المشهد اليمني الأول \
منذ بداية العدوان، بل من قبله وتحديداً “أيام حكم صالح”.. كانت تحركات دولة الإمارات المتحدة مشبوهة، وقد حددت بوصلة أطماعها صوب ثروة اليمن.. وبالتعاون أولاً مع صالح ونظامه الفاسد احتلت جنوب البلد اقتصادياً في عام 2007 من خلال شراء ميناء عدن، لكن اتفاقية البيع المشبوهة تلك ألغيت في سبتمبر 2012 بفعل ضغط شعبي عقب ثورة فبراير 2011ضد منظومة الحكم الفاسدة التي كان عبدربه منصور هادي نائباً لرئيسها.
وظلت الإمارات تتحين الفرص المناسبة لعودتها إلى جنوب اليمن مجدداً ، وقد جاءتها بالفعل في 2015 من خلال مشاركتها في تحالف العدوان على اليمن وبطلب من أمريكا التي تقود الحرب على اليمن بواجهة سعودية خليجية ، وقد كان تركيزها منصبًّا على المحافظات الجنوبية “عدن، حضرموت، سقطرى” ، وتمكنت من احتلال هذه المحافظات عسكرياً بمساندة من قوات المارينز والجنجويد السودانيين.
وبعد أن جعل الرئيس الفار هادي، محافظة عدن وميناءها مُبَاحين للإماراتيين ، في صفقة بيع لم يتم الإعلان عنها رسمياً، إلا أن خبرها وتفاصيلها تسربت للرأي العام ، ويبدو أن أبوظبي كانت وراء تسريب خبر الصفقة وتفاصيلها لتضع اليمنيين أمام الصورة الكاملة ، ثم لاحقاً كشرت عن أنيابها وكشفت علناً عن أهدافها في احتلال جنوب اليمن وإحكام قبضتها على أبرز المواقع الحيوية والاستراتيجية ، فضلاً عن مواقع الثروة..، ثم تواصلاً لمهمتها في تدمير ميناء عدن وافراغه من دوره الملاحي كميناء عالمي ، قامت قيادات عسكرية إماراتية بعدن في 10ديسمبر 2017 باتخاذ إجراءات أمنية جديدة تعسفية تستهدف نشاط الميناء حيث تسببت بتوقيف العمل بشكل كلي في جمرك المنطقة الحرة بميناء عدن.
ووجهت قوات الاحتلال الإماراتي بمنع خروج أي حاويات من الميناء إلا عبرهم بعد تفتيشها وتأخيرها، ما أعتبره موظفون في جمرك الميناء إجراءات هدفها عرقلة سير العمل في الميناء وتنفير رؤوس الأموال والتجار من الميناء مما سيؤدي إلى اعاقته وإفراغه من دوره الريادي.
وقد أبدى موظفون ومسئولون في ميناء عدن وجمركه استيائهم البالغ، معتبرين أن الامارات بهذا التوجه والإجراءات التي بدأت بتنفيذها ، تلغي تماماً دور الجانب الرسمي بأي دوائر حكومية عاملة في الجمارك بشكل خاص والميناء بشكل عام ويلغي دورها ونشاطها وبهذا أصبحت “أبو ظبي” المتحكمة الأولى والأخيرة في الميناء.
وكانت مواقع اخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي قد اشتعلت في سبتمبر 2017 بأخبار عن تسريبات تتحدث عن تفاصيل صفقة بين اليمن ممثلة بالرئيس الفار هادي والإمارات برعاية سعودية، تمنح أبو ظبي أحقية السيطرة على أهم مناطق اليمن الاستراتيجية متمثلة بميناء عدن وجزيرة ميون “القريبة من مضيق باب المندب الاستراتيجي”، وجزيرة سقطرى.
