المشهد اليمني الأول/
غادر نائب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن معين شريم، والوفد المرافق له مساء أمس الأول الأربعاء، العاصمةَ صنعاء، بخفي حنين بعدما عجز عن لقاء الوفد المفاوض في جنيف والكويت خلال إقامته التي امتدت إلى خمسة أيام في صنعاء.
وأفادت مصادر خاصة بأن شريم أعاد طرح بعض مقترحات المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حول «الانسحاب من محافظة الحديدة وتسليم مينائها لفريق أممي، مقابل رفع الحظر عن مطار صنعاء وتسليم رواتب الموظفين عبر طرف ثالث». لكن هذه المقترحات قوبلت بالرفض من قبل أطراف صنعاء، وفق المصادر التي أشارت إلى أن رئيس المجلس السياسي صالح الصماد أبلغ شريم بأن التفاوض بشأن الحديدة ومينائها مرفوض بشكل قطعي، مخاطباً إياه بالقول: «الأمم المتحدة لا تزال غير جادة في وقف الحرب على اليمن ووضع حد لمعاناة اليمنيين».
وفي سياق الإنحراف عن مسار الحل السياسي والإنحياز للرباعية، أصدر نائب المبعوث معين شريم بياناً له أمس الخميس، تضمن إحاطة كاذبة بما تم إنجازه خلال زيارته للعاصمة صنعاء التي استمرت لمدة خمسة أيام.
وفي البيان الذي تضمن عدة نقاط أهمها عودة الحديث عن ضرورة التوافق على قيادة سياسية جديدة بما يعني عزل هادي والأحمر وهذا ماتضمنته مبادرة الدول العشر الراعية للسلام في اليمن منذ أشهر، لكن رباعية الملف اليمني المتمثلة بأمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات إنحرفت عن هذه المساعي إلى مبادرة منحازة كلياً للشق العسكري دون السياسي بإحتلال ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
وعرقلت الرباعية ما تم التوصل إليه في مفاوضات الكويت برعاية الأمم المتحدة بفرض حل مكون من شقين أمني يقضي بالإنسحاب للجنة أمنية مشتركة من كافة الأطراف، وسياسي يقضي بعزل هادي وأتباعه وتشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعترض مندوب روسيا حينها “فيتالي تشوركين” على الآلية التي يدير بها ولد الشيخ جهود السلام في اليمن، واصفاً جهود ولد الشيخ بالمنحازة، في إشارة منه إلى إنتقاء الشق العسكري منها والتخلي عن الشق السياسي الذي يتضمن إستقالة هادي والأحمر.
وضمن أبرز المغالطات قال شريم في البيان أنه خلال زيارته لصنعاء “تباحث خلالها مع كبار المسؤولين السياسيين في حركة أنصار الله، والمؤتمر الشعبي العام، بالإضافة الى جهات سياسية أخرى فاعلة وقادة من المجتمع المدني، في سبل استئناف عملية السلام في اليمن”.
وهذا ما نفاه عضو المكتب السياسي لأنصار الله “حمزة الحوثي” الذي عبر عن أسفه الشديد إزاء استئناف معين شريم نائب المبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ نشاطه بكذبة، وقال الحوثي :”أن نائب ولد الشيخ أكد في بيانه لقاءه وانفراده بقيادات من أنصارالله، رغم أنه لم يلتقيهم في لقاء خاص بهم تنظيمياً ابداً.
وكشف شريم أن لمس تعاوناً من قبل الأطراف التي قابلها في صنعاء مرحباً بالتزامهم باستئناف عملية السلام في أقرب فرصة مرحبا بالتشجيع التي لقيه من خلال التزام القيادات التي التقاها بصنعاء باستئناف المفاوضات.
كما كشف نائب المبعوث عن عودة العمل بالخارطة التي نصت على تخلي عبدربه منصور هادي عن منصبه لنائب جديد تتوافق عليه جميع الأطراف بالتزامن مع تقديم النائب الحالي علي محسن الأحمر استقالته من منصبه، من خلال دعوته للتوصل إلى توافق على قيادة يمنية.
وفي هذا السياق قال البيان إن نائب المبعوث “دعا الأطراف الى التعاون الكامل وبنيّة صادقة مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن، من أجل التوصّل إلى اتفاق بقيادة يمنية يضع حداً نهائيا ومستداما للنزاع”.
وبحسب البيان شدد نائب رئيس البعثة أيضا على أهمية أن تتخذ جميع الأطراف خطوات ملموسة لبناء الثقة فيما بينها. وهذا يشمل ضمان التشغيل المتواصل لميناء الحديدة، الذي هو بمثابة الشريان الحيوي لإيصال المساعدات الإنسانية والسلع التجارية، والامتناع عن القيام بأعمال تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة”.
وهذا ما عكفت رباعية الحل في اليمن على إلغاءه بتحويل أنظار السلام إلى إحتلال الميناء مقابل الرواتب التي ساعدت خطوة نقل البنك المركزي اليمني في قطعها عن الشعب اليمني، وعجزت الأمم المتحدة في الوفاء بوعدها لأطراف صنعاء، وهو ما منع ولد الشيخ من زيارة صنعاء، إذ أصبح المنبوذ الغير قابل للإستقبال من أي طرف في صنعاء.
