المشهد اليمني الأول/ رشيد الحداد – العربي
يعيش أكثر من 43 ألف موظف متقاعد في العاصمة صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة «أنصار الله»، أوضاعاً إنسانية صعبة، إذ يعاني الكثير منهم من أمراض مزمنة، في حين لا يستطيعون توفير الدواء، بسبب حرمانهم من رواتبهم الشهرية من قبل حكومة عبدربه منصور هادي، التي تصرف رواتب ما يزيد عن 70 ألف موظف في المناطق الخاضعة لسطيرتها.
وفي ظل استمرار الحرب والحصار المفروض على اليمن، منذ ثلاث سنوات، تتحدث الأرقام عن مآسي في شتي القطاعات. أصحاب أكبر صندوق سيادي في البلد، يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة، بسبب إقحام حقوقهم المكتسبة، بالصراع، من قبل حكومة هادي التي لم تعد تفرق بين الحقوق المكتسبة وغير المكتسبة، وتشن حرب الجميع ضد الجميع.
المتقاعدون المدنيون، لا يتجاوز عددهم الـ 123 ألف متقاعد، يعاني ما نسبته 38% منهم من أمراض مزمنة.
ووفقاً لإحصائية حصل عليها «العربي»، فإن 59% منهم ينحدرون من المناطق الجنوبية والشرقية، أي الخارجة عن سيطرة «أنصار الله»، ويتقاضون رواتب شهرية من مركزي عدن، تصل إلى 3.4 مليار ريال من إجمالي الرواتب الشهرية للمتقاعدين، البالغة نحو 5.4 مليار ريال شهرياً، في حين يحرم 41% (الآخرون المنحدرون من المحافظات الشمالية)، من رواتبهم الشهرية من دون أي مبرر.
لغة الأرقام
تصل مدخرات صندوق الهيئة العامة للتأمينات الإجتماعية في صنعاء إلى 84111 مليار ريال، منها 781 مليار ريال استثمارات مالية طويلة الأجل في البنك المركزي اليمني، على شكل سندات حكومية، وبنسبة 93% من إجمالي أموال التأمينات، إلا أن عائداتها السنوية كانت تصل قبل الحرب والحصار، إلى 55 مليار ريال سنوياً.
كذلك تبلغ الاستثمارات العقارية، وحصص المشاركة في مشاريع، الكثير منها ما بين متوقفة ومتعثرة، 60 مليار ريال، وبنسبة 7% فقط. تلك الإستثمارت، وعلى الرغم من تعثر الكثير منها قبل الحرب، كان بعضها يعود بعائدات جيدة.
يذكر أيضاً، أن هيئة التأمينات، إحدى المساهمين في الشركة «اليمنية للغاز المسال»، بنسبة 5%، وبسبب توقف إنتاج وتصدير الغاز اليمني المسال، فقدت الهيئة أرباحاً شهرية، كانت تصل إلى 1.7 مليار ريال.
حرمان متعمد
مصدر مسؤول في نقابة المتقاعدين المدنيين في صنعاء، أكد أن رواتبهم كانت تصرف باستمرار، من دون انقطاع في الشمال والجنوب معاً، حتى شهر مارس الماضي، مضيفاً أنه وبسبب قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، توقف صرف مرتبات المتقاعدين وخصوصاً الشمالين.
ولفت المصدر في تصريح لـ«العربي»، إلى أن حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، التزمت في أكثر من خطاب، بالوفاء بالتزامات البنك المركزي، إلا أنها تنصلت وتعاملت بصورة عنصرية مع متقاعدي الشمال.
وأشار المصدر، إلى أن حكومة هادي، تصرف بصورة شهرية رواتب 71.431 متقاعد في المحافظات الجنوبية وفي محافظة مأرب من البنك المركزي في عدن، وخلال الفترة الماضية، وتحديداً من شهر سبتمبر إلى أكتوبر، صرفت لمتقاعدي تعز المدنيين البالغ عددهم 8720 متقاعد رواتب عدة، إلا أن رواتبهم لاتزال غير مستقرة.
القضية إنسانية
رئيس الهيئة العامة للتأمينات في صنعاء، المعيّن من قبل «المجلس السياسي الأعلى»، إبراهيم الحيفي، أكد أن «القضية إخلاقية وإنسانية صرفة، وليس لها أي جانب سياسي»، مضيفاً أن «ما يحدث، عقاب غير إنساني على شريحة المتقاعدين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن، وأن فرض العقاب على هذه الشريحة غير مبرر».
وأبدى الحيفي في حديث إلى «العربي»، استعداده للتعاون مع فرع الهيئة في عدن، وتعزيزها بالإيراد المالي مقابل دعم الهيئة في صنعاء بالسيولة النقدية من بنك عدن أو من مأرب، لصرف رواتب المتقاعدين في الشمال، مطالباً بالعمل على تحييد أموال المتقاعدين من أي صراعات، كون تلك الأموال مكتسبة وحقوق لا يجوز بأي حال من الأحوال التلاعب بها، أو إقحامها في أي صراعات.
وأشار إلى أن المتقاعدين، هم الفئة الأضعف في المجتمع، وتمنى أن يتعاون الجميع، بمن فيهم الأمم المتحدة لحل قضية توقف رواتبهم بأسرع وقت ممكن.
طلب تدخل أممي
نقابة المتقاعدين المدنيين في صنعاء، التي سبق أن بعثت بوفد ممثل عنها للتفاوض مع حكومة هادي، حول وقف معاناة متقاعدي الشمال، وصرف رواتبهم، وهي المساعي التي قوبلت بتجاهل من قبل وزير الخدمة المدنية في حكومة بن دغر، عبدالعزيز جباري، اتجهت الأسبوع الماضي، إلى مخاطبة ممثل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في صنعاء، للتدخل العاجل للضغط على حكومة هادي والبنك المركزي في عدن، وإلزامهم بصرف رواتب أعضائها المتقاعدين المدنيين في المحافظات الشمالية.
وأشارت النقابة في رسالة حصل «العربي» على نسخه منها، إلى أن حكومة هادي، لاتزال تعاقب 43 ألف متقاعد في العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية، من دون مبرر، على الرغم من أن رواتبهم الشهرية، لا تتجاوز الـ1.9 مليار ريال من إجمالي 5.4 مليار ريال، تمثل إجمالي الرواتب المستحقة للمتقاعدين شهرياً.
وحمّلت النقابة الأمم المتحدة، ما يتعرض له متقاعدي الشمال من عقاب جماعي، ساهم بتدهور الأوضاع المعيشية والصحية للآلاف منهم.