إلا أن مصدر في مكتب هادي سارع بنفي صحة تلك الأخبار “التسريبات” ، متهماً “صنعاء” بأنها وراء تلك الأخبار التي وصفها بالكاذبة والملفقة.. المصدر المسئول في مكتب هادي تحدث من العاصمة السعودية الرياض حيث هادي تحت الإقامة الجبرية، محاولاً حرف الحقائق عن مسارها الصحيح. .وما هو معلوم للجميع أن الإمارات هي الحاكم الفعلي لعدن ولا تحتاج لموافقة هادي في السيطرة على ميناء عدن. ولأن العالم أصبح قرية صغيرة وكل المعلومات فيها متاحة لا يمكن اخفاءها ،فقد كشفت وسائل إعلام جنوبية في أواخر أغسطس 2017عن اتفاق بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والرئيس الفار عبدربه منصور هادي، يتم بموجبه سيطرة الإمارات على ميناء عدن لمدة 25 عامًا قابلة للتجديد.
وتوقع مهتمون بالشأن اليمني أن الاتفاق الذي ينص أيضاً على تأجير الإمارات جزيرتي “سقطرى” و”ميون” اليمنيتين للمدة ذاتها، من شأنه أن ينهي الخلافات العميقة بين أبو ظبي وهادي، ومقابل ذلك تلتزم أبوظبي بإيقاف الدعم عن أي كيان أو جماعة مناهضة لحكومة هادي”.
تفاصيل الصفقة تعطي الإمارات الحق في منع أي مواطن يمني من دخول جزيرتي
بالتشاور مع المؤجر ويكون الريع مناصفة.. كما يمكن ضم الجزيرتين إلى أنشطة دولية مثل الاشتراك في أنشطة ومسابقات رياضية وفنية وأي شيء يقرره مجلس إدارة الجزيرة التابع للسلطات المستأجرة.
أما بخصوص ميناء عدن، فقد وقع الرئيس الفار “هادي” على منح شركة موانئ دبي حق إدارة وتشغيل الميناء لمدة 25 عام قابلة للتجديد، في مقابل ذلك تلتزم الإمارات بالتوقف عن دعم الكيانات المناوئة لحكومة “هادي”، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تألف في مايو2017 بدعم إماراتي، ويتبنى مشروع فصل جنوب اليمن عن شماله..” ويظهر هادي هنا باحثاً عن مصلحته الشخصية حتى لو باع الوطن بأكمله، باعه فعلاً.
ومن المثير للسخرية أن هادي حاول – عبثاً- تخدير الشعب حين حاول تقديم نفسه كطرف قوي في اتفاقية بيع ميناء عدن وجزيرتي ميون وسقطرى فيما الحقيقية أنه مجرد أداة توقيع على اتفاقيات تسلخ أهم مواقع اليمن الاستراتيجية الحيوية من هويتها، فبعد أن باع كل شيء للإماراتيين ها هو الآن ومنذ قرابة العام مطروداً من عدن وممنوع بأوامر إماراتية من دخولها.
وأبرز الشروط – المضحكة والمخجلة في آن واحد – التي اشترطتها هادي على الإمارات أن أي آثار ذات قيمة كبيرة يتم العثور عليها توثق وتحفظ في متحف الجزيرة، والمحافظة على التنوع البيئي في الجزيرة، وأن يتكفل المستأجر بالدفاع عن الجزيرة ضد أي تهديد خارجي.. كما تتضمن الشروط أن تكون اللغة المهرية لغة أساسية إلى جانب العربية وتضاف إلى مناهج التعليم الدراسية، ويحق لسكان المهرة التنقل من وإلى الجزيرة بالهوية الخاصة التي ستصرف لهم.. ونصت بنود الصفقة على أن تكون السعودية ضامنا وشاهدا على الطرفين.
صفقة البيع لم يتم الإعلان عنها رسمياً، إلا أن مصادر سياسية يمنية قالت لصحف خليجية إنها منطقية من حيث المبدأ، وتحديداً في الجزء الخاص بتأجير جزيرتي سقطرى وميون، وكذلك ما يخص ميناء عدن، باعتبار أن الإمارات باتت بالفعل تسيطر على هذه المناطق وتعتبر صاحبة القرار الأولى ولها السيطرة العسكرية فيها إلى حد كبير، ولا يستبعد أن تسعى إلى إيجاد صيغة قانونية تضمن بقاءها أطول فترة ممكنة.
بيع “هادي” لميناء عدن، يبدو أنه استكمالاً لما أقدم عليه “صالح”.. وبحسب وثائق نشرت في وسائل الإعلام عقب ثورة فبراير 2011 فقد باع نظام صالح ميناء عدن لمجموعة «موانئ دبي العالمية» التي تعدّ خامس أكبر مشغل للموانئ في العالم، ويقع تحت إدارتها ١٨ ميناء دولياً، تتوزع في مناطق مختلفة من العالم. وفيما يفترض بميناء عدن أن يكون منافساً لميناء دبي، فقد أبرمت شركة «موانئ دبي العالمية» عام ٢٠٠٧ اتفاق تأجير مع نظام صالح لإدارة ميناء عدن، أفضى إلى تأسيس شركة لتطوير محطة الحاويات في عدن وتشغيلها، مناصفة لكل طرف، وبرأس مال أوّليّ بقيمة 200 مليون دولار. وباتت الشركة مشمولة بقانون المنطقة الحرة.
وفي 2008أبرمت اتفاقات أخرى، منها إيجار الأرض، وإدارة الميناء، وخدمات الميناء ونقل الموظفين. وأظهرت إحصائيات نشاط ميناء عدن تراجعاً في أدائه، فبينما استقبل الميناء نحو 500 ألف حاوية خلال العام الذي سبق تشغيل «دبي العالمية» للميناء، وتناقصت هذه الكميات عاماً بعد آخر حتى وصلت إلى 130 ألف حاوية فقط خلال عام 2011م، بينما توقف عمل خطوط الـ«BIL» التي كانت تعمل في الميناء منذ 25 عاماً كخطوط ترانزيت للسفن التي تتوقف للتزود بالوقود.
خيوط المؤامرة التي تعرض لها ميناء عدن بدأت في ديسمبر 2004حين تم إنزال المناقصة الدولية الخاصة بالميناء، وفق مرجعية وشروط محددة، استدرجت بموجبها عـدة شركات عربية ودولية، لتقديم ما لديها من عروض لغرض تشغيل وتطوير ميناءي الحاويات “كا لتكس والمعلا” لفترة امتياز تمتد إلـى ٣٠ عاماً. وفتحت عروض المناقصة في مارس ٢٠٠٥، وكانت الشركة الكويتية K.G.L وشركة “مناولة الخليج” السعودية، الشركتين اللتين تقدمتا بأعلى العروض وأفضلها، يليهما عرض “شركة موانئ دبـي”، ثم شركة “الخدمات الدولية الفلبينية”. وبدلاً من إرساء المناقصة على الشركة الكويتية، باعتبارها صاحبة العرض المتميز والأكثر ضماناً في المناقصة، إلا أن جهات في نظام صالح أعاقت تنفيذ ذلك، ولجأت إلى إعادة المناقصة في حيلة منها لجـر “موانئ دبـي”، مـن جديـد إلى ساحة المنافسة، برغم فشلهـا، تحت ذريعـة تحسين العروض المقدمة من كافة الشركات المتنافسة.
وجرى إعادة المناقصة في مايو ٢٠٠٥، ودخلت شركة “موانئ دبي” هـذه المـرة بأقل وأدنى من العروض التي قدمتها في المناقصة الأولى، مقارنة بعرض الشركة الكويتية الذي كان الأفضل. غيـر أنّ السلطة اليمنية وحكومتها لعبتا دور وقامت
بطمس الحقائق وتزوير الوقائع، لترسو المناقصة في ظروف غامضة على شركة “موانئ دبـي”، ومكنتها من الاستحواذ على ميناء عـدن وإدارة شؤونه.
وتم إخفاء الاتفاقية عن مجلس النواب تحت غطاء تأسيس شركة مشتركة تجمع “مؤسسة خليج عـدن” وشركة “موانئ دبي العالمية”، وتحت إطار واحد بغية تمرير عملية الصفقة أو “البيعة الرخيصة” دون موافقة ومراقبة مجلس النواب.
