المشهد اليمني الأول/ الوقت
لا تعرف “إسرائيل” اليوم كيف ممكن لها أن تتعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة أن الأخيرة تقف حائط صد كبير في وجه مخططاتها والتي أفشلت أغلبها حتى الآن في سوريا والعراق ولبنان وحتى فلسطين.
التجييش ضد ايران هو الشغل الشاغل لإسرائيل اليوم، وبما أنها تعلم جيدا بان هذا الأمر مستحيل عسكريا، لم يبقى أمامها سوى اللجوء إلى الإعلام وبالتحديد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عبر استخدام اللغة “العربية” للتواصل مع العالم العربي والإسلامي، وذلك في محاولة من بعض قياداتها للحشد ضد إيران وتحقيق مآرب أخرى، وسط الاعتقاد بأن تل أبيب وبعض الدول العربية قد أصبحت في خندق واحد، وذلك بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
وكتبت الصحيفة في تقرير لها اليوم الاثنين: ” إن العامل المشترك بين الإسرائيليين والبعض في العالم العربي هو عداء إيران، وخاصة في ظل التنافس بين الرياض وطهران على النفوذ الإقليمي، والعداء بين تل أبيب وطهران إزاء الطموحات الإيرانية للحصول على السلاح النووي”.
اختراق العالم العربي والإسلامي
ليس سرا على أحد بأن إسرائيل تعمل على تطبيع العلاقات مع الدول المجاورة لها وقد استطاعت أن تقطع أشواطا في هذا المجال كان آخرها الانفتاح على السعودية ومبادلة الأخيرة لها بنفس الانفتاح، ليبدأ مشوار تطبيع سعودي- إسرائيلي عززه وصول محمد بن سلمان إلى مركز القرار في المملكة تحت مظلة والده الملك سلمان، وبدأت رحلة التطبيع من النافذة التي تعمل عليها “إسرائيل” حاليا ألا وهي “الإعلام”.
وكان لافتا جدا ومثيرا للقلق في نفس الوقت لقاء رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي إيزنكوت مع موقع إيلاف الإلكتروني السعودي، وتصريحه لنفس الموقع بأن إيران تشكل “أكبر تهديد في المنطقة” مضيفا أن هناك اتفاقا كاملا في ما بين إسرائيل والسعودية بهذا الشأن.
وتبع هذا الأمر انتشار صور لمدون إسرائيلي في المسجد النبوي في السعودية، وغيرها من الاحداث التي أظهرت ابتعاد المناخ السياسي في السعودية عن مهاجمة إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، ليظهر للعيان ان التنسيق السعودي – الاسرائيلي في أبهى حلله، كما عززت إسرائيل والسعودية والإمارات التعاون الاستخباري فيما بينها لمواجهة إيران.
كيفية العمل
هناك تهافت كبير من قبل الإسرائيليين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاختراق المجتمعات العربية القريبة والبعيدة، والدعم الحكومي واضح في هذا المجال، وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” فإن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نشر تقارير فيديو تحمل ترجمات عربية تدين إيران، وتقوم خارجيته بشكل روتيني بنشر صور وردية للتعايش الإسرائيلي العربي، وهي تستهدف أكثر من مليون من متابعي صفحتها بالعربية على فيسبوك.
من ناحية أخرى ينشط المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وذلك من خلال استخدامه العربية نفسها، أي أنه يحاول الوصول إلى مبتغاه بلغة القوم الذين يريد التخاطب معهم، مما يتطلب اهتماما بالعربية من جانب إسرائيل، وهو ما تقوم به وتسعى للسير فيه قدما في هذا المجال.
ووفقا للصحيفة الأمريكية فإن هذه الجهود الإسرائيلية تُقابل في بعض الأحيان بالعداء والسخرية، وذلك لأن أدرعي الذي يقود هذه الجهود لا يتورع عن استفزاز المستهدفين.
وأما المسؤول عن الدبلوماسية الرقمية بالعربية في الخارجية يوناتان غونين، فيقول إن تأثير الجهود الإعلامية غالبا ما يكون محدودا، مضيفا أن بعض مستخدمي وسائل التواصل قد يشيرون لبلاده على أنها إسرائيل بدلا من “الكيان الصهيوني”.
وفي يوم أمس حدث أمر مهم يجب الوقوف عنده والتمعن به جيدا، حيث كتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، رونان مانليس، اليوم الأحد، مقالاً باللغة العربية يهدد فيه لبنان، تحت عنوان “خيار اللبنانيين”، نُشر في عددٍ من المواقع، بينها “الحوار المتمدن”، و”صوت بيروت”، بالإضافة طبعاً إلى موقع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربيّة.
هذا يعني أننا انتقلنا من تطبيع الحكومات إلى تطبيع المواقع الالكترونية وهذا يحمل في طياته رسائل خطيرة خاصة في المستقبل القريب، حيث يهدد هذا الأمر الهوية العربية ويفتح الباب على مصراعيه أمام موجة من التطبيع التي يجب مواجهتها وإيقافها من قبل الحكومات التي تنشط هذه المواقع على أراضيها، قبل أن تنتشر مثل السرطان.
لماذا إيران؟!
نشاط ايران الحالي ونفوذها في المنطقة يقوض أحلام إسرائيل ومن خلفها السعودية، حيث تمكنت ايران من الحفاظ على وحدة العراق وسوريا ومنعت تقسيمهما عبر تقديم كل الوسائل المتاحة لها لدعم وحدة أراضي هاتين الدولتين، وهذا الأمر لم يكن في صالح إسرائيل ولا حتى أمريكا.
إيران أيضا تدعم “حزب الله” اللبناني، الحزب الذي كسر شوكة الإسرائيلي ورده خائبا في حرب تموز 2006 دون ان يسمح له بتحقيق أيا من أهدافه ولقنه درسا لا يزال يتعلم منه ويحلله، ومع انتصار محور المقاومة في سوريا جن جنون الصهيوني، لذلك نجده يحاول استغلال أي فرصة تتيح له توجيه ضربة لهذا المحور.
إذا لم يبقى امام إسرائيل سوى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لبث الفتن من جديد وحرف الشعوب العربية عن قضيتها المركزية وسحبها رويدا رويدا نحو التطبيع معها ولكن هيهات أن يحدث ذلك وهناك شباب عربي مقاوم مفعم بحب بلده ولا يرضى أن يضع يده بيد من قتل أهله وناسه.