المشهد اليمني الأول/
رفعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا الصوت مجدداً بوجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اجتماع بروكسل الثلاثي لحماية الاتفاق النووي مع إيران والذي بات الشغل الشاغل لترامب لتقويضه بشتى الوسائل وإبقائه داخل دائرة التوتر دون أن يمتلك أي نقاط قوة أو دعم سواء من قبل الأطراف التي وقعت الاتفاق عام 2015 أو من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أصدرت عدة تقارير متتالية تثبت التزام إيران الكامل بالاتفاق. يستفز ترامب بتصرفاته بين الفينة والأخرى إيران وأطراف الاتفاق وينتظر ردة الفعل, وحتى الآن يلقى ردوداً لا تتجه في المسار الذي يرسمه.
لم يتمكن ترامب من حشد أي تأييد دولي لتصرفاته ضد طهران التي لها الحق القانوني بامتلاكها الطاقة النووية السلمية ومن الطبيعي تمسكها بهذا الحق. يتحرك ترامب منفرداً بهذا الاتجاه إذ يعمل على تقويض الاتفاق بكل الوسائل, ولم يتوقف عن التهديد بالانسحاب منه فـ«إسرائيل» تنتظر إزاحة الاتفاق عن الوجود أو الاستمرار به بشكل يجر القلاقل لإيران أملاً بإبعادها عن المنطقة وإشغالها بأزمات داخلية وخارجية متعددة خاصة بعد إخفاق مخطط أعمال الشغب وإشعال الشارع الإيراني التي كانت واشنطن و«إسرائيل» وأدواتهما في المنطقة وعلى رأسهم السعودية عرابين وداعمين لما جرى بكل وضوح. اليوم يشدّ ترامب الأحزمة نحو سلسلة من العقوبات باتجاه شركات وشخصيات إيرانية ليس لأن طهران تخرق مبادئ الاتفاق النووي كما تزعم إدارة ترامب, بل لأن ترامب قرر بكل قلة نضوجه السياسي «محاسبة إيران على سلوكها في المنطقة» على حد تعبيره, لكن الأوروبيين وعلى الأقل الأطراف الثلاثية التي اجتمعت مؤخراً قالوها بكل وضوح للأمريكيين أنه لا بديل عن الاتفاق، مبدين تمسكهم بضرورة فصله عن ملفات أخرى لأن هذه قضايا منفصلة كلياً عن المسألة النووية كما أكدوا جميعاً. فالشركات الأوروبية تضررت بشكل كبير من تهديدات واشنطن بالعقوبات وإلغاء الاتفاق وباتت هذه الشركات أيضاً بدائرة الحظر والعقوبات بحال انخرطت أكثر في الحقل الاقتصادي الإيراني, ما أزعج الأوروبيين أكثر.
وما يقلق الأوروبيين عدم اقتناع ترامب بالاتفاق برمته وجهوده الواضحة لزعزعة تطبيقه بالشكل الأمثل ما يسبب إخفاقاً لكل الجهود الدولية المشتركة للحفاظ على الاستقرار بهذا الملف, ومن الواضح عدم قدرة الأوروبيين ولا غيرهم على التكهن بتصرفات ترامب وآرائه المتبدلة والمتسرعة ما يشكل قلقاً متزايداً لعدم التزامه القواعد الأساسية في السياسات الدولية وعدم احترامه الاتفاقات المشتركة الصادرة عن الجهات المتعددة وقدرته بكل بساطة على خرق القوانين والاتفاقات.
من جانبها إيران تحقق التزاماً كاملاً في الاتفاق, لكن ليس من المتوقع أن تقدم كل ما هو مطلوب خارجياً لإبقاء الاتفاق حياً وسارياً بينما تعمل واشنطن بكل جهد على خرقه والاستمرار بنهج العقوبات. تنتظر إيران أيضاً التزاماً أمريكياً بالمقابل فهي أيضاً قوة لا يستهان بها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتتمتع بالجهوزية الكاملة على هذه المستويات ولديها إجراءاتها الخاصة إذا ما لزم الأمر وبقي ترامب على سلوكه بانتهاك الاتفاق النووي.