والواضح، بحسب بعـض المصادر والوثائق التي كشفتها جهات مطلعة أنّ شركـة “موانئ دبي العالمية”، دخلت المناقصة الثانية وهي مطمئنة وواثقة من أنّ الأوضاع برمتها سوف تؤول لمصلحتها، لذلك مضت في تقديم عـرض أقـل من العـرض الذي قدمته سابقاً، مستخدمة نفوذها وإغراءاتها الخاصة للمسؤولين اليمنيين لأجل الاستحواذ على ميناء عـدن، نظراً لقيمته الحقيقية والدور المحوري المتميز والهام الذي يمثله في المنطقة.
وساهمت الحكومة اليمنية في تمرير هـذه الصفقة، عندما أعادت المناقصة، التي فرّطت بموجبها بإحدى أهم المؤسسات الاقتصادية اليمنية السيادية، واتجهت اتجاهاً قوياً للتفاوض المباشر والسري مع شركة دبـي مقابل عروض هزيلة ورخيصة قدمتها تضر بمصلحة ميناء عـدن.
وأفضى ذلك التوجه إلى تسليمها مهام التشغيل رسمياً فــي أكتوبر ٢٠٠٨، مع عدم إلزامها إلا بمبلغ ٣٥ مليون دولار فقـط لتطويره وتوسعته خلال مـدة 5 سنوات بطول ٤٠٠ متر، وبعمق لا يقـل عن ١٧ متـراً لاستيعاب سفـن الحاويات العملاقة، فيما الاتفاقية السابقة ألزمت الشركة الكويتية بتوسعته وتطويره إلى طول ٢٠٠٠ متـر، خلال السنة الأولى من توقيع الاتفاقية وبواقع ٦٥٠ مليون دولار.
و في سبتمبر2012 تم إلغاء الاتفاقية المجحفة من قبل حكومة الوفاق وهو ما أشعر أبوظبي بخطر استقرار الدولة اليمنية وبسط نفوذها على كل أراضيها، وعندها بدأت تخيط خيوط اللعبة لإعادة صالح إلى السلطة مجدداً.
وتحت ذريعة نجدت الرئيس الفار والمستقيل هادي دخلت “الإمارات” كثاني أكبر قوة بعد السعودية في تحالف العدوان على اليمن، وكانت تخطط إلى اشعال الفوضى مع المتغيرات الإقليمية في المحافظات الجنوبية، في محاولة لإعادة السيطرة على الميناء الحيوي مجدداً.
هذا ويعدّ ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية فـي العالم، وصنف فـي خمسينيات القرن الفائت ثاني ميناء فـي العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود.
ويتميّز الميناء بأنّه محمي طبيعياً من الأمواج والرياح الموسمية الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية، وذلك لأنّه يقع بين مرتفعي جبل شمسان، على بعد ٥٥٣ متراً، وجبل المزلقم على بعد ٣٧٤ متراً، مما يمكنه من العمل دون توقف طوال العام.
ويغطي الميناء مساحة مقدرة بـ٨ أميال بحرية من الشرق إلى الغرب، و٥ أميال بحرية من الشمال إلى الجنوب.. ويتكون من منطقتين هما الميناء الخارجي والميناء الداخلي، ويفصلهما خط يمتد على طول كاسر الأمواج. ويتم الوصول إلى هذه المرافق عبر قناة عبور تبدأ من منتصف الطريق بين مرتفعي خليج الفيل وعدن الصغرى
ويبلغ عمق الجزء الخارجي للقناة ١٥ متراً من نقطة التفرع، حيث تتجه القناة غرباً بعمق ١٤.٧ متر إلى ميناء الزيت في عدن الصغرى، حيث توجد أربعة مَراس دولفينات لمناولة النفط بعمق يراوح ما بين ١١.٥ أمتار إلى ١٥,٨ أمتار، بالإضافة إلى مراس مباشرة بعمق ١١ متراً لغرض شحن غاز البترول المسال وسفن البضاعة الجافة ومراسي الدحرجة. .أما القناة المؤدية إلى الميناء الداخلي فتتجه نحو الشمال الشرقي من نقطة التفرع وبعمق ١٥ متراً.
وكالة الصحافة اليمنية