المشهد اليمني الأول/ الوقت

كرم السعودية ليس له حدود، فقد أودعت أمس الأربعاء “17/1/2018” مبلغ ملياري دولار كوديعة في حساب البنك المركزي اليمني، ولكن كرمها لليمن لايقتصر على هذا المبلغ، فالسعودية أهدت اليمن وأطفالها آلاف الصواريخ والقنابل التي بدأت تنهمر على الشعب اليمني منذ 2 مارس (أذار) 2015 “بداية اعلان الحرب على اليمن” ودمرت هذه الأسلحة غالبية البنى التحتية اليمنية تاركة 80% من السكان في حالة من الفقر المدقع وبحاجة ماسة للمساعدات الانسانية فضلا عن انتشار مرض الكوليرا الذي يحصد أرواح اليمنيين يوميا.

وبعد كل هذا تقول “قناة العربية” السعودية أن إيداع هذا المبلغ في حساب البنك المركزي اليمني، جاء انطلاقاً من اهتمام المملكة العربية السعودية في رفع المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق ومساعدته لمواجهة الأعباء الاقتصادية جراء معاناته، متهمة “أنصار الله” بأنهم سبب كل هذه المعاناة. كلام “قناة العربية” حقيقةً يبعث على الاستغراب والتعجب وكأن القائمين على القناة يعيشون في كوكب آخر، متجاهلين كل التقارير الدولية التي تبثها وسائل الإعلام العالمية حتى الصديقة منها للسعودية والتي تتحدث عن الإجرام اليومي الذي تمارسه السعودية بحق الشعب اليمني وكيف تحاصره وتمنع وصول الغذاء إلى أبنائه وكان آخر هذه التقارير قد نشرته قناة سي ان ان منتقدة الائتلاف الذي تقوده السعودية لعدم اتخاذ الاجراءات المناسبة لمنع وقوع خسائر بشرية في الحرب اليمنية، ومنع وصول الإغاثة الإنسانية لليمنيين. وأضافت: يستخدم التحالف “تهديدات الجوع كأدوات للمساومة والحرب”.

وبالعودة إلى الوديعة التي وضعتها السعودية كمكرمة منها في حساب البنك المركزي اليمني، يمكننا تلخيص مجموعة من النقاط التالية التي قد تضيء بعض الأمور التي دفعت السعودية للقيام بهذه الخطوة:

أولاً: لم تفلح السعودية بكل مالديها من أسلحة وامكانات وذخائر أطلقتها يوميا على اليمن بأن تحقق أي هدف مرجو من هذه الحرب ان كانت في الأصل لديها أهداف حقيقية من هذه الحرب التي لم تحقق فيها أي غاية أو انتصار عسكري بل على العكس كانت بمثابة استنزاف يومي لها، ولكنها في الوقت نفسه لاتستطيع الانسحاب من وحل اليمن بالرغم من أنها حاولت مرارا وتكرارا وبطرق دبلوماسية لكنها فشلت في ذلك كونها أرادت أن يكون لها من هذا الانسحاب ما لم تحققه في الميدان.

ثانياً: الانتقادات الدولية تزداد بشكل يومي ضد السعودية وهناك آلاف المقالات والتقارير التي تدين حربها على اليمن وتفضح ممارستها العدوانية ضد الشعب اليمني، حتى أنها أوصلت هذا الشعب إلى كارثة انسانية تعد الأسوء في تاريخ البشرية، فضلا عن تزايد عدد القتلى المدنيين من السكان الذين يعانون جراء الفقر والمجاعة وتفشي داء الكوليرا على نطاق واسع، في ظل استمرار القصف الجوي الوحشي الذي تواصله السعودية.

ونظرا لعدوانية السعودية المفرطة تجاه اليمن لم يعد يستطيع المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان أن يخفوا مدى قبح هذه الحرب التي أودت بحياة أكثر من 5.000 طفل وبمعدل خمسة أطفال في اليوم منذ مارس 2015، فضلا عن قرار البرلمان الأوروبي بحظر الأسلحة عن السعودية والتي تصدرها لها بريطانيا وفرنسا بنسبة كبيرة، كل هذا وغيره دفع بالسعودية لمحاولة تبييض صفحتها أمام المجتمع الدولي عبر تقديم ملياري دولار بينما كانت هي نفسها السبب الرئيس بكل هذا الدمار الذي كلف اليمن مليارات الدولارات وكلفها هي نفسها أكثر من 87 مليارا و560 مليون دولار منذ بداية الحرب بحسب وكالات عالمية.

ثالثاً: ازدواجية المعايير التي تمارسها السعودية في اليمن لن تحفظ لها ماء وجهها كما تظن، بل ستغرقها في وحل هذا البلد أكثر فأكثر وهي تعرف بقرارة نفسها بأنها عاجزة عن تحقيق اي تقدم إيجابي هناك، بل على العكس كلفت خزينتها مليارات الدولارات وعرضت مدنها للقصف اليمني وبسبب هذه الحرب خسرت السعودية مئات الأرواح جراء محاولة جنودها الاعتداء على اليمنيين.

الولايات المتحدة الامريكية

بينما تمارس السعودية ازدواجية في تعاملها مع اليمن نجد الولايات المتحدة الأمريكية أيضا تمارس ازدواجية من نوع أخطر في اليمن، فبينما تتهم أمريكا ايران بدعم “أنصار الله” نجدها تزود السعودية بالذخائر والأسلحة والدعم اللوجستي، وتغض النظر عن جميع الجرائم التي ترتكب بحق اليمنيين من قبل السعودية والسبب يعود لكون واشنطن تريد استمرار هذه الحرب حتى تتمكن من استنزاف السعودية عسكريا وماديا كي تستطيع أمريكا إملاء شروطها عليها بعد ذلك.

في الختام؛ على مايبدو أن المجتمع الدولي ليس جادا في إنهاء معاناة اليمنيين بشكل فعلي لان دولا كبيرة وكثيرة لاتريد ذلك، فمنها من يبيع السعودية لليمن ويستثمر هذه الحرب لصالح اقتصاد بلاده ومنها من يريد استنزاف السعودية ومنها من يحاول إخضاع أكبر مساحة ممكنة من اليمن لسيطرته كما تفعل الآن الإمارات التي تملك حزام أمني في الجنوب يبلغ تعداد أفراده أكثر من 10 آلاف مقاتل، تعمل الإمارات على انتشارهم في جميع المحافظات الجنوبية التي تطالب بالانفصال، وتدعمهم في ذلك تحقيقا لمصالحها وأطماعها في موانئ اليمن وثرواته، وبالإضافة إلى امتلاكها قواعد عسكرية قامت بإقامتها حديثا، فقد امتد نفوذ أبوظبي للسيطرة على الموانئ والحقول النفطية والغازية في المناطق الجنوبية.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا