المشهد اليمني الأول/ لقمان عبدالله – الأخبار
تحاول الإمارات والسعودية لملمة الأفرقاء اليمنيين الموالين لهما، في إطار خطة لتوجيه الجهود كافة في مواجهة «أنصار الله». إلا أن هذه الخطة تعاني من صعوبات كبيرة لجمعها في طياتها «الأضداد» المختلفين أيديولوجياً وسياسياً ومناطقياً.
«التحالف» التقط من جديد فرصة هروب ابن شقيق الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، طارق، إلى عدن، حيث يعمل على الاستثمار فيه كفصيل وسط بين «الشرعية» والأطراف الأخرى، يمكن أن يحل مكان «أنصار الله» باعتباره «ثروة يمكن أن تؤثر بمسار المعركة في الشمال»، كما قالت افتتاحية صحيفة «الخليج» الإماراتية، غير أن تلك المحاولة تتعرض لصعوبات قد تطيحها في المستقبل القريب.
لم يجد طارق، الوريث العسكري لعمه، حتى الآن، موطئ قدم يؤمن له «قاعدة تجمع» يستطيع من خلالها بناء قوات عسكرية تحجز لها مكاناً يضاف إلى مواقع عشرات الفصائل العسكرية الممولة إماراتياً أو سعودياً أو قطرياً. تختلف المكونات اليمنية الممولة من قبل الرياض وأبو ظبي على كل شيء، إلا أنها تلتقي على شيء واحد، هو رفض «طارق» بما يمثل من مشروع خاص يعتبر امتداداً لزعامة الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح. وتتفق تلك المكونات على أن حزب «المؤتمر الشعبي العام» أصبح من الماضي، وأن لا مجال على الإطلاق للقبول بتوفير ملاذ آمن لقياداته السياسية والعسكرية الهاربة من صنعاء.
ولا يقتصر الرفض لإعادة المشروع العسكري والسياسي للهاربين من «المؤتمر» على منطقة بذاتها، فحزب «الإصلاح الإخواني» الذي تسيطر قواته على محافظة مأرب، يتفرّد في إدارة المحافظة الغنية بالغاز. بل إن «الإصلاح» يرفض تعدد مراكز القوى في كل اليمن، ويعمل على أن يكون الوارث السياسي الوحيد لحزب «المؤتمر»، وعلى هذه الخلفية يرفض إنشاء أي كيان عسكري وأمني خارج فلك «الشرعية» الذي يُعدّ هو الشريك الرئيسي فيها. وهذا ما أكده رئيس الدائرة الإعلامية في الحزب، علي الجرادي، في منشور له على صفحته في «فيسبوك»، قال فيه إن «إنشاء ودعم أي كيانات عسكرية أو أمنية، خارج إطار الشرعية، بقيادة الرئيس هادي، ومؤسساتها الوطنية، يتناقض والهدف المعلن بدعم الشرعية اليمنية».
أما في الجنوب، «الخاصرة الرخوة» والساحة المفتوحة والمشرعة لتنفيذ الأجندات الخارجية، وبالتحديد الإماراتية، فيبدو حتى هذه اللحظة أن قواه وفصائله استُفزت من استضافة القوات الإماراتية لطارق صالح في معسكر «التحالف» في مدينة الشعب، ومن الحديث عن زيارة ضباط محسوبين عليه لقاعدة العند في محافظة لحج، لاستكشاف إمكانية اتخاذها مقراً لطارق صالح والقوى الملتحقة به. وإشكالية طارق مع الجنوبيين أكثر تعقيداً منها مع حزب «الإصلاح». فإذا كان الأخير يقبل بصالح في إطار «الشرعية»، فإن الفصائل الجنوبية ترفضه مطلقاً. وترجع عدواة الجنوبيين لصالح إلى ما يعتقدون أنه «إفشال» للوحدة، ما يتهمون به الرئيس السابق وشركاءه من «استئثار بخيرات الجنوب وموارده وإجحاف متعمد وممنهج بحقهم». كذلك تتهم الفصائل الجنوبية صالح بأنه هو من يقف خلف دخول الجيش واللجان الشعبية إلى الجنوب، مع بداية الحرب في آذار 2015.
أما القوى الممولة من الإمارات، فهي الأكثر شعوراً بالحرج من الوضع المستجد، وهي ترى نفسها عاجزة عن اتخاذ موقف علني ترفض فيه القبول بالأمر الواقع خشية من الغضب الإماراتي. كذلك، ترى نفسها مضطرة إلى مجاراة الرأي العام الرافض لوجود طارق، وهذا هو حال «المجلس الانتقالي الجنوبي» برئاسة عيدورس الزبيدي، الذي دعا الى اجتماع للفصائل الجنوبية خلال هذا الأسبوع لمناقشة لجوء طارق إلى عدن تمهيداً لإنشاء مكوّن عسكري فيها. غير أن بعض الفصائل المتحررة من الوصاية الإماراتية أصدرت بياناً رفضت فيه بأي شكل أن يكون الجنوب ملاذاً آمناً لطارق صالح وبقية القيادات الهاربة من صنعاء، معتبرة أن وجوده في عدن يشكّل «استفزازاً لمشاعر الناس وخيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا من أجل تحرير الجنوب من القوات التي يديرها طارق محمد عبد الله وعمه (صالح)». وعمدت تلك الفصائل، خلال الساعات الأخيرة، إلى نشر عناصرها ونصب نقاط عسكرية على طول خط يربط بين مطار عدن الدولي ومقر قوات «التحالف» في عدن. وهي المرة الأولى التي يُتخذ فيها إجراء عسكري يحمل بطابع التحدي لأبو ظبي.
بالتوازي مع ذلك، أصدرت لجنة «التصعيد الثوري» التابعة لمكونات «الحراك الجنوبي» بياناً حذرت فيه دول «التحالف» من التعاطي مع نجل شقيق الرئيس السابق، مطالبة إياها بـ«احترام السيادة الوطنية للجنوب، وإخلاء المرافق المدنية في العاصمة عدن من القوات العسكرية». ودعت اللجنة إلى وقفة احتجاجية صباح اليوم في ساحة العروض في مديرية خور مكسر بمدينة عدن، رفضاً لإنشاء أي معسكرات لأقرباء صالح في الجنوب.
وعلى الرغم من تزايد تلك المواقف الغاضبة، فإن قيادات جنوبية مستقلة تعرب عن خشيتها من أن تحاول دولة الإمارات احتواء الموقف وتهدئة الأوضاع لتمرير مشروعها بإيواء طارق تدريجاً، متهمة مسؤولين في «المجلس الانتقالي الجنوبي» وقيادات أخرى ممولة من أبو ظبي بالقيام بهذا الدور.
ومن المفيد التذكير بأن عقم خيارات «التحالف»، بعد فشل انقلاب صنعاء في بداية كانون الأول الماضي، اضطره إلى مقاربة المحذورات. وهذا ما دفع ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، إلى الجلوس مع عدوه التاريخي، حزب «الإصلاح الإخواني». وقد وضع الطرفان نفسيهما تحت اختبار النيات، إلا أن الأحداث تشير إلى أنهما فشلا في الاختبار. ويبدو أن الجناح القطري ــ التركي في «الإصلاح» تغلّب على الجناح السعودي، أو كما تُتهم قيادة «الإصلاح» بأنها وزعت الأدوار على المستوى القيادي وتراوغ على المستوى الميداني.