران في التاريخ السعودي الحديث والمعاصر.
وأشار الكاتب الأمريكي الشهير، إلى أن «الأمر يندرج ضمن محاباة العهد السعودي الجديد للمؤسسة الدينية الوهابية، التي تعد شراكتها مع حكم آل سعود، جزءاً من ديناميات السياسة الداخلية للمملكة». فالصراع مع إيران، «يحظى بشعبية في أوساط المؤسسة الدينية، التي عملت منذ فترة طويلة على تقوية الجماعات السلفية في بلدان عدة، مثل اليمن، حيث سبق للسعوديين أن رعوا إقامة مركز للدعوة الوهابية في محافظة المهرة، جنوبي شرق اليمن، في خطوة أثارت حفيظة سلطنة عمان المجاورة».
وأكمل ريدل بأن كراهية السعوديين لإيران «الشيعية»، تعود إلى حقبة ما قبل الثورة الإسلامية، حيث كان حكام المملكة «لا يثقون بشاه إيران، وطموحاته الإمبريالية والتوسعية». أما اندلاع «الثورة الإسلامية» في إيران، وانتهاج طهران لسياسة «مناهضة للأنظمة الملكية»، فلم يسفر إلا عن زيادة العلاقات الإيرانية السعودية سوءاً، وفق الكاتب. وإذا كان الملوك الراحلين للسعودية، فهد، وعبد الله بن عبد العزيز، حاولا تحقيق «قدر من الانفراج» في العلاقة مع طهران، في أوج الحرب العراقية- الإيرانية «خشية تصاعد حدة العداء، وخروجه عن السيطرة»، فإن الملك السعودي الحالي بادر إلى قطع العلاقات مع الجانب الإيراني عقب إعدام رجل الدين السعودي الشيعي» الشيخ نمر النمر.
وتابع ريدل، بالإشارة إلى أن نجاح إيران في الحصول على نفوذ داخل العراق، وسوريا، ولبنان، قد «أزعج المملكة بشدة»، وصولاً إلى حرب اليمن، التي دخلتها المملكة العربية السعودية ضد «الحوثيين»، بداعي «الخوف من قيام نظام موالي لإيران» في البلاد. وشرح الكاتب أن حرب اليمن، أصبحت بمثابة «حرب وكالة» بين الرياض وطهران، تتكلف فيها الأولى مليارات الدولارات شهرياً، فيما يكاد ما تتكلفه الثانية لا يساوي شيئاً. علاوة على ذلك، يتجه المجتمع الدولي إلى تحميل الرياض المسؤولية عن تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن. كذلك، وفي مؤشر على «تزايد تكاليف الصراع»، يوجد أكثر من مليون لاجىء يمني داخل المملكة العربية السعودية، بينما جرى مؤخراً طرد الحكومة اليمنية، المدعومة من الرياض، من مدينة عدن، على يد قوى محسوبة على «الانفصاليين الجنوبيين».
وفي السياق ذاته، تطرق الكاتب إلى عبارات الثناء التي أغدقها كبار علماء الوهابية في المملكة على ولي العهد، محمد بن سلمان، بسبب محاربته لـ«الزيديين» على الحدود الجنوبية للبلاد، موضحاً أن وزير الدفاع أصبح «رجل الحرب (في اليمن)»، والشخصية التي تستخدم «تعابير (طائفية) متطرفة»، و«مصطلحات شديدة اللهجة» بحق القيادة الإيرانية.
وأضاف الكاتب، أن بن سلمان، الذي ينتهج أسلوباً شديد العدائية في التعامل مع «المعارضين الشيعة» داخل المنطقة الشرقية من المملكة، شجع على تبني نهج «متشدد» مشابه ضد الشيعة في مملكة البحرين المجاورة. وفي ما يخص محاولات الرياض لإقالة الحكومة اللبنانية مؤخراً، فقد شدد الكاتب على أن تلك الخطوة، التي هدفت إلى حث طهران و«حزب الله» اللبناني على ممارسة الضغوط على «الحوثيين» قد «أخفقت»، مضيفاً أن «السعوديين لن يستسلموا» على هذا الصعيد. وعن الأزمة القطرية، فقد ذهب الكاتب إلى أن للنزاع الخليجي- الخليجي «بعداً إيرانياً»، في إشارة إلى تقارب الدوحة وطهران في بعض القضايا الإقليمية، خلافاً لرغبة الرياض، مشيراً إلى محاولات المؤسسة الدينية في المملكة لنفي النسب الوهابي للأمير القطري، تميم بن حمد آل ثاني، ومساعي تلك المؤسسة لتغيير النظام في قطر، وشارحاً أن حصيلة النزاع جعلت الدوحة أقرب إلى طهران.
واختتم ريدل، بأن إتباع الملك، ونجله «أجندة شديدة الطائفية» في داخل المملكة، وخارجها يمنحهما دعم المؤسسة الدينية، رغم «الدعم اللفظي» من جانب ولي العهد لما يسمى «الإسلام المعتدل»، و«الإصلاحات» على غرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، معتبراً أن تلك الأجندة تعد «وسيلة للحفاظ على طمأنينة تيار المؤسسة الوهابية، وآل الشيخ إلى أن مصالحهم الأساسية مصانة». كذلك، نبه الكاتب من خطورة استمرار الصراع بالوكالة في المنطقة، لا سيما في اليمن. ومع أن «الخسائر الناجمة عن تساقط الصواريخ البالستية على الأراضي السعودية ما زالت ضئيلة حتى الآن، إلا أن هناك خطراً دائماً من إلحاق إحدى تلك الصواريخ أضراراً جسيمة، وخسائر في الأرواح جراء سقوطها في الرياض، أو مدينة خليجية أخرى في المستقبل، على نحو يجبر السعوديين على الرد ضد طهران. وبحسب الكاتب، فإذا ما حالف الحظ إحدى صواريخ «الحوثيين» في إحدى المرات، فإن الأمر قد يجر كارثة.