وأضاف بيان شريم أنه ” وفيما تكثّف الأمم المتحدة جهودها لتسهيل استئناف العملية السياسية في اليمن، فإنها تدعو جميع الأطراف إلى الامتناع عن الادلاء ببيانات مهدّدة وتصعيدية، الأمر الذي تخالفه السعودية وأزلامها بصورة فاضحة ببيانات التهديد والوعيد. ويحثّ المبعوث الخاص الأطراف على اعتماد خطاب يعلي مبادئ المصالحة والشراكة والسلام والتوافق وحسن الجوار. وهذا أمر أساسي لمساعدة الشعب اليمني، الذي عانى لفترة طويلة في ظل هذه الحرب، على تحقيق ما يصبو اليه من حياة آمنة ومستقرة وكريمة”.
فيما تشن السعودية ووسائل إعلامها الرسمية حملة تشويه منظمة للنيل من ولد الشيخ، لتوفير ضغط إضافي يجبره على الإستمرار بالإنحياز لصف الرباعية، دون أي محاولة لوضع الحل في اليمن على خارطة الطريق التي إتفقت عليها الدول العشر الراعية للسلام في اليمن بشقيها الأمني والسياسي.
كما أكد المبعوث ” استعداده والتزامه المستمر بدعم الشعب اليمني وقواه السياسية في الجهود الرامية الى التوصّل الى حل توافقي وشامل للنزاع استناداً الى مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، بالإضافة إلى البناء على التقدّم الذي تحقق خلال محادثات الكويت والجهود التي تلت ذلك”.
وهذا ما يعتبر بحد ذاته إنحرافاً عن المسار الذي رسمته الدول العشر الراعية للسلام، التي أكدت على إستحالة الحل العسكري في اليمن، وعدم جدوائية القرار 2216 والذي يعتبره الكثير تطهير عرقي من المستحيل تطبيقه على أرض الواقع، وقد إعترف ولد الشيخ قبل أشهر في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية بإستحالة الحل العسكري واستحالة تطبيق القرار 2216 على الواقع.
ويبدو أن خطوة المبعوث ونائبه، مجرد محاولات كاذبة لتقديم تطمينات للدول الراعية للسلام في الإحاطة المقبلة لولد الشيخ وإيهامهم بتحركاته، الذي يهدف منها لتغطية التصعيد على البلاد، إذ إستمرت الأمم المتحدة بالعزف على وتر الرباعية المعرقلة للحل، كما تستعد السعودية ومنافقيها لمرحلة تصعيدية جديدة، يوفر فيها ولد الشيخ غطاءاً سياسياً يحرف الأنظار إلى تعنت صنعاء لتسليم الميناء، ويسقط آلية الحل بشقيه الأمني والسياسي، مكتفياً بالشق الأمني الذي هاجمته روسيا ومندوبها قبل أكثر من عام.
من جهة أخرى كشف عضو المكتب السياسي لأنصار الله حمزة الحوثي في تغريدات عبر حسابه الشخصي في تويتر عن أسباب أخرى غير المسار التفاوضي لزيارة معين شريم إلى صنعاء قائلاً “وفي الحقيقة زيارته بقدر تطرقها لمسار المفاوضات إلا أن هدفها المركزي بدا وكأنه محاولة ترسيخ إعادة تموضع البعض سياسيا وتفاوضيا وفرز الجبهة الداخلية وتنصيفها أخرى في إطار ما حصل مؤخرا، في محاولة منه للحيلولة دون إفشال مخطط تفكيك الجبهة الداخلية وضمان تعزيزها كوحدة واحدة متماسكة يمثلها وفدا واحدا في أي مفاوضات قادمة تشكله القيادة السياسية من الأحزاب الموقعة على اتفاق السلم المناهضة للعدوان والمشاركة في إدارة الدولة”، مؤكداً أن ذلك “ما سيكون مهما حاول ولد العدوان وشريمه”.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أشار، أمس الخميس، في تغريده على حسابه بـ”تويتر”، إلى أن ”نائب رئيس بعثة الامم المتحدة الى اليمن اجتمع في صنعاء مع مسؤولين سياسيين في حركة أنصار الله، والمؤتمر الشعبي العام وجهات سياسية أخرى فاعلة وقادة من المجتمع المدني.” وأضاف أن شريم “رحّب بالتشجيع الذي لقيه من خلال التزامهم وتعاونهم لاستئناف عملية السلام في أقرب فرصة ممكنة”. وهو ما ينفيه مسؤولين في صنعاء متسائلين عن سبب إلغاء معين شريم مؤتمراً صحفياً في مطار صنعاء بصورة مفاجئة بعد إنتظارهم لساعات قبل دقائق من مغادرة شريم المطار.
وكان معين شريم في محاولة لجس النبض قد أجرى لقاءات إلتقى خلالها برئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد ورئيس مجلس النواب يحيى الراعي ورئيس حكومة الإنقاذ عبدالعزيز بن حبتور وعدد من الأحزاب السياسية بينها حزب المؤتمر، فيما رفض أنصارالله اللقاء به.
أما رئيس اللجنة الثورية محمد علي الحوثي فقد بعث رسالة لشريم أثناء زيارته لصنعاء أبلغه فيها رفضه اللقاء به كون ذلك موقف شعبي، حتى تقوم الأمم المتحدة بتسليم رواتب الموظفين وتنفيذ ما التزمت به، كما بعث لرسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيرس”.